المكانة هي التي يترتب عليها علو ومقام الفرد ومن خلالها يحتل موقعاً ذا درجة رفيعة، وبطبيعة البشر فإن كل واحد له منزلته التي يتبوأها وكل بحسب أداء رسالته وعطائه في هذه الحياة، فهذه الدنيا تزخر بالعديد من الأفواج البشرية الذين تدافقوا منذ قيامها وقد لاح في سمائها أعلام بشرية كان لهم رسالة عظيمة قاموا بتأديتها على أكمل وجه والناس باختلاف أشكالهم يبحث كل منهم عن دور مهم ليضع نفسه فيه ويتميز به عن الآخر وهناك من يوفق ويضع نفسه في مركزه اللائق به الذي كان ينشده ويكافح من أجله وتختلف الدرجات من شخص إلى آخر حيث يوجد من الناس من له صيته وهيأته وبناء شخصيته واحتلال منزلته وعلوه في المكان المرموق اللائق به، وهناك من يكون في أماكن الوسط والمراتب المتقدمة وتثبيت موقعه في الموقع الذي يراه مناسباً له ويرى أنه صوت لا بأس فيه. ويوجد من الناس مَنْ لا يهتمون ولا يتحمسون للجوانب العليا في كل شئونهم. وهؤلاء يطلق عليهم عامة الناس فقط يؤدون حياتهم الدينية والدنيوية ويمارسون نشاطهم المعتاد في مواقيتها، والناس كما يقال أجناس فيهم العالم والحاكم والمربي والعامل والمتخصص بكل التخصصات، وكل له رسالته التي يتصف بها، وكل له منزلته وميزاته وعلوه وتقديره وحسن مقامه ولذلك لابد لكل من هؤلاء أن ينظر له بعين الاعتبار وأن يحسب لمكانه الخاص ألف حساب وهذا ما يتوفر في بعض أصحاب المكانة الرفيعة، وهذا أمر لا بأس به إذا توفرت فيه عوامل العدل والحكمة والتعاطف والمحبة والعطاء والإخاء. وإذا كان الاحترام والتقدير والسمع والطاعة لكل قائد وحاكم في كل مكان وزمان من رؤساء وملوك فهذا مطلوب خاصة ممن لهم مكانة شرعية فإن الدين الحنيف يحث ويأمر بطاعة ولي الأمر وطاعته موجبة وعليها تسير مشاوير الحياة وإذا كان لولي الأمر الاستجابة في تقديره وتعظيمه واحترامه وتنفيذ أوامره والأخذ بيده فذلك يعني أن كلاً له مقامة ولكل مقام مقال. ولا بد من احترام المشاعر لكل من له رسالة عظيمة يقوم بأدائها على أكمل وجه وبالدور الذي أنيط به من أجله وبتحمل الحمل الذي أوكل إليه. وإذا كان للحكام أو القضاة تأدية رسالة يقومون بها على الوجه الأكمل الذي يمكنهم على العمل من الاهتمام والإتمام فيها والسعي لإبرازها، فإن الرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام بدءًا من النبي نوح عليه السلام إلى خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لهم مقامهم ومكانتهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهؤلاء رسل الله في أرضه أمروا بأداء تبليغ الرسالة وأدوها أحسن الأداء ونشروها أفضل النشر وبينوا معانيها ومضامينها أوضح بيان وتبيان كل الرسل عليهم الصلاة والسلام قاموا برسالتهم على خير قيام. فكل نبي له رسالة يدعو فيها قومه ليبين لهم الحق من الباطل ويخرجهم من الظلمات إلى النور وكان مجمل شعار رسالتهم هي (إخراج العباد من عبادة العباد إلى عباد رب العباد) ومن ضيق الدنيا إلى فسحة الآخرة). هكذا كان أنبياء الله في تأدية رسالاتهم التي كان فيها اللين والسماحة والهدوء والبصيرة وحسن المنطق ورجاحة العقل فكانت طريقة دعوتهم متماشياً مع الآية الكريمة: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).. (125) سورة النحل. فكل مرسل أدى الأمانة التي اؤتمن عليها بكل دقة وتوضيح وإخلاص وتصميم، وأداها بحسب ما أُمر بها بطريقة مهذبة وتوجيه خلقي كبير. هؤلاء الرسل لهم الفضل الكبير بعد الله عز وجل على ما حباه وأنعم عليه على فطرة الإسلام لكل منتم له في جميع أنحاء العالم المتفرقة من أقطار عديدة. فالإسلام هو الحياة الحقيقية لمن يعرف معنى جمال الحياة والدين الإسلامي هو يكفل قيمة حياة المسلم في أنحاء متفرقة في حياته، وعلى رأسها قوانين الأنظمة والترتيبات المبرمجة في كل شئون الحياة، ولأن هذه الأمة لها دور كبير بإصلاح هذه الحياة وتقويمها القوام الصحيح عندما أثبتت تأكيدها هذه الآيات: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).. (110) سورة آل عمران. وبما أن هذه الأمة آخر أمة ستختم هذا الوجود فإن لها الفخر أن يكون خاتم الأنبياء الرسول الأمين الهادي النذير الحبيب وبشرى ونور وهدى العالمين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آل وصحبه أجمعين. فهذا فيه رحمة للناس ونور يضيء طريق الظلام، هذا النذير الذي جعل أمته تسير من طريق معوج إلى طريق مستقيم وقد أكد ذلك من خلال أحاديث مختلفة منها: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). هذا هو محمد رسول الهدى والرحمة نبي الرسالة والشعاع المضيء والسراج المنير الذي أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده. رسول حمل أمانة رسالة التبليغ وتحلى بزينة التواضع والحلم والشفقة والمحبة والاتزان والتدبر والتريث والتفكر، ما أحسنها وما أجملها من مزايا وصفات تربعت في كيان هذا الإنسان الذي أنار الإنسانية وانفرد بإنسانيته منذ إشراقة وجهه الكريم. عناوين عدة تحمل صهوة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يأتي في طليعتها الخلق الذي اتسم به منذ أن عرفته هذه الدنيا وسمي بها قبل خلقه فمنحت له هذه الشهادة الربانية في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).. (4) سورة القلم. فالخلق والأدب اقترن بها هذا المرسل منذ ملازمته لهذه الحياة، الحب غرسه في قلبه والتواضع نشأ مع نشأته وذكاؤه تعلق به منذ بداية تكوينه. علامات مضيئة لرسول الأنام تدل على فرادة هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة. كم هو كبير هذا الفارس بفروسيته وشجاعته وليس كبيراً بكبريائه وعلو نفسه، بطل خاض بطولات عدة وكسب الجولات فيها، فالمعارك التي شارك بها تحقق له فيها النصر باستثناء معارك قليلة كان النصر حينها ضده وهذا فيه اختيار رباني. لقد كان لنا في رسول الله قدوة حسنة من خلال ما واجهته به هذه الحياة من مشقة وكفاح ومصاعب وفي هذا لابد من الوقوف على بعض التجارب التي عمل فيها في هذه الحياة ومن الحرص على رسالته التي يجب عليه العمل بها ديناً ودنيا - فقد تجرع هذا المجاهد أنواعاً من القسوة والظلم والإهانة والتحطيم والمذلة من القريب والبعيد، فقد تألم من آثار الشوك من أبي لهب حينما كان يضعها في طريقه الذي يمر به، وكذلك من وضع السلى على جسده الطاهر وهو ما ينتج من ضناء البقر. وكذلك رمي الحجارة عليه من كفار قريش والمساوئ التي نالها من أبي جهل، هذا غير ما وصف بالساحر والكذاب، وغير ذلك من الألقاب التى حاشى لله أن تطال هذا المرسل رحمة للعالمين، وغيرها من المصائب التي واجهها في كل مراحل حياته، أما من حيث المصائب فقد واجه مصائب كثيرة فقد عاش يتيماً، كذلك فقد فلذة كبده ابنه إبراهيم وغيرها من الظروف الصعبة التي كشفت مدى قوته وتحمل صبره. هذا ما واجهه نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه كان صابراً ومحتسباً أمره لله عز وجل ولأن هذا الرجل القوي وبما يحمله من رسالة عظمى، فقد أعطي كل ما في الدنيا وزخرفها من جمال وخيرات فقد جاءه جبريل بوحي من ربه أن له الحق والاستجابة لو طلب من هذه الجبال لتكون شلالات وأنهاراً تتدفق لرآها بغمضة عين ولو أنه طلب كنوز الدنيا كلها لجيء بها إليه في ثوانٍ معدودة ولكنه صلى الله عليه وسلم رفضها. هذه درر وحكم صدرت من هذا الحكيم دروس قدمها أبو القاسم في حقيقة هذه الحياة وزخرفها فقد رضي بالعيش بالشيء البسيط اليسير فقد عمل برعي الغنم وقام بالاحتطاب وهذه أعمال شريفة وبما قام به من أعمال أخرى. وبما يتمتع به رسول الله من خصال التواضع، فقد آثر على نفسه بعدم التكلفة بتمجيد أسمائه المشهور بها كالنبي أو الرسول، فقد أحب أن يكنى بأبي القاسم أو محمد بن عبدالله، يا له من تواضع جم وبساطة متناهية.. الحديث عن الرسول لا يوفيه أي مجلدات أو أحبار أقلام فهو علم أعلم بنفسه موجه بأمر من ربه، ولكن ما أوجع له القلوب وتلاسنت عليه الألسن وتداعت إليه البشرية. ما حدث من الإعلام الغربي ممثلاً في الصحافة الدنماركية والنرويجية من مهازل استحقارية قصدها كراهية الإسلام وعداوة المسلمين وزعزعة ترابط وحدتهم وإضعاف قوتهم والتقليل من مكانتهم وشق وحدة صفهم، هؤلاء الجبناء.. هؤلاء الأنجاس يريدون إهانة وتقليل من منزلة وقيمة وقامة هذا النبي العظيم، ولكن تبت أيديهم بما عملوا وويل لهم مما يمكرون: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).. (30) سورة الأنفال. وهذه ليست غريبة على أعداء الله فأعمالهم المشينة كوضع الإله عز وجل في الأحذية وغيرها وهجومهم على رسله فقد اعتدوا بسخريتهم على رسول الله في كثير من الفترات الزمنية، وحقيقة ذلك نابع من كراهيتهم للإسلام وما تحمله من حقد لأهله، فالكفار أشد عداوة للمسلمين منذ ظهور الإسلام إلى اليوم، وما واجهه الرسل والأنبياء السابقون من صعوبات وما نالوه من أذى أثناء تبليغ رسالتهم، وما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، إلا وراءها الكثير من المعاناة من خلال محاربة الكفار له. ما فعلته وسائل الإعلام الدنماركية والنرويجية يؤكد المواصلة على حرب الإسلام والتسلط على أبنائه، خصوصاً محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام فقد وضعوه في رسومات مخجلة، منها ما يدعو إلى الجنس، وكذلك في صورة أخرى تجمعه مع صحابته رضي الله عنهم، والتي تدل على أن هدفهم الحوريات في آخرهم والعمل من أجلها، يا عجباً حاشا لله وكلا ما هذا الذي يقوم به هؤلاء تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الشرفاء من عمل سخيف ومخزٍ وساقط ولا ينظرون إليه بل كانوا من أشد المحاربين لهذا العمل الرديء الذي عمله وقام به هؤلاء المجرمون في حق رسول الله وصحابته. يوماً بعد يوم يظهر غل أعداء الله على أوليائه، وما حدث لمحمد صلى الله عليه وسلم من هذه الشرذمة المتطاولة القذرة من استهتار واستحقار واتهامات باطلة يدل ويؤكد على حسن خلقه وثبوت نجاحه، وقد كانت أعماله تترك في قلوبهم القهر والحسد والغيرة، فإنه مما قام به من أفضل إنجازات على مر التاريخ صلوات الله وسلامه عليه. هذا الحدث ترك أثراً غريباً ومخيفاً في نفس الوقت، فقد كانت هذه الزوبعة الإعلامية شيئاً عادياً ولم تتحرك غيرتهم، هذا ما كان عليه نسبة كبيرة من المسلمين، أين الوازع الديني عند هؤلاء؟ أين الانتماء الإسلامي عندهم؟ أين مكانة الإسلام في قلوبهم؟ أين ضمير الإسلام الصادق لديهم؟ يا للأسف أصبح الإسلام عند البعض اسماً فقط، وبرنامجا اعتياديا يقوم بالتنفيذ على ما يؤمر به، وهذا أمر مطلوب ولكن هناك من لا يحامي عن الإسلام أو يدافع عنه إلا من رحم الله، وحقيقة ذلك ما يحمله زمن الإسلام الآن. ولكن رغم ذلك بالمقابل لا يزال فيه حرص وصحوة وغيرة كبيرة تدافع وتتحمس من أجل رفعة الإسلام وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكفار هي السفلى، وما لهذا الحديث من أهمية بالغة فإنه يتوجب على كل مسلم غيور بمقاطعة جميع البضائع والمستلزمات التي تصدر من هذه البلدان، خصوصاً المستوردة من حرير أو أوراق أو غذاء، هذا وفيه بعض المنتجات كمواد الحليب المصنعة وبعض اللحوم وغيرها فلابد من مقاطعة القوم الذين ظلموا واعتدوا، والحمد لله هذه بشرى حيث بدأت تنحدر أصناف صنعتهم وبضائعهم فكل شيء أصبح متردياً لديهم وتزايدت مخاوفهم وقد طلب منهم الاعتذار عبر إعلامهم الذي خرجوا به في نشر عملهم المنبوذ إلا أنهم رفضوا بحجة الحرية ولكن ليعلم هؤلاء أن الله متم نوره ولو كره الكافرون. وقفة: يقول كعب بن زهير: إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول