إلى جانب أهمية زيارة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية إلى الصين - من النواحي السياسية والاقتصادية إلا أن بعداً آخر في الزيارة لا شك أنه على أولويات أجندة المليك عندما قرر أن يزور الصين وهي القضية الفلسطينية ولا غرابة في ذلك إذ علمنا أن إسرائيل تحاول أن تكسب إلى صفها حلفاء غير تقليديين خاصة من حلفاء العرب لإضعاف موقفهم أمام الرأي العام الدولي عند مناقشة أية قضايا متعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. وقد طالبت دراسة دكتوراه لباحث أردني هو وليد العويمر التي ناقشها العام الماضي في معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول 7العربية بالقاهرة - بالانفتاع على الصين لمحاصرة الأهداف الإسرائيلية التي ترنو إلى إقامة تحالف إسرائيلي صيني - لو حدث هذا التحالف لاشك أنه سيضعف الموقف العربي وطالبت الدراسة العواصم العربية ذات الثقل السياسي والاقتصادي خاصة الرياضوالقاهرة ودمشق بتوطيد العلاقات مع بكين لأنها رقم صعب في المعادلة الدولية لا يمكن تجاهله كما أنها في الوقت ذاته حليف أساسي للعرب، علينا استثمار العلاقات معه وتوطيدها. وأوضح وليد العويمر أن أهمية الصين بالنسبة للقضايا السياسية العربية تنبع من أكثر من زاوية فهي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان كذلك هي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الدولة الوحيدة التي يثق بها العرب ويعتقدون أنها الأقرب للتوجهات العربية في صراعهم مع إسرائيل كما أنها الدولة الوحيدة التي تحافظ على علاقات جيدة مع أطراف النزاع في الشرق الأوسط.. ودلل الباحث على كلامه بما قاله الصحفي الإسرائيلي الشهير (يهود يالي) عندما قال: إن الفلسطينين يفضلون سؤال الصين عن بعض الأشياء ولا يسألون دول أمريكا أو روسيا أو أوروبا لأنهم يشكون فيهم. دائماً مع الحق الفلسطيني وأضاف وليد العويمر: إن الصين هي الدولة الكبرى التي تؤكد دائماً على انتمائها للعالم الثالث وتعلن تبنيها لقضاياه ويتناول الباحث الأردني بداية انفتاح الصين على القضية الفلسطينية، ويوضح أن مؤتمر باندونج في العام 1955 يشكل بداية الانفتاح الصيني على القضية الفلسطينية من خلال انفتاحها على العالم العربي بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس المصري جمال عبدالناصر ورئيس وزراء الصين آنذاك (شوان لاي) على هامش المؤتمر الذي أعقبه اعتراف مصر بالصين الشعبية عام 1956 ثم توالت بعد ذلك اعترافات الدول العربية بها وعلى رأسها المملكة السعودية، وقد أدى هذا التقارب الصيني العربي إلى إغلاق الباب تماماً أمام أية محاولات للتقارب الصيني الإسرائيلي خلال هذه المرحلة وعكس الخطاب الصيني لهجة عدائية الإسرائيلي خلال هذه المرحلة وعكس الخطاب الصيني لهجة عدائية تجاه إسرائيل باعتبارها عملية للاستعمار وأداة للإمبريالية وشريكة للاستعمار الجديد، وأشار الباحث إلى رفض الصين الطلب الذي تقدمت به إسرائيل لعضوية مؤتمر باندونج باعتبارها دولة آسيوية وأعلن (شوآن لاي) أمام اللجنة السياسية للمؤتمر وقال: نحن نؤيد كل القضايا العربية بصفة عامة ونؤيد قضية فلسطين خاصة، وذلك أننا نؤيد كفاح الشعوب المستبعدة. وأوضح الباحث أن الصين كانت دائماً مع الصف العربي خلال حروبه ضد الصهيونية حتى أنها رفضت المشاركة في مباحثات السلام التي دعت إليها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا حول الشرق الأوسط 1971 وأكدت وقتها أنها ترفض قيام مباحثات من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وأن كانت الصين تؤيد فكرة قيام المباحثات فإنها تنطلق من تكتيك الحرب الفيتامية من ضرورة تصعيد الحرب لاسترداد الأرض بالقوة ثم بدأت الصين بعد ذلك في اتخاذ خطوات عملية لتأييد القضية الفلسطينية حيث فاتت بإنشاء اتصالات مباشرة مع منظمة التحرير الفلسطيني خصوصاً حركة فتح حيث اعترفت الصين بمنطقة التحرير الفلسطينية اعترافاً كاملاً وكانت بذلك أول دولة غير عربية تعترف بالمنظمة كمثل شرعي ووحيد لللشعب الفلسطيني وقد منحت بكين الحصانات الدبلوماسية الممنوحة للسفارات الأجنبية وقدمت لها المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. أضاف الباحث: إن ذلك قد مثل في حينه نقله إستراتيجية نوعية كان لها أثرها في تعزيز الشخصية الدولية للمنظمة والاعتراف بكامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكانت هذه المواقف تهدد إسرائيل بشكل واضح إذ كانت ترى في الصين إنها تجاوزت مرحلة التفهم السياسي للقضية الفلسطينية إلى مرحلة التبني وأوضح الباحث أن الصين رغم انفتاحها في العلاقات مع الغرب ودخولها مجلس الأمن الدائمين في العام 1971 إلا أنها لم تفرط في القضية الفلسطينية. وعندما قامت بعض الدول العربية بعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل اتجهت الصين إلى بلورة سياسة جديدة تجاه القضية الفلسطينية فقد أكدت بكين أن تسوية القضية الفلسطينية يتم من خلال التنفيذ الكامل لقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام، وأن القضية الفلسطينية ستحل بالجهود المشتركة للأطراف المعنية ومساعدة المجتمع الدولي. محاولات إسرائيلية لإفساد العلاقات مع الصين وبعد أن عرض الباحث وليد العويمر في رسالة الدكتوراه لتاريخ العلاقات العربية الصينيه ومخاوفة من المساعي الإسرائيلية الحثيثة ولإحداث فجوة في هذه العلاقات قدمت الدراسة عدة مقترحات للحفاظ على علاقات قوية مع الصين لقطع الطريق على إسرائيل من ناحية والمحافظة على علاقات سياسية واقتصادية مع حليف تاريخي للعرب من ناحية أخرى. من الناحية الاقتصادية يؤكد الباحث أن العالم العربي بحاجة إلى إقامة علاقات وثيقة ومتنامية ومتوازنة مع الصين وذلك من خلال استخدام إمكانياته العديدة وتوجيه مقوماته الاقتصادية لتوثيق وتنمية هذه العلاقات والاستفادة منها فالإمكانيات الاقتصادية يجب أن تكون عاملاً هاماً في كسب الصين لخدمة المصالح القومية المشروعة في مواجهة دولة إسرائيلية حيث إن الصين تشكل بما تملكه من خصوصية إحدى أهم الدول الكبرى التي يمكن أن تشكل مثل هذا الحليف في خضم الأوضاع العالمية القائمة.فمنذ تسعينات القرن الماضي تولي الحكومة الصينية اهتماماً متزايداً للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية لذلك وضعت سلسلة من السياسات والتوجيهات التي تناسب الأوضاع الجديدة والتي ترشد التعاملات مع الدول العربية وقد دخلت العلاقة التجارية بين الطرفين بعد تسيعنات القرن العشرين مرحلة النمو السريع ففي عام 1991 كان إجمالي حجم التبادل التجاري بين الطرفين 2.42 مليار دولار ثم ارتفع إلى 14.6 مليار دولار عام 2001 منها 7.1 مليارات دولار صادرات صينية إلى الدول العربية مقابل 7.5 مليارات دولار واردات صينية من الدول العربية ثم قفزت قيمة حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى 13.5 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى لعام 2002 نصيب الصادرات الصينية منها 7.5 مليارات دولار مقابل 6 مليارات دولار صادرات عربية للصين وخلال الشهور العشرة الأولى من العام 2003 تجاوز حجم التجارة بين الدول العربية والصين ما قيمته 20 مليار دولار بارتفاع 40% مقارنة بنفس الفترة من العام 2002 ولإضافة المزيد من التطور والارتباط الاقتصادي بين الدول العربية والصين فإنه يمكن تنمية العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والتي من خلالها يمكن أن تتطور العلاقات الاقتصادية العربية - وتحقق المنافع المتبادلة مثل التعاون العربي الصيني في مجال البترول والغاز. النفط ورقة رابحة في التعاون مع بكين أضاف الباحث: إنه على الدول العربية أن تزيد من ارتباط الصين بالنفط العربي من خلال فتح المجال للاستثمارات الصينية لاستكشاف حقوق النفط في الدول العربية سواء في منطقة الخليج أو السودان أو ليبيا أو الجزائر كذلك زيادة نسبة مشاركة رؤوس الأموال العربية في الاستثمار في مصافي النفط في الصين على غرار شركة أرامكو السعودية والتي تملك حصة 45% من مصفاة تالين في شمال شرقي الصين. المقالات الهندسية والتعاون العمالي حيث تعتبر الدول العربية أكبر سوق للمقاولات الهندسية والتعاون العمالي الخارجي للصين ويمكن لقطاع الاستثمار العربي أن يساهم بالمقابل في مجالات البنية التحتيه في الصين والتي تشتمل على إمكانيات ضخمة يمكن أن تكون مجالاً رحباً للاستثمار العربي والاستفادة منها وتشجيع الصادرات العربية إلى الصين والاستفادة في نفس الوقت من التقدم العلمي التكنولوجي الذي أحرزته الصين لتطبيقه في عملية التنمية الاقتصادية في الدول العربية وتنمية العلاقات المالية بين الصين والدول العربية، واقترح إنشاء مصرف عربي - صيني مشترك لتمويل المبادلات التجارية والاقتصادية. والتشديد على إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم في الصين تهتم بالتصدير إلى البلاد العربية مما يساعد على تلبية الحاجات التكنولوجية والتجارية في الدول العربية ويزيد من ارتباط تلك المؤسسات بالدول العربية. وتبادل زيارات الوفود التجارية وتنظيم المعارض التجارية مما يقوي أواصر التعاون الاقتصادي بين الجانبين ويفتح آفاقاً جديدة للعمل والاستثمار وتنظيم خطوط النقل البحري بين الصين والبلاد العربية لمواكبة المبادلات التجارية المتنامية وتطويرها وتعزيز علاقات الغرف التجارية العربية مع رجال الأعمال والمؤسسات العمالية في الصين لتنويع أنشطة الغرفة التجارية العربية والصينية وتعزيز دورها وتشجيع تسجيل العلاقات التجارية كوسيلة لتعزيز توحيد المواصفات والتبادل التجاري وتسوية النزاعات الاقتصادية والتجارية عن طريق هيئات الوساطة أو مراكز التحكيم القائمة. السلاح والعملة الصعبة أما من الناحية العسكرية فيشير الباحث إلى أنه نظراً لحاجة الدول العربية المستمرة والماسة للتسلح بأحدث الأسلحة لمواجهة الأخطار المحيطة بها والتى تجد صعوبة في الحصول عليها من الدول الغربية إلى تعرض قائمة طويلة من الممنوعات والشروط على صادرات الأسلحة للدول العربية بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها كذلك نتيجة لحاجة الصين للعملات الصعبة لاستمرار تطورها الاقتصادي لذا يمكن أن تجد الدول العربية أن السبيل الوحيد الذي يخلصها من قائمة الممنوعات والشروط الأمريكية والأوروبية هي الأسلحة الصينية التي تنافس السلاح الغربي من حيث السعر ولا تقل عنها كثيراً من حيث الجودة وتفي باحتياجاتها معظم الدول العربية.