بمناسبة اهتمام وزارة المعارف بمراجعة أوضاع الادارة التربوية، بتوجيهات من معالي الدكتور محمد بن احمد الرشيد، الذي سخر الجهود لعمل بنّاء نحو تطوير التعليم، فجعل وزارة المعارف خلية نحل، انجازات وفعاليات، وجعل من نفسه قدوة في الاخلاص والتضحية والمبادأة، في ظل أوامر سامية من قيادتنا أعزها الله وأعز الله بها التي جعلت الاهتمام بتنمية الانسان في أول اهتماماتها، فاختصرت الزمن، وجعلتنا في مقدمة الأمم، وفتحت باب الحوار البناء،,, بأبي وأمي هم,, قدموا لهذا الوطن كل شيء,, انفسهم واوقاتهم وحياتهم,, وما بقي الا نحن، فهل نثمن العطاء ونعمل على رد الجميل, والا فكيف كنّا؟ وكيف اصبحنا بفضل الله علينا اذ امتن الله علينا بهم؟ ولهذا نعرض أسبابا تعبر عن وجهة نظر حول هموم الميدان التربوي,, لأهميته وقداسته للجميع، لأنها الوزارة التي يرتبط بها الجميع بأعز ما يملكون، وهي فلذات الأكباد، ولهذا فلا غرو ان تكون احداث التربية والتعليم هي حديث المجالس على كافة المستويات، ولهذا فانني أسهم بكتابة هذا الموضوع متضمنا أفكارا تعاملنا معها كثيرا، ومحتواها يعبّر للقارئ الكريم، ويجيب على تساؤلاته عن ظاهرة ملفتة أسميها : هشاشة الوضع التربوي,, لماذا,, لماذا,, لماذا ؟ وهذه الظاهرة قد يؤدي استمرارها الى اهتزاز وضع العمل داخل المنظمة وتغيير ثوابته السامية، مما قد يؤدي الى اتخاذ قرارات مسطحة غير مدركة لطبيعة الحدث التربوي ونواتجه. ولما ان التربية ذات بعد اجتماعي بهذا الشكل فان احداثها لم تعُد سرا او حكرا على احد، فما يهمك يهمني,, ولهذا فانني أقبِّل وبشدة كل يد مخلصة تعمل بحرص لخير هذا الوطن وأبنائه في ظل أهداف السياسة التعليمية التي رسمها ولاة الامر ,, جعلني الله فداهم. وانني استعين الله سبحانه وتعالى في الكتابة عن هذا الموضوع الذي أراه كبيرا ومتشعبا وقد يكون مُمارسا في اي تنظيم اداري، لكن أقول للقارىء الكريم,, خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، واقتصر في هذا الموضوع على السلوك الانساني فقط نظرا لاهميته الفائقة، لأن وزارة المعارف ليست كغيرها من الوزارات اذ انها تتعامل مع هذا العنصر بنسبة تفوق 99,99% ولصعوبة التعامل مع هذا الجانب، فانني لا ألوم وزارة المعارف لوما ثقيلا وبحساسية فأنا احد منسوبيها سينالني ما ينالها، لكن الحقيقة أهم، وهي لاشك مطلب الجميع حتى نصل إلى المستوى الذي تنشده قيادتنا الرشيدة، وفقها الله. ومن هذه الأسباب ما يلي: 1 تطبيق الأسلوب البيروقراطي بطريقة فجة، وياليتها تصبح بيروقراطية بل مدَّعية لها، تحكي انها تحتكم الى نظام وهي أبعد ما تكون عنه، لأن البيروقراطية عادة عبارة عن نظام اداري نظِّم سلفا بخطوات متتالية موضح فيها مهام كل خطوة دون النظر فيها الى وضع الافراد وطبيعة المشكلة، وهي تصلح للمجتمعات المبتدئة تنمويا لأنها لم تستوعب بعد فلسفة الاجراء, ويتدرج فيها التنظيم من الأعلى الى الأسفل، دون سماع وجهة النظر الأخرى، مما يجعل متخذ القرار أسير عادة خاطئة، لا يسمح فيها بالاخذ والرد والحوار الهادف الذي يؤدي الى التطوير المنشود، ويظل أسير فهم خاطئ للأنظمة نفسها، مما يجعل بناة القرارات يتحيَّرون في الأنظمة، ويفسرونها حسب ما يناسب هواهم، ويدعم قناعات خاصة لديهم، تمليها حالتهم النفسية ونواياهم الذاتية، فيصبح الامر مفتوحا لكل تدخل خارجي يسيِّر البيروقراطية الصلبة الى ان تصبح منقادة مثل النعجة فتلجأ الى اتخاذ قرارات غير معالجة جيدا، ثم يرفعونها الى صاحب الصلاحية، الذي يضع توقيعه الشريف على قرار بناه غيره، فتصبح القيادة في التنظيم معكوسة. 2 سوء استخدام اسلوب اللجان: في الأصل اللجوء الى اسلوب اللجان في اتخاذ القرار للبحث عن الرأي التكاملي من أصحاب التخصصات ذات العلاقة، بحيث يتم تحويل أي موضوع معقد الى لجنة مشكَّلة من أطراف يفترض ان يكون لديهم دراية أكثر ، ولا تكفي فيها الأمانة وحُسن النية وحدها، لأن المهارات الأدائية الأساسية قد تكون مفقودة أصلا، كما ان اسلوب اللجان يطبق في العالم الثالث بأسره بطريقة فردية,, حيث يكتفي المشاركون بالتوقيع، اذ الذي يقوم بصياغة التقرير شخص واحد، وبهذا يصبح اسلوب اللجان مضيِّعا للمسؤولية ومحاسبة الفرد، وعند الجواب على ذلك يقولون: والله هذي وجهة نظر الاخوان وهم أهل ذمة وأمانة وهي لا تعدو ان تكون عبارة عن وجهة نظر شخص واحد ميَّع المسؤولية عن نفسه باستخدام اسلوب اللجان، واستطاع ان يملي ارادته على الميدان. 3 العلاقات الانسانية المحسوبيات : ان العلاقات الشخصية قد تسيِّر المعاملات كيفما تشاء وقد ترشح كثيرا من الافراد الذي لا يستحقون اعمالا اكبر بدون كفاءة,, متجاوزة الهيكل التنظيمي او مستخدمة له تبريرا، فبعد ان كانت العلاقات الانسانية عنصرا بناءً لقرار صائب، اصبحت عنصر هدم لمصالح العمل، مما قد يضيع الأهداف وينشر الفساد. 4 المفهوم الخاطئ للديموقراطية في إذكاء الصراع: ظاهرة الصراع بين الحق والباطل قديمة جدا، ليمحص الله الخبيث من الطيب، وتظهر صورة بشكل اوضح بين الأفراد في العمل، وفي الادارات، وفي المجتمع,,، ولهذا لابد ان نزود ابناءنا بأدوات منطقية وعقلانية وشريفة في الدفاع عن النفس اثناء الصراع، على الاقل حتى لا تذهب اعمارهم بعيدا عن الهدف، ولابد ان تبحث وزارة التربية عن حل، حتى لا تصرف الأعمار في مهاترات لا طائل من ورائها، والأدهى حينما توظف مفاهيم التنظيم الرسمي وصلاحياته ومفهوم الديموقراطية وسعته ومرونته في تشجيعها والزيادة في اضرامها، مما قد يكيف السلوك الانساني لها، فيكون الظلم، وتحل بنا سنة الله. 5 وجود ظاهرة الانسحاب من المسؤولية لدى كثير من المسؤولين واصحاب الصلاحيات في الهرم التنظيمي,, ناتج عن فهم قاصر في فهم المسؤولية، مكتفين بتنفيذ التوجيهات في المستوى الأدنى، غير مبادرين في المشاركة لابراز وجهة نظر الميدان ورفع ما يلاحظونه اثناء التطبيق، اذ يرون مظاهر السلبيات ولا يبادرون بحل مشكلاتها واسبابها قبل وقوعها، وكان من السهل وبحسن التعامل معها منذ البداية انهاؤها في مهدها قبل ان تستفحل. 6 ضعف اساليب اختيار كثير من المسؤولين، اذ يتم عادة الاعتماد على سنوات الخدمة او الشهادة أو غيرها، وافتقار المنظمة الى ايجاد برامج التدريب على رأس العمل بدورات هادفة وليست ترفيهية، كما ان كثيرا من المسؤولين لا يحرصون على التطوير الذاتي لانفسهم، وفقا للمتطلبات الجديدة لوظائفهم. 7 اختلاف مقاصد أهداف الوظيفة كما يتصورها بعض كبار المسؤولين في التنظيم الرسمي، من خلال عملهم في المنظمة الادارية، بحيث ينظر كل منهم الى وجهة مختلفة,, مما يشتت الجهود ويزيد في التخبط، ويشيع الخلافات في الميدان التطبيقي، ولهذا لابد للمسؤول الاول في المنظمة ان يزرع اهداف الوطن ومراقبة الله لدى منسوبيه، وفلترة اتجاهاتهم ونواياهم. 8 وجود نزعة التعالي لدى كثير من المسؤولين على واقع الميدانيين بدون مبرر، والنظر إليهم بازدراء وبأنهم اقل منهم، ويرون انهم لا يفهمون ما يراد منهم ويتعاملون معهم على هذا الأساس. 9 افتقار كثير من الأجهزة التنظيمية لمبدأ الثواب، واستخدام مبدأ العقاب مكيالا، يصفعون به الميدانيين لتأديبهم وجعلهم عبرة لغيرهم، على نظرية اذبح بسك ليلة عرسك ظنا منهم ان هذا هو الذي يصلح الصفوف، وتناسوا دور التدريب، والتعزيز والمفاهمة، والأدهى من ذلك عدم وجود موازين مختلفة تناسب مستويات الذنوب بحيث يصبح لكل ذنب ما يوازيه من عقوبة فلم يجعلوا الكي آخر العلاج بل جعلوه اول الهلاك، مقتدين بمثل عامي :داوها وتبرأ، قال : لا، اقطعها وتموت بدلا من ان تكون غاية العقوبة الاستصلاح، لا غاية العقوبة ذاتها. 10 الجهل في المفاهيم القانونية وتطبيقاتها، وعجز كثير من المسؤولين في تفهمها ومعرفة مراميها وحكمتها، مكتفين باستجرارها، وان وجدت فإن المسؤول لا يبحث عنها معتمدا على المختصين، الذين هم اجهل الناس في مواكبة كل جديد فيها، اذ المرجعية القانونية لديهم هي فكر اللحظة دون بحث وتروٍ,, على قولة كذا وبس . 11 هشاشة العلاقات غير الرسمية في العمل الواحد,, وهو ما يسمى: ضعف علاقات التنظيم غير الرسمي بالرغم من أهميتها القصوى في الميدان التربوي خاصة، سواء كان ذلك في المقر الرئيسي او الفروع أوالمدارس، واقتصار فعالياتها على الاجتماع في الدوريات او المناسبات فقط، التي يسودها كثير من المجاملات، ويمكن ان يعز ذلك الى غياب اهداف العمل التي توحد بين افراد التنظيم، او انها ان وجدت فبصورة ضبابية لا ترقى الى مستوى الاهداف الفردية الخاصة، مما يجعلها لا تبقى اثرا فاعلا يعود على العمل بعد ذلك، ولهذا يمكن القول ان علاقات التنظيم غير الرسمي رغم هشاشتها ذات اثر أقوى من علاقات التنظيم الرسمي نفسه مهما بلغت قوته. وحريُّ لو وجدت علاقات غير رسمية ناضجة تساعد التنظيم الرسمي فسيتم فيها تبادل الرؤى والافكار بشكل اكثر انفتاحية وصراحة، وهي تختصر الزمن وتعود بمزيد من الخصوبة في الافكار فتزداد تلاحما وتطابقا وتوجها نحو الأهداف، مما يجعلها احد اساليب التدريب الراقية غير المباشرة، تؤدي الى انسياب الخبرات، وتتكوَّن في احضانها حصون الخبرة التربوية، التي ستعود بإذن الله بمزيد من النضج في اتخاذ القرارات الهادفة. 12 رغبة الجهاز الرسمي في مسابقة الزمن جعلها تقفز احيانا قبل مراحل التكوين مما جعل القرار يولد خديجاً، فعنصر المسارعة الى الانجاز لابد ان يمر بمراحل نموه الطبيعية، ولا يحتاج الى هرمونات,, مما يجعل البعض يصمه بالاندفاع والتسرع، متناسين انه الحرص الزائد,, ولهذا لابد ان يترك للزمن يأخذ وضعه وسنة الله نافذة لا محالة,, مع تزجيه الشكر البالغ لهذه الجدية ولكن دعوة الى مزيد الاستيعاب اولا. 13 وجود فجوتين كبيرتين بين المقر الرئيسي والفروع والمدارس يجعل الرسالة لا تصل كما يريدها المرسل، ويستقبلها المستقبل غير واضحة، وسط صخب لا يميزها عما سواها، مما قد يؤدي في كثير من الاحيان الى اختلاف الخطى بين المخططين والمنفذين والضحية هم الذين في الوسط، ويصبحون زي الاطرش في الزفة ، ووسط هذا الضجيج يتقدم الى الامام القادرون على القفز والاعلام. 14 عدم وجود الشجاعة الكافية في تحمل المسؤولية: بحيث يتم الاكتفاء من المسؤول باستقبال التوجيهات التي تملي عليه، دون ايجاد جسور من التفاهم تنطلق منه الى الرئيس المباشر ثم الذي يليه ,, وهكذا، ولهذا يتخوفون من المجابهة والمفاهمة، لعدم وجود آلية متكافئة للحوار الهادف البناء، مما يجعلهم مهددين او يتصورون انهم مهددون,, فيصبح السلوك الانساني يسير في ظلال هذا التصور,, وجعل الادنى في الهيكل التنظيمي يسير في ظلال الأعلى يميل معه حيث مال. 15 افتقار المسؤول الى استخدام اساليب علمية مناسبة لجمع البيانات بطريقة اجرائية متسلسلة عن اي موضوع بدقة وهدوء، فكلما كانت كمية البيانات صادقة ساعدت في اتخاذ قرار صائب,, ولهذا فكثير ما يلجأ المسؤول الى خبرته الذاتية (وهي رصيد ممتاز لاشك للاسهام في بناء قرار لكنها غير كافية),, فما بالك لو كان المسؤول لا يملك خبرة كافية ولا مصادر معلومات موثوقة. ولهذا يتوجب ان يكون حوله رجال ذوي نزاهة عبر مسيرة عملهم من الثقاة المؤهلين فكراً واسلوبا وتأهيلا ,, مثله تماما,, ولا يكفي وجودهم بل لابد ان يمتلك الآلية الممتازة في الاستفادة منهم,, ليسهموا معه في بناء القرار، شريطة ان يكونوا تحت مظلة خدمة الوطن اولا واخيرا، وليس منطلقين من مصالح ذاتية، التي ستأتي بطبيعتها,, ويستاهل الجيد. 16 لابد ان يعرف المسؤول كيف يوازن بين اسلوبي التفويض احيانا واحتكار اتخاذ القرار بجرأة احيانا,, والاصرار على نفاذ القرارات الصادقة والمدروسة فعلا بحيث يطلع عليها بنفسه، وتعويد نفسه الرجوع الى الحق عند صدور قرارات خاطئة,, فجل من لا يخطئ. وعليه ألا نلجأ الى نظام صمم سلفا، بل لابد ان يكون نظاما مرنا يستجيب له قبل غيره، ويناسب طبيعة المنظمة ومجتمعها داخليا وخارجيا. 17 لابد ان يكون معيار اختيار اعضاء الهيئة الاستشارية هو مستوى كفاياتهم العالية ونواياهم التي يجب ان تكون لخدمة اهداف المنظمة وليس مجرد استيعابهم واضمامهم لهذه الهيئة هو رغبته في احتوائهم واكتفاء شرهم من ان يطبقوا عليه نظرية الجيوب التي كثيرا ما تقوض دعائم التنظيم الرسمي وتضيع اهدافه. وللموضوع بقية,, والسلام عليكم,. عودة بن ردة الطلحي