التخطيط الاستراتيجي في التعليم له تأثير قوي وفعال في نهضة المجتمعات المتقدمة التي تهتم بهذا اللون من التخطيط، وما هو إلا عمود في بيت يقوم على مجموعة من الأعمدة المشيدة بدقة متناهية ومهارة عالية مما يساعد تلك المجتمعات الذكية للاتجاه صوب مصاف الدول العالمية المؤثرة والمتقدمة في المسرح العالمي، إذن العلاقة طردية بين التخطيط الاستراتيجي ورقي الأمم وتطورها في جميع المجالات دون استثناء. يعد التخطيط الاستراتيجي عنصراً أساسياً من عناصر الإدارة التعليمية، ويعكس مرحلة من مراحل التفكير التي تسبق تنفيذ أي عمل أو آلية، وهو سلسلة من القرارات التي تتعلق بالمستقبل لتحقيق الأهداف المقررة والمرجوة، وبالتالي إمكانية تحقيق طفرات وأهداف استراتيجية. والتخطيط الاستراتيجي يمكن أي منظمة تعليمية لحشد طاقاتها واستغلال مواردها البشرية والمالية والمعلوماتية والتقنية بما يمكنها من تحقيق تطلعاتها طبقاً للأولويات التي تضعها تلك المنظمة. وبعد اطلاعي على بعض المعطيات الإحصائية لبعض الدول العربية ودول أخرى نامية في مجال التعليم العالي، ينتابني شعور كبير بالإحباط من جراء الضعف البين في مجال البعد التخطيطي الاستراتيجي في التعليم العربي مما أوجد قدراً كبيراً من التفاوت والتباين بيننا وبين المجتمعات المتقدمة بل وبعض المجتمعات النامية، ففي نفس الاتجاه يقول الدكتور مسدوس فارس: (ففي مجال الابتكار والبحث العلمي، حيث نجد إحصائيات لسنة 1980-1999-2000 تقول إن عدد براءات الاختراع العربية المسجلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وصلت إلى 370 تتصدرها المملكة العربية السعودية ب 171 براءة اختراع مسجلة، بينما نجد إسرائيل وحدها سجلت 7652 وكوريا 16328، ما يؤكد على ضعف النشاط البحثي التطويري لدى الدول العربية وتخلّفه عن الدول المتقدمة وبعض الدول النامية). وفي هذا السياق يشخص الدكتور عبد الله البريدي بمنهجية علمية بعض الأمراض الاستراتيجية التي استشرت في جسد التعليم العالي العربي وهي: (1) ضعف الإيمان بالعمل الاستراتيجي في مؤسسات التعليم العالي العربية. (2) شيوع النمط الإداري على حساب النمط القيادي في مؤسسات التعليم العالي العربية. (3) ضعف الدعم التنظيمي الحكومي للعمل الاستراتيجي (ندوة الإدارة الاستراتيجية في مؤسسات التعليم العالي، جامعة الملك خالد، 2005). وفي ظل الاهتمام المتزايد بالتعليم في المملكة الأمر الذي أدى إلى النجاح في إحداث قدر من التوافق بين الطاقات الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي في المملكة مع الطلب على المقومات التعليمية في مختلف المراحل، كما بدأ التعليم السعودي يزيد من قدرته على مواكبته التطورات التقنية التعليمية الحديثة والمعاصرة التي فرضتها متطلبات المتغيرات العالمية والعولمة الاقتصادية، والارتقاء بمستوى الكفاءة الداخلية لمؤسساته، وتعزيز مستوى مواءمة مخرجاتها لمتطلبات الجودة، وثمة شيء ايجابي آخر يتجسد في تراكم القناعات العلمية بأهمية التخطيط الاستراتيجي في التعليم العالي بالمملكة، فقد أدركت وزارة التعليم العالي تلك الإرهاصات والعوامل التي تدفع باتجاه التركيز على البعد التخطيطي الاستراتيجي، وعملت على تبني مشروع الخطة المستقبلية للتعليم الجامعي في المملكة العربية السعودية ( آفاق)، حيث رعى معالي وزير التعليم العالي - الأحد 21 شعبان - هذا المحفل وانطلاق أعمال هذا المشروع الضخم، وبالتالي ولادة عصر جديد من التخطيط الاستراتيجي المتمثلة في (آفاق). وفي هذا الاتجاه، ذكر البروفيسور خالد السلطان مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (بتصرف): بأن مشروع ( آفاق ) يهدف إلى استشراف مستقبل التعليم الجامعي في المملكة بعد تحليل دقيق لماضيه وحاضره بهدف تحسين أداء هذا القطاع ونموه كماً ونوعاً، وزيادة كفاءته الداخلية والخارجية، وسرعة استجابته للمتطلبات الداخلية والمستجدات العالمية وذلك ضمن منظور حضاري يرتكز على الثوابت الدينية والقيم الوطنية وينهل من المستجدات الحديثة ويعزز الاستفادة منها، وعلى النحو الذي يدعم الدور الحيوي التي تنهض به الجامعات وبقية مؤسسات التعليم العالي في عملية التنمية الشاملة لبلادنا العزيزة، ويهدف المشروع الى تطوير نظام التعليم العالي والارتقاء بجوانبه المؤثرة كافة في مسيرة المجتمع والبحث عن حلول للقضايا التي تواجه مؤسساته على النحو الذي يفعل دورها في تلبية احتياجات المجتمع السعودي ويستجيب لمتغيرات المستقبل وتحدياته. وعلى هذا المنوال ضخت وزارة التعليم العالي في هذا المشروع (43) مليون ريال للتطوير التعليم العالي، والذي أسمته (مشروع الخطة المستقبلية للتعليم الجامعي في المملكة - آفاق)، والجدير بالذكر أن مشروع (آفاق) يهدف إلى الارتقاء بكفاءة نظام التعليم العالي بالمملكة من خلال إعداد خطة مستقبلية عملية طويلة المدى (لمدة 25 عاماً) ذات رؤية مستقبلية طموحة، ورسالة واضحة، ومجموعة من القيم المؤثرة، ومعايير لتقويم الإنجاز، تحدد احتياجات نظام التعليم العالي، وأنماطه، ونوعية مخرجاته، وأساليب تمويله، مع تحديد آليات تنفيذ الدراسات التي سيتضمنها مشروع إعداد الخطة، والاستراتيجيات المطلوبة لصياغة مستقبل هذا القطاع التنموي المهم. وقد اختيرت جامعة الملك فهد لتنفيذه وذلك لسمعة الجامعة العالمية بالإضافة الى جهودها البحثية المتميزة وقدراتها التنظيمية المتقدمة ولما تضمه من كفاءات أكاديمية، وبوجود معهد البحوث -الذي أُسندت إليه المهمة الوطنية - بسجله المميز في إجراء دراسات تطبيقية ساهمت في إرساء قواعد البحث التطبيقي بمؤسسات وشركات القطاعين الحكومي والأهلي. ويجدر بالذكر أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قد أحسنت مهمة إدارة المشروع لإحدى الكفاءات العلمية الوطنية المتميزة الدكتور محمد العوهلي عميد الدراسات العليا في الجامعة، وقد ذكر الدكتور العوهلي - في نشرة خاصة بمشروع آفاق - أنه قد تم تدشين (منتديات آفاق) على شبكة الإنترنت، ودعا العوهلي الطلاب وأولياء الأمور والأساتذة والمفكرين والباحثين والإعلاميين والمهتمين بالشأن التعليمي إلى التواصل والمشاركة على الموقع: (http:\affaq.kfupm.edu.sa) وطرح الأفكار والمقترحات الخاصة بتطوير التعليم الجامعي في المملكة العربية السعودية. وأخيراً بقي أن ندعو الله عز وجل أن يوفق من يقومون على تحقيق رسالة ورؤى مشروع (آفاق)، فبالآفاق نسمو..وبها نشدو.. وصوبها نعدو لميلاد عصر جديد للتعليم العالي السعودي. (يتبع).. عضو هيئة التدريس في الكلية التقنية في بريدة [email protected]