ديننا الإسلامي يعلمنا آداباً رفيعة، وأخلاقاً كريمة، وسلوكيات قويمة، علمنا إياها نبي الرحمة، ملهم البشرية، صلى الله عليه وسلم، كلها خير، وكلها تفيض رحمة وشفقة بالأمة منه صلى الله عليه وسلم، فما من خير إلا وأمرنا به، وما من شر إلا وقد نهانا عنه. ومن الآداب والسلوكيات التي علَّمناها صلى الله عليه وسلم آداب الاستئذان. والذي حملني على الكلام في هذا الموضوع موقف حدث لي مع ولدي (يزيد) فيه عبرة. و(يزيد) ويختلف قليلاً عن باقي إخوته، حيث يتميز بالحياء الزائد، ورقة المشاعر. كلما ضممته إلى صدري ذكرت حنان أبي - رحمه الله - ودفء مشاعره، ورحمته بنا، ونصائحه لنا ببذل الخير للآخرين. كنت في غرفتي بعد العشاء أرتب أوراقي، وأشرطة التسجيل الإذاعية، وإذا بيزيد ولدي يفتح الباب مسرعاً، ويدخل عليَّ ليخبرني بأن هناك مكالمة على الهاتف الثابت، فزعت من سرعة دخوله، وعاتبته بشدة وأمسكت بإحدى أذنيه قائلاً: يا يزيد يا حبيبي أنا زعلان منك، أريدك أن تستأذن قبل الدخول، وأن تطرق الباب طرقاً خفيفاً. كان يستمع إليَّ وعلى وجهه علامات الشعور بالذنب. بعد ثلاثة أيام أرسلته أمه إليَّ ومعه حافظة الشاي. ومع ارتفاع صوت المكيف في الغرفة لم أسمعه وهو يقرع الباب بيد، وفي يده الأخرى حافظة الشاي، حتى سمعت صوته يرتفع بالبكاء بحرقةٍ وألم وهو يصيح: لماذا لم تفتح الباب يا بابا. فتحت له وقد علمت أن درسي له في الاستئذان قد رسخ في نفسه، ضممته إلى صدري، وقبلته قائلا: لم أسمع صوتك يا يزيد يا حبيبي. أخذته معي إلى صالة البيت، وابتسامة عريضة تعلو وجهي، وأنا أتمنى في داخلي أن يتعلم أبناؤنا وبناتنا آداب الإسلام ليس في موضوع الاستئذان فقط، لكن في جميع جوانب الحياة. يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر).. فالاستئذان يحفظ حرمات الناس من أن يطلع عليها من لا يحل له ذلك. والاستئذان يكون مع جميع الناس وليس مع فئة معينة، بل يجب الاستئذان حتى على الوالدين، وينبغي إشعار أهل البيت بالدخول ليستأنسوا ولا يفزعوا. فهذا ابن مسعود كان إذا دخل بيته، يرفع صوته ويتكلم حتى يستأنسوا بدخوله. وكان الإمام أحمد إذا دخل داره ضرب برجله الأرض ليسمعهم، وربما تنحنح؛ وذلك حتى لا يفاجؤوا بدخوله عليهم دون إشعار. وينبغي لمن قرع باباً ألا يشتد في القرع، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافر، وينبغي للطارق أن يعرف نفسه بذكر الاسم، ولا يكتفي بقول: أنا، كما ينبغي ألا يقف أمام الباب، ولكن يقف عن جانبه الأيمن أو الأيسر، حتى لا تنكشف له حرمات البيت عند فتح الباب، كما ينبغي أن يستأذن ثلاثاً، فإن اذن له، وإلا فلينصرف.. قال صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث، فإن أُذن لك، وإلا فارجع).. فهكذا ينبغي أن نتعلم، وأن نعلم أولادنا، وأن نغرس فيهم هذه الآداب الرفيعة، والسلوكيات الحميدة، حتى يكونوا متأدبين حقاً، مطبقين آداب الإسلام في جميع نواحي حياتهم، فتقر بهم أعين والديهم، ويكونوا عناصر صالحة في هذا المجتمع المسلم المسالم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.