في أدب الإسلام مع الآخرين أرقى مظاهر السلوك الإنساني وأجمل معاني الاستطابة للنفس البشرية التي ربما تتنازل عن الكثير بسبب حسن الاستئذان، وجميل الاستطابة والامتنان. ذلك الأدب النفيس ليس قصرًا على الأغراب، ولا حتى على الحرمات الحسية في النظر والعورات، وإنما هو مبدأ أخلاقي رفيع يتلمس جبر الخاطر وتطييب النفس في حقوق أخرى معنوية، وخصوصًا بين الزوجين. وكما ذكرت كتب السنة أحاديث استئذان المرأة لزوجها في أمور كثيرة يجب أن تتلمس فيها إذنه بحكم قوامته الشرعية وولايته عليها؛ فإن الأحاديث الكثيرة جاءت بنوع آخر من الاستئذان بين الزوجين يخص حقوق الزوجة وخاطرها وما يجب أن تستطاب به نفسها من فوات حق أو متعة أو منفعة مما يِجهله الكثير من الأزواج، بل وربما يرونه عيبًا أو نقصًا في الرجولة. لنقف على أمور استأذن فيها صلى الله عليه وسلم من زوجاته أو من إحداهن لنقترب أكثر من هذا الأدب الإنساني الرفيع! أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عائشة قالت:» لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن نساءه أن يمرض في بيتي فأذن له « إنها لفتة نبوية كريمة لحق كل امرأة منهن في يومها قرب زوجها المريض، ترعاه وتعتني به، الأمر الذي جعله عليه السلام يستطيبهن نفساً لما شق ذلك عليه، ولا شك أنه كان لن يفعل لو أبدت إحداهن رفضاً أو ضيقاً وإلا لم يكن ليستأذن. وفي موقف آخر يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى زوجاته ليقوم من الليل، في حين أنها تريد قربه وبقاءه بجانبها، لكنها تحب ما يحب فتأذن له راضية وتحدثنا بجميل أدبه ممتنة رضي الله عنها مما يؤكد عمق هذا الأدب الكريم في تطييب الخاطر وسكون البال، فلا ظن ولا انكسار، فالزوج لم يرغب عنها لشيء أنكره منها ولكنه استأذن وأعلن عن حاجته بصريح القول. دخلَ يومًا صلى الله عليه وسلم إلى حجرةِ عائشَة، فدخل في الفراشِ فمَسَّ جسدُهُ جسدَ عائشةَ رضيَ الله عنها فقال صلى الله عليه وسلم لها: «ذريني أتعبدُ ربي» قلت: والله إني أحب قُربك ، وأحب ما يسرك، ثم قامَ وتوضأَ وصلى، فقامَ فبكى فابتلت لحيتُهُ، فركعَ فبكى، فسجدَ فبكى، فابتل الترابُ الذي بمحاذاتهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشةُ: لِمَ هذا يا رسولَ الله وقد غفرَ الله لك ما تقدمَ من ذنبكَ وما تأخَّر؟ فقال: «أفلا أُحِبُّ أن أكونَ عبدًا شكورًا» رواه ابن حبان. وجاء في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :»لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها». مما يؤكد الاستئذان في أمور أدق وأعمق خصوصية بين الزوجين. ليس لأحدهما أن يستأثر فيها بالاختيار دون الآخر! إن اتباع هذا الأدب النبوي الكريم، يفتح لنا بابًا جميلاً من أسباب السعادة الزوجية والهناءة وراحة البال، وكم من باب من أبواب الشر فتحه الشيطان كان يمكن أن يوصد بمثل هذا الخلق الجميل.