كان صلى الله عليه وسلم يكثرُ التطيب ويحب الطيب، ولا يردّه، وكان أحب الطيب إليه المسك. وكان يحب السواك، وكان يستاك مفطراً وصائماً، ويستاك عند الانتباه من النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة وعند دخول المنزل. وكان صلى الله عليه وسلم يكتحل وقال: ((خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر)). وكان يرجّل نفسه تارة، وترجله عائشة تارة، وكان هديه في حلق رأسه ترك شعره أو أخذه كله. ولم يحفظ عنه حلق رأسه إلا في نسك، وكان شعره فوق الجمة، ودون الوفرة، وكانت جمته تضرب شحمة أذنيه. ونهى عن القزع وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه. وكان يلبس ما تيسر من اللباس: من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة، وكان أحب اللباس إليه القميص. ولبس البردة اليمانية، والبرد الأخضر، ولبس الجبة، والسراويل والإزار والرداء، والخف والنعل والعمامة. وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك، وأرخى الذؤابة من خلفه تارة وتركها تارة. ولبس الأسود، ولبس حلة حمراء، والحلة: إزار ورداء. ولبس خاتماً من فضة، وكان يجعل فصه مما يلي باطن كفه. وكان إذا استجد ثوباً سمّاه باسمه، وقال: ((اللهم أنت كسوتني هذا القميص أو الرداء أو العمامة، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)). وكان إذا لبس قميصه بدأ بميامنه. وكان يعجبه التيمّن في تنعله وترجله وطهوره وأخذه وعطائه وفي شأنه كله. وكان هديه صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وغض به صوته. وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها. وكان يضحك مما يُضحك منه، وكان جُلَّ ضحكه التبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدوا نواجذه، وكان بكاؤه من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه قهقهة، ولكن كانت عيناه تدمع ويسمع لصدره أزيز. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم السلام عند المجيء إلى القوم والسلام عند الانصراف عنهم، وأمر بإفشاء السلام. وقال: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير». وكان يبدأ من لقيه بالسلام، وإذا سلّم عليه أحد رد عليه مثلها أو أحسن على الفور إلا لعذر ؛ مثل: الصلاة أو قضاء الحاجة. وكان يقول في الابتداء: (السلام عليكم ورحمة الله)، ويكره أن يقول المبتدئ: عليك السلام، وكان يرد على المسلم: (وعليك السلام) بالواو. وكان من هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد أن يسلم ثلاثاً. وكان من هديه أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ثم يجيء فيسلم على القوم. ولم يكن يرد السلام بيده ولا برأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة ؛ فإنه ردّ فيها بالإشارة. ومرّ بصبيان فسلّم عليهم، ومرً بنسوة فسلّم عليهن، وكان الصحابة ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم، فيسلمون عليها. وكان يحمّل السلام للغائب ويتحمل السلام، وإذا بلّغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه: وعلى المبلغ. وقيل له: الرجل يلقى أخاه أينحني له ؟ قال: (لا)، قيل: أيلتزمه ويقبله؟ قال: (لا) قيل: أيصافحه؟ قال: (نعم). ولم يكن ليفجأ أهله بغتة يتخونهم، وكان يسلّم عليهم، وكان إذا دخل بدأ بالسؤال، أو سأل عنهم. وكان إذا دخل على أهله بالليل سلّم تسليماً يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم. وكان من هديه أن المستأذن إذا قيل له: من أنت ؟ يقول: فلان بن فلان، أو يذكر كنيته أو لقبه، ولا يقول: أنا. وكان إذا استأذن يستأذن ثلاثاً ؛ فإن لم يؤذن له ينصرف. وكان يعلم أصحابه التسليم قبل الاستئذان. وكان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر. وقال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر). وكان صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق وأعذبهم كلاماً وأسرعهم أداءً وأحلاهم منطقاً. وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه. وكان يتكلم يجوامع الكلم، وبكلام مفصل يعده العاد، ليس بِهذٍّ مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات. وكان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأبعدها عن ألفاظ أهل الجفاء والفحش. وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف في حق من ليس كذلك، وأن يستعمل اللفظ المكروه في حق من ليس من أهله، فمنع أن يقال للمنافق: سيد، ومنع تسمية أبي جهل: بأبي الحكم، وأن يقال للسلطان: ملك الملوك أو خليفة الله. وأرشد من مسه شيء من الشيطان أن يقول: باسم الله، ولا يلعنه أو يسبه ولا يقول: تعس الشيطان، ونحو ذلك. وكان يستحب الاسم الحسن، وأمر إذا أبردوا إليه بريداً أن يكون حسن الإسم، حسن الوجه، وكان يأخذ المعاني من أسمائها، ويربط بين الإسم والمسمى. وقال: (إن أحب أسمائكم إلى الله: عبدالله، وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث، وهمام، وأقبحها: حرب ومرة. وغيّر اسم (عاصية) وقال (أنت جميلة) وغير اسم (أصرم): ب(زُرعة)، ولما قدم المدينة واسمها (يثرب) غيره: ب(طيبة). وكان يكني أصحابه، وربما كنى الصغير، وكنى بعض نسائه. وكان هديه صلى الله عليه وسلم تكنية من له ولد، ومن لا ولد له وقال: (تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي). ونهى أن يُهجر اسم (العشاء) ويغلب عليها اسم (العتمة)، ونهى عن تسمية العنب كرماً، وقال: (الكَرْم قلب المؤمن). ونهى أن يقال: مطرنا بنوء كذا، وما شاء الله وشئت، وأن يحلف بغير الله، ومن الإكثار من الحلف، وأن يقول في حلفه: هو يهودي ونحوه إن فعل كذا، وأن يقول السيد لمملوكه: عبدي وأمتي، وأن يقول الرجل: خَبُثَتْ نفسي، أو تَعِس الشيطان، وعن قول: اللهم اغفرلي إن شئت. ونهى عن سب الدهر، وعن سب الريح، وسب الحمى، وسب الديك، ومن الدعاء بدعوى الجاهلية، كالدعاء إلى القبائل والعصبية لها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها. وكان يمشي حافياً ومتنعلاً. وكان يركب الإبل والخيل، والبغال والحمير، وركب الفرس مسرجة تارة، وعرياً تارة، وكان يردف خلفه وأمامه. وكان يجلس على الأرض وعلى الحصير وعلى البساط. وكان يتكئ على الوسادة، وربّما اتكأ على يساره وربما اتكأ على يمينه. وكان يجلس القرفصاء، وكان يستلقي أحياناً، وربما وضع إحدى رجليه على الأخرى، وكان إذا احتاج توكأ على بعض أصحابه من الضعف. ونهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس. وكره لأهل المجلس أن يخلو مجلسهم من ذكر الله، وقال: (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة...) والترة: الحسرة. وقال: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ؛ إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك). وبُشِّر صلى الله عليه وسلم بحاجة، فخرَّ لله ساجداً. وكان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع، ورب الأرض رب العرش الكريم). وكان إذا حزبه أمر قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) وقال: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو ؛ فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت) وكان إذا حزبه أمر صلى. وقال (ما أصاب عبداً هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه، وأبدله مكانه فرحاً. وكن يعلمهم عند الفزع: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشيطان، وأعوذ بك ربِّي أن يحضرون). وقال: (ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها - إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها). وكان يستحب الخروج للسفر أول النهار. وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل، ويكره السفر للواحد. وأمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم. وكان إذا ركب راحلته كبّر ثلاثاً، ثم قال: (سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، ثم يقول: (اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا، سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا). وكان إذا رجع من السفر زاد: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون). وكان إذا علا الثنايا كبَّر، وإذا هبط الأودية سبَّح، وقال له رجل: إني أريد سفراً، قال (أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف). وكان إذا ودَّع أصحابه في السفر يقول لأحدهم: أستودعُ الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك). وقال: (إذا نزل أحدكم منزلاً، فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ؛ فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه). وكان يأمر المسافر إذا قضى نهمته من سفره أن يعجل الرجوع إلى أهله. وكان ينهى المرأة أن تسافر بغير محرم، وينهى أن يسافَرَ بالقرآن إلى أرض العدو مخاوفة أن يناله العدو. وكان سفره أربعة أسفار، سفر للهجرة، وسفر للجهاد - وهو أكثرها ؛ وسفر للعمرة، وسفر للحج. وكان يقصر الرباعية في سفره، فيصليها ركعتين من حين يخرج إلى أن يرجع، وكان يقتصر على الفرض ماعدا الوتر وسنة الفجر. ولم يحد لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر. ولم يكن من هديه الجمع راكباً في سفره، ولا الجمع حال نزوله، وإنما كان الجمع إذا جدّ به السير، وإذا سار عقيب الصلاة، وكان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب، وكان إذا أعجله السير أخّر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء في وقت العشاء. وكان يصلى التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر قبل أي وجه توجهت به، فيركع ويسجد عليها إيماءً، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه. وسافر في رمضان وأفطر وخيّر الصحابة بين الأمرين. وكان يلبس الخفاف في السفر دائماً أو أغلب أحواله. ونهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً إذا طالت غيبته عنهم. وكان إذا قدم من سفرٍ بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، وكان يلقى بالولدان من أهل بيته. وكان يعتنق القادم من سفره، ويقبله إذا كان من أهله. اللهم اجعلنا متبعين سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وظاهراً وباطناً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. (*) الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج بوكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية