تعتبر الخصوصية عنصراً ضرورياً للحياة الطيبة في المجتمع الحديث، خاصة مع التقدم التكنولوجي الهائل في مجال جمع المعلومات ونشرها واستغلالها، وتوسع خدمات المعلومات الالكترونية والبيانات الرقمية في الآونة الاخيرة، مما أدى الى زيادة الاهتمام بالخصوصية والتي تعني في مجملها حق الفرد في حماية بعض مظاهر حياته الخاصة والمحافظة على السرية بما يصون سمعته ومعطيات الحياة التي يحرص على عدم تدخل الناس فيها، ولقد اهتم التشريع الإسلامي بحق الانسان في الخصوصية، وجعل الاصل الشرعي لحرمة الحياة الخاصة يقوم على تحريم التجسس وسوء الظن والغيبة بشكل عام، وهذا ما لم تتعرض له القوانين الوضعية، حيث نهى الإسلام عن سوء الظن لأن حرمة الحياة الخاصة عدوها اللدود سوء الظن الذي يعقبه غالباً التجسس المحرم شرعاً لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً..} والظن هو التهمة بدون قرينة حال تدل عليها، وقد صح الحديث بتحريم الظن السييء بقول صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولاتحسسوا ولا تجسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً). وتحرم الشريعة الإسلامية التجسس وتتبع عورات الناس وكشفها واطلاع الغير عليها، حتى لا تكون عورات الشخص سواء كان مسلماً او غير مسلم حمى مباحاً لمن غلب عليه الفضول والقصد السييء، وفي اعتقادنا ان هذه القيم الإسلامية الرفيعة جعلت الكثير من الشعوب تقبل على هذا الدين العظيم، والبيت في الإسلام هو المكان الذي يمارس فيه الانسان خصوصيته غالباً، والذي يجب ان تقف عنده رغبات الغير في التطلع لما يدور خلفه، لقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم} فبهذا التنظيم الدقيق جعل الإسلام هنالك حدوداً للخصوصية الخاصة داخل بيت الإنسان نفسه، وجعل لدخول البيوت شروطاً تضمن حرمتها وعدم التجسس الذي يعد اخطر ادوات انتهاك الخصوصية، لقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكّرون٭ فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم} فهذه الآيات الكريمة تشكل نظاماً يحكم قواعد دخول البيوت، فالله سبحانه وتعالى لما خص ابن آدم وكرمه بالمنازل وستره فيها عن الابصار وملكه الاستمتاع بها على انفراد حجر على الخلق ان يطلعوا على ما فيها من خارج او يلجوها من غير اذن اصحابها، وادبهم بما يرجع الى الستر عليهم لئلا يطلع احد منهم على عورة والاستئذان يكون ثلاث مرات لقوله صلى الله عليه وسلم (اذا استأذن احدكم ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع) ومعنى ذلك ان يطرق الزائر الباب ثلاث مرات فإن لم يؤذن له فليرجع، وان يعرف بنفسه تعريفاً واضحاً وان لايطلع الى داخل الدار لأن ذلك محرم شرعاً لقوله تعالى {فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم}. ونخلص الى الشريعة الإسلامة حفظت حق الخصوصية من خلال التجسس بكل صوره واشكاله على حياة الإنسان الخاصة، لقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا} والتجسس هو البحث عما خفي من عيوب المسلمين وعوراتهم وهكذا نجد ان الفقه الإسلامي قد اعتنى بمسألة احترام خصوصية الانسان وحرمة عوراته سواء في منزله او في مقر عمله وكل ما يتعلق بأسرار حياته الخاصة العائلية والمهنية والمالية والطبية وفي اعتقادنا انه بالنظر لما عالجه الفقهاء المسلمون في هذا الشأن ما اسلفنا الحديث عنه مفاده قاعدة عامة وهو عدم جواز الاعتداء على حق الانسان في خصوصيته بما لا يتعارض مع حدود الشريعة الإسلامية. [email protected]