مما لا شك فيه أنّ سيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية على المفاصل الاقتصادية وتربطها بمعظم القضايا السياسية في العالم، تنجلي بشكل واضح في خضم الصراعات الدولية، والتي تبدو فيها القوة الأمريكية مهيمنةً وصارمةً، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث لا مجال للضعف والتردُّد في سياساتها ومواقفها في أيّة بقعة من بقاع العالم، سواء كان ذلك من جهة طموحاتها أم هواجس القلق الذي يساورها. ويظهر الطموح الأمريكي بشكلٍ جليٍّ من خلال أربعة مظاهر لا يمكن فصل عراها عن بعضها البعض: الأول يكمن في التفوُّق الكاسح الذي حققه الأمريكان بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وغياب أيّة قوة دولية أخرى مؤثِّرة، وما أعقب هذا السقوط من تداعيات على الساحة الدولية، بدت فيها أمريكا قوة مؤثِّرة لا نظير لها. أما الظاهرة الثانية، فقد بدأت بعد أن اجتمعت الدول الأوربية داخل اتحاد واحد سمُّي ب(الاتحاد الأوروبي) ليطرح نفسه كقوة دولية متصدِّية للقوة الأمريكية، لكنها لم تملك قوة الدولة الواحدة وبقيت منافستها في إطار بعض المواقف هنا وهناك. ولعلّ الظاهرة الثالثة تتعلّق بالصراعات الدولية التي اتسمت في هذه المرحلة بتجاوز الحدود الدولية، التي أوجدت ظروفاً جديدة تحيل دون استمرارية أيّة دولة بعيدة عن التطوُّر الذي نشهده اليوم. وأخيراً فإنّ العامل الرابع يكمن في بروز الطموحات الأمريكية بشكلٍ جديد لم نألفه بعد، وذات طبيعة مختلفة، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م حيث أصبحت هذه الطموحات مرتبطة بمستجدات حديثة لم تكن موجودة من قبل، كالإرهاب وطريقة التصدِّي له، وأخرى تتعلَّق بحروب ضارية تخوضها الولاياتالمتحدة في مناطق متعدِّدة من العالم. وتستجيب القوة المتفوِّقة للولايات المتحدةالأمريكية للمصالح التي رسمتها لنفسها والتي اختلفت عن الماضي، أيام الحرب الباردة، حيث بدأت أمريكا تهتم بمناطق وأقاليم من العالم لم تكن ضمن دائرة اهتمامها في ذلك الزمن. وبالنظر في موضوع المصالح الدولية، فإنّ أمريكا تزداد عناداً في تمسُّكها بمصالحها في هذه الحقبة، حيث لم تكن الطموحات الأمريكية تتعدّى حدود ولاياتها في بدايات القرن العشرين، لكن في أواسط هذا القرن أصبحت تمتد إلى حدود أوروبا. وفي زمن الحرب الباردة كان جلُّ اهتمامها منصباً على الاتحاد السوفيتي، وتهتم كلُّ إدارة من إداراتها المتعاقبة بحلفائها من الأوربيين وبمصالحهم، فمثلاً كانت الأولوية للمصالح الفرنسية في غرب إفريقيا وفي جنوب شرق آسيا والحالة ذاتها بالنسبة لبريطانيا، حيث كانت مصالحها مرتبطة بجنوب إفريقيا وبجنوب غرب آسيا. بيْد أنّ ما يجري حالياً هو العكس تماماً، فلم تعد هناك القوة السوفيتية ولم يعد مهماً لها مصالح حلفائها من الأوروبيين، وهي تتحرك اليوم بموجب بوصلة مصالحها فقط، وسط زحام من المنافسين والخصوم، ولا تتوانى في إظهار قوّتها هنا أو هناك بحسب ما يقتضيه الموقف...