لا أدري ما الذي تغير، قطعاً الوقت بريء براءة الذئب من دم يوسف، من هذه التهمة لأن الوقت هو الوقت في السابق واللاحق، إذ يبادر البعض عن التعبير بماهية التغيير، نسبة للوقت كأن يقول (الزمن تغير) (والناس مهوب الناس) في الأولى افتراء لفظي ومنطقي للمعطيات، والثانية قد تلامس التعبير بشكل أدق، فيما يشكل التغيير سلباً إلى الخلط، ومزج الرغبة مع الأمنية، بمعنى أنه يود أن يكون التأثير نابعاً من قوة تزيل التهمة وآثارها عن الإنسان لسبب بسيط وهو أن يخرج من هذه الدائرة ملقياً اللوم على المؤثرات الخارجية عن إرادة الإنسان وبالتالي تبرئته، وهذا النوع من النقد يحيلنا إلى إشكالية تزداد حدة كلما توارى خلف أسباب هلامية مبتعداً أو بالأحرى مبعداً نفسه من ألم المواجهة، ومجنباً ذاته من نقد قد تصل آثاره في حالة الاستفاضة ونقد الذات، إلى وضعه على لائحة الاتهام، إذن تقول الوقت تغير وأقول (مالك لوى) وهذه بالمناسبة كلمة عامية دارجة تعني انتفاء الصحة في القول (الناس تغيرت) أجيبك وبكل ثقة (نعم) أما كيف فهذا محور حديثي، فعلى الرغم من سطوة المؤثرات والتي تشكل نسبة لا بأس بها من حيث التأثير إلا أنها قطعاً لا يمكن أن تؤدي إلى انتشال السلوك التلقائي النبيل من رحم البراءة الملهم لكل توجه سامٍ يليق بالمكانة الطبيعية للفطرة ولكيلا (توجعكم رؤوسكم) فإني سأختزل هذه المحاور بكلمة بليغة ذات مدلولات تستشرف النبل، في عصر التلاقح الذهني بوتيرته المتسارعة وما تحتويه من طفرة تقنية مذهلة والتي جعلت الإنسان فعلاً (ما يقدر يحك رأسه) مع مراعاة حفظ حقوق المبالغة بهذا الخصوص، أعود لهذه الكلمة الرائعة والراقية في نفس الوقت ألا وهي (البساطة) نعم هذه الكلمة تعبر عن نفسها، ولا تدافع عنها.. بمعنى أن وضعها ليس لائقاً بمكانتها، وقد يعزى سبب ذلك، إلى الافتقار للفهم الصحيح لمعناها الفريد، ومن ثم فإنها باتت مثار تهكم، بدلاً من الاعتزاز ومثار جهل في حين أنها تعتبر أم العلوم والفنون الجميلة بتواضعها الجميل الأخاذ، وقدرتها الفنية المؤهلة لعبور القلوب بكل انسيابية، وحينما نقول إن الشخص (بسيط) فإنها قد تفهم بمعايير مزدوجة أي أن الإنسان المدرك بسعة أفقه يعي ما تعنيه هذه الصفة كخصلة جميلة، يتمتع بها الإنسان الفاهم حقاً وليس (أبو العريف) الذي يدعي الفهم وهو أبعد ما يكون عن مخيلته، فضلاً عن سلوكه (وأبو العريف) يستقي هذه المعلومة فتختلط مع عروق رأسه لتشكل نمطاً أقرب ما يكون إلى العنجهية مضافاً إليه كمية استعلاء وكبر وسوء فهم بطبيعة الحال بأن هذا الشخص البسيط ساذج ولم ينهل من معين (البرستيج) البغيض ليخلط الأوراق كما يختلط الأسمنت بالحديد والماء، أي أنك أمام عقل (صبه) وهو كذلك طالما كان هذا دأبه، ومقاييسه التي يفصلها على الناس وفقاً للوضع المنغمس في التمييز المنفر، وعلى الرغم من انتشار هذه الأشكال غير المغرية، إلا أن هذا لا يلغي تداول هذا المفهوم في ظل حمأة الأسهم الملتهبة، إذ إن مؤشره لن يلبث بإذن الله أن يعاود الارتفاع ويتجاوز الحروف والنقاط إلى التفعيل. وقد يقول البعض إنه يطبق هذا المفهوم أي البسيط على نفسه وهو أصعب من حل مسائل الرياضيات في اختبارات الثانوية العامة، وللتحرر من هيمنة الجهل وتجسيد الدلالة واقعاً يتطابق مع المفهوم فإن ترجمته على الأرض لا يمكن أن تتم بمعزل من التجرد من الأنانية وحب الذات، هذا من جهة وتكريس التواضع وحب الخير للناس، كما يحب هو أن يلقي في تعامله مع الآخرين من جهة أخرى، وتنحو سبل البساطة في التعامل إلى استشراف المعاني النبيلة والتي تواكب هذا التوجه الفذ من خلال الأثر المباشر المؤصل لديمومة الاستقرار النفسي ونتائجه المرتبطة بتحقيق الرخاء، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب المعنوي في إطار التبادل المعرفي، ويندرج تحت مفهوم البساطة التماس الأعذار وحسن النية والتصويب بطريقة سلسة خالية من التعنيف والتجريح والتأفف وخلافه، إذ إن الفعل سيولد رداً للفعل ومتى ما انحنى الفعل للأطر المفعلة بصيغة منطقية جذابة، فإن رد الفعل لن يقل نبلاً في تكريس للهواجس التي يغشاها الوئام وتحفها أجنحة المحبة والسلام امتداداً لمسلك الآباء والأجداد على هذا المنوال الموغل في الصفاء والنقاء، وسيبقى بإذن الله كذلك مهما تسللت حمى المؤثرات في جنح الظلام، أو على جناح طائرة فالأمر سيان طالما أن الأصالة ترفض الارتكاس خلف غربلة المفاهيم وإفراغها من محتواها (وكل إناء بالذي فيه ينضح).