في مثل هذا اليوم من عام 1086 انتصر الأندلسيون والمرابطون بقيادة الأمير يوسف بن تاشفين على الإسبان.سقطت الخلافة الأموية في الأندلس إثر سقوط الدولة العامرية سنة (399ه - 1009م) وتفككت الدولة الأندلسية الكبرى إلى عشرين دويلة صغيرة يحكمها ملوك الطوائف، ومن أشهرهم: بنو عباد في أشبيلية، وبنو ذي النون في طليطلة، وبنو هود في سرقسطة، وزعمت كل طائفة من هذه الطوائف لنفسها الاستقلال والسيادة، ولم تربطها بجارتها إلا المنافسة والكيد والمنازعات والحروب المستمرة، وهو ما أدى إلى ضعف، وأعطى الفرصة للنصارى المتربصين في الشمال أن يتوسعوا على حسابهم.وفي مقابل التجزئة والفرقة الأندلسية في عصر الطوائف كان النصارى يقيمون اتحادًا بين مملكتي ليون وقشتالة على يد فرديناد الأول الذي بدأ حرب الاسترداد التي تعني إرجاع الأندلس إلى النصرانية بدلاً من الإسلام.وواصل هذه الحرب من بعده ابنه ألفونس السادس، حيث بلغت ذروتها مع استيلاء ألفونس على مدينة (طليطلة) سنة (478ه - 1085م) أهم المدن الأندلسية وأكبر قواعد المسلمين هناك، وكان سقوطها نذيرًا بأسوأ العواقب لبقية الأندلس، ذلك أن ألفونس قال صراحة: إنه لن يهدأ له بال حتى يسترد بقية الأندلس ويُخضع قرطبة لسلطانه، وينقل عاصمة ملكه إلى طليطلة.وكان أسوأ ما في هذه الكارثة المروعة أن ملوك الطوائف المسلمين لم يهبُّوا لنجدة طليطلة أو مساعدتها، بل على العكس وقفوا موقفًا مخزيًا حتى إن بعضهم عرض على ألفونس تقديم العون والمساعدة، ورأى البعض الآخر أنه لكي يستمر في حكم مملكته آمنًا يجب أن يوثق أواصر الصلة والمودة مع ألفونس ويحالفه ويقدم له الجزية السنوية، بل شاركت بعض قوات أمراء الطوائف في غزوة طليطلة، وقدم أحد هؤلاء الأمراء ابنته لتكون زوجة أو حظية لألفونس!! ورأى ألفونس حالة الضعف والجبن التي يعاني منها أمراء الطوائف، والتي تعود في الأساس إلى ترفهم وخواء نفوسهم، وكرههم للحرب والجهد حتى إن كان ذلك هو السبيل الوحيد للكرامة والحفاظ على البقية الباقية من الدين والمروءة، لذا رأى ألفونس السادس ضرورة إضعاف ملوك الطوائف قبل القضاء عليهم نهائيًا، وكانت خطته في ذلك تقوم أولاً على تصفية أموالهم باقتضاء وفرض الجزية عليهم جميعًا، ثم تخريب أراضيهم وزروعهم ومحاصيلهم بالغارات المتتابعة، وأخيرًا اقتطاع حصونهم وأراضيهم كلما سنحت الفرصة. حشد المعتمد رجاله، وقوَّى جيشه، وأصلح حصونه، واتخذ كل وسيلة للدفاع عن أرضه بعدما أيقن أن ألفونس يعتزم العمل على إبادتهم جميعًا، وأن المسلمين بقدراتهم ومواردهم المحدودة لن يستطيعوا له دفعًا، لذا قرر المعتمد أن يستنصر بالمرابطين في المغرب لمقاتلة هؤلاء النصارى، وكانت دولة المرابطين دولة جهاد وحرب، غير أن هذا الرأي واجه معارضة من بعض الأمراء الذين رأوا في المفاوضات والصلح والمهادنة والسلام وسيلة للأمن والاستقرار، ورأوا في المرابطين عدوًا جديدًا قد يسلب ملكهم.حشد يوسف بن تاشفين جنده وعتاده، ثم بعث بقوة من فرسانه بقيادة داود بن عائشة فعبرت البحر، واحتلت ثغر الجزيرة الخضراء، وفي (ربيع الآخر 479ه - أغسطس 1086م) بدأت جيوش المرابطين تعبر من سبتة إلى الأندلس، وما كادت السفن تتوسط ماء مضيق جبل طارق حتى اضطرب البحر وتعالت الأمواج، فنهض (ابن تاشفين) ورفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرًا وصلاحًا للمسلمين فسهِّل علي جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه علي حتى لا أجوزه)، فهدأت ثائرة البحر، وسارت السفن في ريح طيبة حتى رست على الشاطئ، وهبط منها يوسف، وخرَّ لله ساجدًا.