السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: تعقيباً على مقال الكاتب:( د. محمد الصالح) والمنشور في العدد 12028 تحت عنوان: (تجميل الثدي)، اقول بداية لا يسعني إلا أن أبعث بطاقة من الاحترام والتقدير لشخص الكاتب الكريم، وذلك بسبب ما ظهر في مقاله القيم من غيرة وحرص على أخواتنا المؤمنات، وتذكير متوال بخطر الجرأة على تخطي حدود الله جل وعلا.. فلا حرمه الله الأجر، وجعله أسوة حسنة لباقي الكتاب. لقد أشار الكاتب في مقاله إلى الاندفاع المحموم من قبل بعض إخوتنا وأخواتنا - هداهم الله - إلى العمليات التجميلية لمواضع من أجسامهم. وقال وصدق في قوله أن العذر قد يلتمس لمن كان لديه بعض التشوه في جسمه، مما يسبب له حرجاً عند الناس. ولكن العجب كل العجب ممن خلقه الله فأحسن خلقته، ثم هو بعد ذلك لا يرضى بما قسم الله له، بل يبحث عما يغير به هيئته وشكله، تجملاً أو ترفاً أو تقليداً!.. يقول الكاتب: أما أن يقدم البعض منا رجالاً أو نساء على مثل تلك العمليات التجميلية لمجرد تحقيق شيء من الرفاهية والنعومة، فهذا غير مقبول على الإطلاق، فلا يجوز شرعاً أن يقدم الشخص منا على اجراء تعديل في خلق الله لمجرد الرغبة في الظهور بشكل أجمل وأكثر جاذبية. ويقول أيضاً انني اتعجب كيف تقدم بعض الفتيات والنساء المسلمات على اجراء مثل تلك العمليات التجميلية، وهي تعلم أن في ذلك مساساً بخلق الله!!، ثم نحن نعلم أن هناك الكثير من النساء المسلمات يمانعن أن يقوم الطبيب الرجل بإجراء بعض العمليات الضرورية لهن كالولادة وغيرها، ويبذلن ما في وسعهن لكي يجدن طبيبات من النساء ليقمن بذلك، فكيف تجرؤ بعض الفتيات على كشف معظم أجزاء جسدها أمام شخص غريب ليجري لها عملية (تجميل الثدي)، لا لشيء سوى من أجل أن يكون صدرها أكثر جاذبية، أو من أجل أن يكون صدرها مشابهاً لإحدى الفنانات أو الممثلات!. ولعلي أشارك الكاتب في هذا الموضوع المهم، والذي صار لزاماً علينا أن ندرك حجمه وأبعاده. تعمد بعض اخواتنا إلى عملية تجميل الثديين لأسباب مختلفة، منها: تصغيرهما إذا كانا كبيرين، أو تكبيرهما بحقن مادة السيلكون في تجويف الثديين، أو بحقن الهرمونات الجنسية، أو بإدخال النهد الصناعي داخل جوف الثدي، أو غيرها. وهذا النوع من الجراحة (سواء جراحة الثديين أو غيرها) لا يشتمل على دوافع ضرورية، ولا حاجية، بل غاية ما فيه تغيير لخلق الله تعالى، وعبث به حسب أهواء الناس، وشهواتهم، فهو غير مشروع، ولا يجوز فعله، وذلك لما يأتي: أولاً: أن الله سبحانه قال عن إبليس - لعنه الله - :{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ}، وهذه الآية واردة - كما هو ظاهر - في سياق الذم، وبيان المحرمات التي يسول الشيطان فعلها لإضلال بني آدم، ومنها تغيير خلق الله. ثانياً: حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله). رواه مسلم - والشاهد من ذلك قوله: ( المتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله)، وهذا الوصف منطبق على موضوع حديثنا. يقول سماحة الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في معرض حديثه عن أنواع عمليات التجميل: (والنوع الثاني: هو التجميل الزائد، وهو ليس من أجل إزالة العيب، بل لزيادة الحسن، وهو محرم ولا يجوز، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن النامصة والمتنمصة.. لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب..) (فتاوى المرأة المسلمة، جمع: أشرف عبدالمقصود :1-478). ثالثاً: أن في ذلك غشاً وتدليساً وخداعاً للناس. رابعاً: أن هذه الجراحة لا يتم فعلها إلا بارتكاب بعض المحظورات وفعلها، ومنها: التخدير، سواء كان عاماً أو موضعياً.. ومعلوم أن التخدير محرم في الأصل، وقد أذن به وقت الضرورة، ولا ضرورة هنا.. ومن تلك المحظورات أيضاً: قيام الرجال بمهمة الجراحة للنساء الأجنبيات والعكس - كما أشار إلى ذلك الكاتب -، ويترتب على ذلك سلسلة من المحظورات كاللمس، والنظر للعورة، والخلوة بالأجنبية، وغيرها. خامساً: أن هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها، إضافة إلى قلة نسبة نجاحها.. ومن اجل ذلك يقول الدكتور ماجد طهبوب - نائب رئيس قسم جراحة الحروق والتجميل بمستشفى ابن سينا بالكويت هناك اتجاه علمي بأن مضاعفات اجراء هذه العملية - أي: جراحة تجميل الثديين - كثيرة، لدرجة أن اجراءها لا ينصح به. سادساً: اضافة إلى ما سبق فإن نجاح هذا النوع من الجراحة يستلزم تغطية المواضع التي تم تجميلها بلفاف طبي قد يستمر أياماً، ويمتنع بذلك غسل المواضع الواجب غسلها في فريضة الوضوء والغسل الواجب، مع عدم وجود الضرورة. وتعتذر طائفة من هذا الصنف بعدم بلوغهم لأهدافهم المنشودة في الحياة بسبب عدم اكتمال جمالهم. ونورد لهؤلاء ما جاء في الموسوعة الطبية الحديثة، فقد جاء فيها ما نصه:( ومع تحسن المنظر بعد عمليات التجميل وما يتبع ذلك من تحسين حالة المريض المعنوية، فعمليات التجميل لا تغير من شخصيته تغيراً ملحوظاً، وإن العجز عن بلوغ هدف معين في الحياة لا يتوقف كثيراً على مظهر الشخص، فالمشكلة في ذلك أعمق كثيراً مما يبدو من ظواهر هذه الأمور، وعلى هذا فعمليات التجميل الاختيارية غير محققة النتائج، ومن الخير ترك الإغراق في اجرائها، أو المبالغة في التنبؤ بنتائجها) (3-455).بقي في ختام هذا التعقيب، أن أشير إلى أن ما ذكرته فيما سبق، وأكثر منه، موجود ضمن رسالة الدكتوراة التي كتبها فضيلة الشيخ العلامة: د. محمد مختار الشنقيطي والتي عنوان لها ب( أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها)، وأنا أنصح كل مهتم بهذا الشأن أن يقتنيها ويقرأها، إذ إن فيها الجواب الكافي عن مسائل الجراحة الطبية وأحكامها. وفق الله الجميع لهداه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ماجد بن محمد العسكر /الخرج [email protected]