خصصت فقيهة سعودية «جراحة تجميل الأنف» ببحث مستقل، تناولت فيه المسألة الشائعة بين طبقات مهمة في المجتمعات العربية والإسلامية، من زاوية فقهية وشرعية، من دون أن تغفل الرأي الطبي، الذي استندت إليه أحياناً كثيرة في بناء الحكم بالإباحة أو التحريم. وقسمت الباحثة الدكتورة نورة بنت عبدالله المطلق، جراحة الأنف التجميلية، إلى قسمين، الأول جراحة للضرورة بإزالة التشوه، والأخرى غير ضرورية بزيادة الحسن. وبينما حسمت القسم الأول من دون أن تطيل بالإباحة، لوجود أدلة صريحة فيه، استفاضت في مناقشة القسم الآخر الذي خالفت فيه فقهاء كباراً نقلت أقوالهم مثل ابن باز وابن جبرين، وقررت هي تحريمه، لأسباب عدة، رأتها وجيهة في منعه شرعاً. وبدأت المطلق مناقشة الرأي الفقهي في المسألة المختلف عليها «تجميل الأنف لزيادة الحُسْن»، في بحثها الذي نشرته مجلة «البحوث الفقهية المعاصرة»، بالقول «يحرم التداوي بالجراحة التي لا حاجة لها ولا ضرورة تدعو إليها كالجراحات التجميلية التحسينية للأنف، إذا كان شكله مقبولاً وليس قبحه ظاهراً، وذلك لأنه يترتب على الجراحة ضررٌ جسدي محقق، والأصل في المضار التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر، ولا ضرار». والجراحة التجميلية للأنف التي تستهدف تغيير شكل أو وظيفة العضو السوية المعهودة حرام، لا يجوز عملها». أما الأسباب التي جعلتها تقطع بهذا القول ابتداء، فهي بحسبها: أولاً: أن مثل هذه العمليات الجراحية للأنف تجرى لاتباع الهوى وتحصيل مزيد من الحس، ودوافعها إشباع نزعة غرور عند المرأة غالباً، حيث تتطلع إلى حسن وجمال مبالغ فيه بتغيير خلق الله تعالى، فتارة تطيل أنفها اتباعاً للموضة السائدة، وتارة تجعله قصيراً؛ ومثل هذا محرم، لأن الأصل عدم جواز تغيير الأعضاء بالتصغير أو التكبير إذا كان العضو في حدود الخلقة المعهودة، لأن ذلك عبث بالخِلقة التي خلقه الله عليها، واتباعٌ للهوى، وطاعةٌ للشيطان (...) فالجسد لله يحكم فيه بما يشاء، وليس الإنسان حراً يفعل في جسده ما يشاء، كما يتصور ذلك بعض الناس، قال الطبري رحمه الله: «لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص لالتماس الحسن لا للزوج ولا لغيره». التجميل تغيير لخلق الله وفي تجميل الأنف لزيادة الحسن تغييرٌ لخلقة الله، فيدخل فيما سبق، وقد قال النووي رحمه الله تعالى في قوله صلى الله عليه وسلم: «والمتفلجات للحسن»: «فيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن فلا بأس». و قال ابن العربي رحمه الله: «إن الله سبحانه خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيئة الأصلية، ثم فاوت في الجمال بينها، فجعلها مراتب، فمن أراد أن يغير خلق الله فيها، ويبطل حكمته فهو ملعون، لأنه أتى ممنوعاً». وقال الخطابي: «إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء لما فيها من الغش والخداع، ولو رخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش، ولما فيها من تغيير الخِلقة». ولا تتصور مسألة الغش في مسألتنا هذه وهي تجميل الأنف لزيادة الحسن؛ إذ إن الجراحة دائمة فليس فيها تدليس ولا غش، أما لو كانت العملية التجميلية للتنكر، أو الهروب من مطالبة قانونية، أو نحوها فتحرم للغش والتدليس فيها. ثانياً: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: «لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحُسن، المُغيرات خلق الله». ثالثاً: أنها قد تكون بقصد التشبه بالكفار والفسقة، وأهل المجون، فتجرى العملية للأنف ليكون مثل أنف فلان الفنان العالمي، أو يشبه أنف فلانة الفنانة العالمية، ونحو ذلك، وهذا أيضاً محرم؛ لأن التشبه بهؤلاء مذموم محرم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم». رابعاً: أن هذه العمليات التجميلية التحسينية للأنف لا يمكن إجراؤها إلا تحت تأثير مخدر، إما موضعي يفقد المريض حسَّ الألم في موضع معين من جسمه دون أن يفقد وعيه، وهذا في العمليات الجراحية البسيطة للأنف، وإما مخدر عام وفيه يفقد المريضُ حسَّ الألم ويفقد وعيَه وهذا في العمليات الجراحية الكبرى. والأصل في تعاطي المخدرات أنها محرمة كالخمر لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم». قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «كل ما يغيب العقل فهو حرام، وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين، وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر ولم يغيّب العقل ففيه التعزير». وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري - عند الكلام عن الخمر المسكر -: «ويترجح أنها ليست بدواء بإطلاق الحديث، ثم الخلاف إنما هو فيما لا يسكر منها، أما ما يسكر منها فإنه لا يجوز تعاطيه إلا في صورة واحدة وهو من اضطر إلى إزالة عقله لقطع عضو من الآكلة». و الأصل في التخدير الذي يكون في الجراحات التجميلية للأنف المنع، لأن فيه ضرراً ظاهراً، قال المناوي بعد ذكره لحديث «لا ضرر ولا ضرار»: «وفيه تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم»، وجواز استعماله في الجراحة المشروعة المضطر إليها أو المحتاج إليها بقصد التداوي جائز عملاً بالقاعدة الفقهية: «الضرورات تبيح المحظورات»، وبقاعدة: «الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة» بشرط أن يتقيد المُخدِّر بالقدر المحتاج إليه المريض من دون زيادة عليه؛ ولذلك لا يعمد الأطباء إلى التخدير إلا في مواضع الضرورة، وبقدر الحاجة بحيث يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط عملاً بالقاعدة الفقهية: «الضرورات تقدر بقدرها». ولكن يحتمل ضرره إذا كان فيه دفعٌ لضرر أشد عملاً بالقاعدة الفقهية: «إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما»، و«يحتمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام»، و«الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف»، و«درء المفاسد مشروط بأن لا يؤدي إلى مثلها أو أعظم منها». وفي الجراحات التجميلية للأنف لزيادة الحسن لا توجد ضرورة داعية ولا حاجة ماسة إلى استعمال التخدير فتحرم هذه الجراحات؛ لأنها تؤدي إلى محرم وهو تناول المخدر، فإذا زالت الضرورة زال الجواز؛ فإن المحرم الذي أباحته الضرورة لا يأخذ صفة الاستمرار على الإباحة، بل متى ما زالت الضرورة رجع الحكم إلى أصله، وهو الحرمة، فالإباحة له طارئة لا أصلية «وما جاز لعذر بطل بزواله» و«إذا زال المانع عاد الممنوع». الأطباء: تجميل الأنف ليس ترفاً! المطلق التي أرادت أن تسدّ ثغرات النقد على بحثها «المحكّم»، أوردت اعتراضات الأطباء على الحجج التي بنت عليها التحريم، وقالت إنهم يزعمون أن «جراحات تجميل الأنف ليست نوعًا من الترف كما يتصوره بعض الناس، إذ لا يمكن تصور ما يسببه الأنف الكبير الحجم أو الصغير لصاحبه من خجل اجتماعي، وما قد يسببه من أثر في نفسية صاحبه فيفقده جزءاً من شخصيته مما يؤثر في مستقبله، ذلك أن الأنف أكثر أعضاء الوجه بروزًا وحجمًا فهو أكثر بروزاً من العين والفم، ولما كان الوجه بانطباعاته هو مصدر التعبير عن الطاقة والحيوية والانفعال والمرح والحزن والغضب، فإنه يعتبر مصدر جمال أي إنسان، ولما كان الأنف يقع في منتصف الوجه فإنه مصدر جمال الوجه، فمهما كانت العيون جميلة، والوجه ناعمًا فإن الأنف إذا كان غير جميل؛ فهو يغطي على كل عناصر الجمال الأخرى؛ ولذا فإن إجراء الجراحات التجميلية للأنف يؤدي دوراً كبيراً في تحسين المظهر وإعطاء ثقة أكثر بالنفس». إلا أن المطلق حاولت إحباط الحجة التي أوردتها على ألسنة الأطباء قائلة «الذين يلجأون لمثل هذه الجراحات بحجة زيادة الثقة والقدرة على الإنتاج حجتهم واهية، فالثابت من المشاهدة أن جراحات التجميل لا تغيِّر من شخصية الإنسان تغييرًا ملحوظًا، وأن العجز عن بلوغ هدف معين في الحياة لا يتوقف كثيرًا على مظهر الشخص، فالمشكلة في ذلك أعمق كثيرًا مما يبدو من ظواهر هذه الأمور، وعلى هذا فجراحات التجميل الاختيارية غير محققة النتائج، ومن الخير ترك الإغراق في إجرائها، أو المبالغة في التنبؤ بنتائجها».