لا يستهين عاقل بخفقان القلب، لأن القلب إذا خفق لشيء تعلّق به، وإذا تعلّق بشيء قاد جميع الحواس إليه، ولم يترك للعقل مجالاً مناسباً للتأمل والتفكير، وإذا خفق القلب لشيء جميل يستحق ذلك الخفقان فإنّ الأمر في هذه الحالة يصبح مقبولاً معقولاً جالباً للسعادة والهناء، أما إذا خفق لشيء قبيح -وقد يفعل القلب ذلك- فإن الشقاء سيكون نتيجة لهذا الخفقان فما الذي يصنعه الإنسان إذا خفق قلبه. هنالك تجاب بين الأرواح لا يخفى على أحدٍ من البشر، فالأرواح - كما ورد في الأحاديث- جنود مجّندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ولربما حدث ذلك التجاذب بين روحين، فخفق قلب لقلب، وتاقت نفس إلى نفس، وتعلّقت روح بروح، دون معرفة السبب، بل إنّ الجواب الذي يبادرك به من مرّ بهذه الحالة حينما تسأله: لا أدري. فكيف يكون الخلاص حينما يخفق القلب لأمر قبيح، أو لشخص لا يستحق؟! إنّ أفضل وسيلةٍ للخلاص هي التعامل بهدوء وإقناع، ومحاورة هادئة مع من مال قلبه وخفق، فإن التعنُّت والقسْر لا تجدي في مثل هذا المقام. وإن كانت الشدّة تؤتي نتائج إيجابيةً -أحياناً- إلا أن جانب اللين والملاطفة هو الذي ينجح نجاحاً كبيراً في هذا المقام العجيب. لقد مرّت بي حالةٌ من حالات خفقات القلب المعقّدة لطالب من طلاّب المرحلة الجامعية، واجه صاحبها من أهله جميعاً، وأبيه بصفةٍ خاصة، تعُّنتاً وقسوةً وشدّةً لا تكاد تُصدّق، فما زاده ذلك كلّه إلا إصراراً على الانسياق وراء خفقان قلبه، ومن الذي يستطيع أن يقاوم خفقان قلب محبّ، بل إنّ تعلّق ذلك الشاب بالأمر يزداد شدّة كلّما زادت شدّة أبيه وأهله عليه. وحينما أطلعني على خبيئة نفسه مستشيراً مستعيناً بي -بعد الله- هوّنت عليه الأمر، ووعدته أن أقف في صفه تماماً بشرط أن أعرف تفاصيل دقيقة عن أمره الذي خفق له قلبه، وقلت له: أنت رضيت بي ناصحاً وحكماً، فلابد أن تعدني بالتعاون معي في تنفيذ ما أراه لك بعد معرفتي بالأمر وإلمامي بجوانبه، وكان الاتفاق، وكانت حالة الخفقان عنده تشبه حالة الجنون، وقد عزمت على بذل ما أستطيع لإبلاغه ما يريد إنْ كان ملائماً صالحاً له، وبعد معرفتي بالأمر تبيّن لي صواب ما ذهب إليه أبوه وأهله، ولكنّهم أخطأوا الطريق إلى قلب ابنهم، وظهروا له في صورة الواقفين ضدّه، الحائلين بينه وبين ما يريد، ووقر في ذهنه أنهم لا يريدون سعادته. وحينما فتحت له باب الحوار والمناقشة الهادئة، وخفّفت من حدّة خفقات قلبه بمجاراتي له، واحترامي لكل نبضةٍ من نبضات قلبه، انجلى القتام عن بصره، وبكى بكاءً حاراً، وقال: سيظل قلبي خافقاً، وإن كان عقلي قد حسم الموقف وبيّن لي بمساعدتك حقيقة الأمر. إنّ خفقان القلوب تيّار جارف، وهو تيّار جميل حينما ينطلق في طريقه الصحيح، ماتع كلّ الإمتاع، حتى في عنائه وتعبه، أما إذا كان خفقاناً لما لا يستحق، ولمن لا يستحق، فإنه هنا يحتاج إلى حسن معالجةٍ، ودرايةٍ وهدوء في النصيحة والتوجيه. إشارة شوق المحب وإن يكن مراً ألذُّ من الرحيق شوق المحب إلى أحبته