في أوقات ما.. في اللحظة الأكثر خطورة على العمق، حينما تشعر بأنك عند الحافة في أعلى قمة للضفة وعند الحد الفاصل بين قلبك وعقلك.. تعيش المعاناة التي تتصاعد بحقائقها لترى العالم تحت قدميك ضئيلاً جداً، تحاول أن تدحرج عينيك إلى الأسفل ولكنك في الحقيقة تخشى على قلبك من خطر الوقوع من العلو.. تنظر إلى المسافة التي تفصل بين قدميك المتشبثتين بحدود الضفة.. تخشى أن تقع وبين المسافة المنحدرة إلى الأسفل، بل إلى أعلى نقطة في العمق، إلى أعمق أعمق انحدار في لحظة تشعر بأنها حاسمة بقسوتها في تواريخ قلبك.. حينما يتوسل إليك قلبك ألا تفعلها، ألا تلقي به وتخاطر بعالمك الذي - وحدك فقط - رسمته بداخل مخيلتك.. تجد نفسك بأنك أمام منطقة بخطورة الآلام التي عشتها، بطعم الوجع الليلي الذي التحفت به في شتاء جاء بلهفة وغادر بكل قصصك، مشاعرك، ثقتك وأمانتك المثالية، ومعتقداتك نحو الآخر، بطعم المطر القليل الذي غسلك مع التراب والغبار لتصبح كائناً مختفياً خلف قسوة الصخور وامتداد قشرة الأرض التي تحولت فيها مع مرور الوقت إلى نبته صحراوية متصخرة لا تعرف أن تنبض بالحياة.. فالنبض هناك توقف.. ضئيل جداً بكل ذلك الهوس الذي كان يسكنك، كم كنت تواقاً إليه حتى أنك لم تنظر إلى اتساع خطواتك عبر النفق الذي كنت تسير فيه ولكنه - حقيقة - كان بداخلك فتحايلتا الساقين على حدود الروح لتسرق أشواق الجسد وأحلام الروح. أنظر إلى الحياة بعقلك وعش عاطفتك حين تتذكر من تحب القلب وقرار السقوط في اللحظة الأكثر خطورة.. عند أعلى الضفة التي تفصل بين قلبك وعقلك تنظر كثيراً إلى الأسفل وتتردد كثيراً بأن ترمي بكائنك الصغير الذي كم تعلم جيداً بأنك لا تستطيع العيش دونه.. قلبك الذي لطالما كان طائرك الخفي الذي يحركك، يدفعك نحو أكثر المساحات الخضراء، كم كان وفياً بقدر الوجوه القبيحة التي التقاها وبكل قدر الأيدي العابثة التي حاولت مراراً أن تمتد إلى أخيلته لتعيده إلى الواقع.. بقدر الدنيا التي تهاوت حينما دس البؤس أصبعه في مفرق صدرها لتتهاوى عند منعطف مفهوم العاطفة، ومفهوم الإنسان، ومفهوم الخوف، ومفهوم أن تكون أنت كما أنت دون أن تكون مضطراً لتتخلى عن أحد ما هو أنت أو يشبهك. انسحاق الروح في أكثر المناطق خطورة.. حينما تبقى معلقاً في أعلى الضفة تفتح ذراعيك للسماء.. تغمض عينيك لتستسلم لذاكرة لا تنس أبداً. تفتح رئتيك للسماء تلح كثيراً على أن تدخل إلى روحك فتنقيها من تصدعات الآخر، من جروح غائرة أحدثتها الأيام دون رحمة، ترفرف بذراعيك.. ماذا تحاول أن تفعل؟.. ترغب في الطيران لفرط الانسحاق الذي تشعر به، ترفض أن تصدق أنك هنا.. هنا على حافة الضفة الخطرة لقراراتك التي لم يسبق لك أن انسحقت بها لهذا الفرط، تبقى ترفرف تدعو الله كثيراً أن تطير.. ألا تكون مضطراً لأن تلقي بقلبك في أسفل الضفة، ليرتطم بصخور القسوة والألم.. فيتكسر كما أنكسر الحب، انكسر الوفاء، أنكسر الصدق انكسر الحنين الذي كان يصدر من داخلك.. تصرّ على أن تحرك ذراعيك نحو الأفق، تحاول أن ترتفع بقدميك عالياً، على أن تغمض عينيك وكأنك تقفل جفنيك على شيء مما تبقى بداخلك نحو الآخر الذي كم طال احتباسه بداخلك.. تفتح أصابع يديك تحاول أن تمدها إلى الهواء بعبثية من رغب أن يطال عنق القرار ليخنقه وكأنك تستجدي السماء أن تخطفك إليها.. بدل أن تسرق منك الهاوية قلبك.. قلبك الأبيض سيبقى شاهداً على الحب.. والتضحية التشبث بفكرة غبية! في أكثر المناطق خطورة.. حينما تكون عند أعلى ضفة الخيار الصعب تبقى تتشبث بحدود المكان وترفض أن تخرج عن سطوة المكان، تشم في صراعك رائحة الحرائق التي تفحمت معها لفرط ما تألمت بسببها.. تبقى تتشبث بذات الفكرة التي تدور حول "عاطفة غير عادلة"، وعطاء مبتور ليس له ذنب بأنه ولد بنصف رئة وبأكثر من عينين وبقلب متضخم وعقل متحسس للتفاصيل.. تجرب أن تتحرر من كل ذلك الخوف الذي تشعر به ولكنك تحس بأن مؤامرة تحيك حروبها حول اختياراتك لتعيدك إلى الخلف الذي لم يعد يشبع سوى بتقديراتك الغبية للأمور. رؤية الأشياء كما هي عند أكثر المناطق خطورة في الحياة.. حينما تحاول أن ترى الأشياء بحجمها الحقيقي، حينما تجرب أن تفرك عينيك بيديك لتبصر الحقيقة بشكلها الحقيقي.. حينما تصرّ على أن تكتشف حقيقة ماكنت متحفظ عليه بداخلك لسنوات عدة، حينما ترغب في أن تقرأ السطور بحيادية دون أن تحاول أن تنظر لهوامشها.. فتش عن الإيمان الذي بداخلك ليرشدك إلى الطريق.. إلى الخلاص من قيود الآخرين عليك، عن الأشياء التي كم أتعستك كثيراً، وعن الأناس الذين زاروا حياتنا وسكنوا في أكواخ العمق ولكنهم أبدا لا يشبهوننا، ولا يسمعون الأصوات التي تلامسنا ليلاً حينما يغفوا الظلام وتقفل المدينة عينيها وتجد نفسك محاصراً بداخل حدود بقعة صغيرة تشبه السرير الخشبي الذي يسرقك من فوضى الجسد إلى حرمان بعيد ومتضخم عند سطوة الروح.. خذلان القلب لن يتجاوزه النسيان مهما كان صعباً أكتشف الصورة الحقيقية عند أكثر المناطق خطورة.. حينما تكون عند حافة الهاوية في ضفة الحياة، بين خيار القرار.. بل أكثر القرارات التي تكسرك، أعد تقيم الصورة، أعد تشكيل اللوحة، أضف ألوانك الخاصة، وأملئ فراغات الكلمات التي بقيت لسنوات طويلة مبتورة بالتجربة الطويلة.. بالحدس الذي يسكنك والذي كم أرشدك إلى مايجب أن تفعله.. أعد تقيم الصورة من جديد.. وأنظر ماذا يجب أن تفعله لتعود إلى محطات جديدة تعاود فيها ركوب القطارات التي فاتتك في وقت ما، حينما كنت تتشبث بصحبة الصحراء التي لم تشبعك يوماً، لم ترويك أبداً.. لم ترك سوى جزء من فكرة غبية خاضعة للمنطق، أعد تقييم الآخري، أعد خياراتك نحو الوجوه، علّق منها على الحائط وأخرى دسها في طيات كتاب وشيء منها أحتفظ بها في جيوبك، وامزج بعضها بملامحك ولكن لاتنس أن ترمي بعضها من نافذة الغرفة بعد أن تمزق حكاياتها وأسرارها لتطير في الفضاء.. أشياء لا تستحق السرقة في أكثر المناطق خطورة.. حينما تجد نفسك بأنك عند أعلى الضفة وعند حافة الخيار الصعب.. فكّر كثيراً.. أيهما يستحق أن نعيش به طويلاً؟.. العاطفة التي تحولت إلى طيف يحط على جميع الأغصان حتى اليابسة منها، أما طائر بجناحين أكبر من مسافات الاعتقاد بوجود أن هناك من يستحق أن نسير على الأرض من أجله، رغم أننا نملك جناحين عريضين نستطيع أن نرتفع بهما.. في تلك المنطقة -دائماً دائماً- عاود تقيم الصورة.. أطلب من صفير القلب أن يتوقف وأصغي إلى حدسك بأن هناك شيئاً ما يضعفك كثيراً، يسرقك وهو لا يستحق. لا تعلّق قلبك على خيط الأمل وتتركه ينتظر طول العمر أقفز ولا تخشى السقوط في أعلى الضفة وعند حدود الهاوية.. حينما تقف قدميك مترددة تخشى السقوط، الفقد، الوجع، الحرمان، الشوق وأشياء كثيرة كبرت كثيراً على ترويضها.. أنظر إلى الأمام.. قرّر ألا تنظر إلى الأسفل، قرر أن تتخطى قرارك الصعب في تقييم الأشخاص الذين في حياتك بعدل، بما يستحقون، أرفع قدميك وأقفز.. أقفز جداً.. لتصل إلى الضفة الأخرى.. إلى مكان ما.. تكمن فيه حياة جديدة.. إلى الحياة التي في مكان آخر.. فقد تسقط بفعل القفز على الأرض ولكن عليك أن تتكئ على يديك لتعاود الوقوف وتنفض ثيابك من الغبار وتكمل سير الطريق.. ولا تنس.. قلبك.. لم تختر أن ترميه في أسفل الضفة؟ بل بقي ينتفض ومبتل، متعب ومجروح عند أكمامك.. يوماً ما قد يتعافى ويصبح قادراً على الغناء مع من يشبهه كثيراً.. آمن بذلك.