بداية أشكر جريدة الجزيرة لإتاحة الفرصة للقراء في التعبير عن آرائهم، فأنا من المتابعات لقراءة هذه الصحيفة يومياً، وقد اطلعت على ما نشر في عددها (11965) يوم السبت الموافق 25-5-1426ه ص (35) بعنوان (المراكز الصيفية.. لا جدوى؟!) بقلم محمد أبوحمراء، وقد دفعني للكتابة الحكم الجائر الذي أطلقه كاتب المقال على المراكز الصيفية من بداية المقال وحتى آخر كلمة فيه. وللعلم فإن أطروحتي للدكتوراه التي قدمتها العام الماضي قد تناولت أوقات الفراغ وسبل توظيفها لدى فئة الشباب، كما أني أشغل رئاسة اللجنة النسائية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض منذ عدة سنوات، إضافة إلى انضمام أبنائي والعديد من أقاربي للمراكز الصيفية للعديد من العوام؛ كل ذلك أتاح لي الاطلاع عن كثب على تقرير ولوائح وأنظمة وأنشطة المراكز الصيفية للبنين والبنات، وما حققته وتحققه من إنجازات وأهداف رائعة في بلادنا الغالية. واسمحوا لي أن اعلق على ما ورد في المقال من عبارات الكاتب نفسه: 1 - بدأ المقال بقوله: نسمع كثيرا عن إقامة مركز صيفي في مدرسة كذا الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية) وهذا يدل على أن معلومات الكاتب لم تتعد السماع، فلم يكلف نفسه عناء الاطلاع عليها عن قرب أو على الأقل سؤال مرتادي المراكز الصيفية وهم المستفيديون الحقيقيون منها، أو سؤال أسرهم ليكون الحكم على بصيرة، ثم أليست المدارس هي الأنسب تصميماً وحجماً وشهرة.. الخ لتكون مقرات للمراكز الصيفية، إضافة إلى الاستفادة منها كمنشأة خلال الفترة التي كان من المفترض بقاؤها بدون استغلال وفي هذا توفير كبير للجهة المنظمة لتلك المراكز. 2 - ذكر أن (المراكز الصيفية دوام صيفي ممتد للدوام الدراسي.. يصارع فيه الطلاب الحر من خلاله) وهذا تعميم في غير محله فأغلب المراكز الصيفية إن لم تكن كلها تفتح في الفترة المسائية وتتضمن برامج وأنشطة مختلفة كلياً عما يتم في الدوام المدرسي خلال العام ولها نظام مغاير تماماً وإن كانت تتحد معها في المضامين التربوية. 3 - التشكيك في برامج وأهداف هذه المراكز، وكذلك في نوايا المشرفين المتطوعين وسعيهم وراء المال وذلك بقوله: (ولعله من المفيد والضروري لنا أن نسأل أسئلة تمحص أهداف ونتائج وغايات تلك المراكز.. الخ). 4 - يقول صاحب المقال: (من الذي يشرف على تلك المراكز الصيفية، أي ما مدى صياغة فكرة كفكر أو هل ممارسته قد تم سبر غورها؟) أقول: إذا كان هؤلاء المشرفون من وثقت فيهم واستأمنتهم الدولة وزارة التربية والتعليم وأولياء الأمور على أبنائها طوال عام دراسي؛ فهل هناك مجال للطعن في فكرهم لمجرد تطوعهم بالإشراف على المراكز الصيفية لعدة أسابيع؟ في الوقت الذي يرفع الكثيرون أكفهم بالدعاء لهم على ما يقومون به من مجهود، وتضحية بأوقاتهم وإجازاتهم وراحتهم من أجل أبناء هذا الوطن الغالي لحفظ أوقاتهم بكل ما هو مفيد (حتى لو تقاضى بعضهم أجراً). 5 - السؤال الذي أورده كاتب المقال ونصه (ما الذي يتعلمه الطلبة في تلك المراكز الصيفية كل صيف؟) وأنا أقول للكاتب: هل كلفت نفسك صيفاً واحداً للمشاركة في واحد من هذه المراكز لتتعرف عن كثب على ما يتعلمونه؟ وهل تعمل المراكز الصيفية بسرية لتسأل هذا السؤال؟ 6 - التقليل من شأن العائد على الطلاب بقوله: (بماذا يخرجون من المراكز الصيفية عند انتهائها؟) أقول: عايش الواقع وانظر من حولك لتعرف، فأدنى فائدة يمكن ذكرها تتمثل في حفظ الطلاب من صرف أوقاتهم أمام القنوات الفضائية أو في مقاهي الإنترنت، وفي التسكع في الأسواق، مع صحبة لا يعلم عنها الوالدان شيئاً، غير تنظيم أوقاتهم في حين نجد غيرهم يقضي نهاره في النوم وليله في السهر. 7 - كاتب المقال لم يذكر ولا إيجابية واحدة للمراكز الصيفية، ونقده كان سلبياً، أيعقل ألا تكون للمراكز الصيفية ولا إيجابية واحدة في الوقت الذي نلمس فيه تزايد أعدادها وتزايد روادها..!! وحتى يخرج الكاتب نفسه من الحرج قال: (لا نقول إنها كلها سيئة أو إنها كلها حسنة، بل نحكم على النتائج فقط، والنتائج من تلك المراكز نعرفها جيدا ومسبقاً، وهو شغل وقت الطلاب في الصيف فقط، أما النتائج العلمية والفكرية فعلمها عند الله) وبقوله هذا يحاول إخراج نفسه من المطب ليوقعها في دحديرة، حيث يعود ثانية ليشكك في نتائج المراكز الصيفية العلمية والفكرية. 8 - إذا كانت المراكز الصيفية تبذير للثروة وتضييع لوقت الأسرة - من وجهة نظر كاتب المقال - فما هي البدائل المناسبة التي يقترحها؟! 9 - قال كاتب المقال إن المراكز الصيفية: (تسير في غالبها بلا خطط مرسومة أبدا، لأنها تسمى من نوع النشاط الحر وهو اسم مشتق من الحر الجاف في الصيف، ربما، الخ..) وأنا أقول هذه مغالطة كبيرة فيبدو أن الكاتب لا يعرف معنى (النشاط الحر)، كما أن النجاحات المتكررة لكثير من المراكز الصيفية والإقبال المتزايد من قبل الطلاب أنفسهم وأولياء أمورهم لم يكن صدفة، أو نتيجة برامج عشوائية، وهذا معلوم لكل مخطط ولكل تربوي عايش العملية التعليمية والتربوية، والمراكز الصيفية جزء منها. 10 - الكاتب يزيد إصرارا على موقفه لآخر فقرة، حيث ختم المقال بقوله: (لا أثق في جدوى المراكز الصيفية التي نسمع المنادين بها كثر عند بداية العطلة الصيفية، وهم المنافحون عنها في كل الأوقات، وهم الذين لا يريدون أن تنقطع، فهل هناك ما يغري بأن تقام تلك المراكز وأن يصرف عليها الكثير من المال مقابل نشاط حر؟ في ظني أن لا جدوى.. وليغضب المستفيدون!!) 11 - لقد جنيت كثيراً أيها الكاتب على المراكز الصيفية، وهي التي تمتص طاقات الشباب وتفرغها في رياضة بدنية، أو رحلة برية، أو مسابقة فكرية، أو عمل فني، أو عمل تطوعي، وتنمي هواياتهم وتطور وتصقل شخصياتهم. إني أدعو كاتب المقال أن يلحق أبناءه - إن كان لديه أبناء - لمركز من تلك المراكز ليلمس بنفسه جدوى تلك المراكز. 12 - كأي عمل إنساني يعتريه النقص أو الضعف، فالمراكز الصيفية لا تخلو من السلبيات، ولكن لا يمكن بحال من الاحوال جحد ما يقابلها من الإيجاييات العديدة، فإذا كان التعليم في بلادنا على سبيل المثال له بعض السلبيات البسيطة فهل يعني هذا إغلاق مدارسنا ومعاهد تعليمنا. بكل ما تحمله من كم هائل من الإيجابيات؟ إن الحل يكون في مناقشة العيوب، واقتراح الحلول والمساهمة في حلها ما أمكن، وعدم التعميم، والتقليل من الإنجازات الجبارة. 13 - ليعلم الكاتب الفاضل أن أكثر الدول تقدماً تحرص على فتح النوادي والمراكز الصيفية للناشئين والشباب من الجنسين، ولديها المئات بل الآلاف منها كبريطانيا واليابان على سبيل المثال، لإدراكها أنها الحل الأمثل لاستثمار أوقات الفراغ إذا ما أحسن اختيار برامجها وإدارتها. 14 - وقبل الختام أوجه دعوتي للجهات الحكومية والأهلية، الرسمية وغير الرسمية لخدمة هذا الوطن المعطاء وحفظ أبنائه، بالمساهمة في إنشاء ودعم وتطوير المراكز الصيفية، دعماً معنوياً ومادياً. 15 - ختاماً، أنوه بالجهود الجبارة التي تقوم بها الدولة - حرسها الله - والقائمون على الأنشطة الطلابية والمراكز الصيفية، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يثيبهم على جهودهم التي يبذلونها من أجل خدمة بلادنا الغالية وفلذات أكبادنا. د. منيرة بنت عبد الله القاسم أستاذ مساعد بقسم التربية وعلم النفس بكليات البنات - رئيسة اللجنة النسائية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي - الرياض