الصدق، الأمانة، الوفاء، البر، صلة الرحم، الإيثار، التكافل، كلها وغيرها عناوين جميلة ومشرقة تثير البهجة والانشراح في النفس الإنسانية السوية، وهي بحق تعد سمة من سمات المجتمع المتماسك القوي، كل حضارة وشعب يسعى للتمسك بها وغرسها في بنيه وأجياله، فهي عنوان التحضر والتعاون البناء، فما بالك بالمجتمع المسلم الذي من صميم تكوينه وأسس بنائه غرس هذه المبادئ وتكريس التحلي بها مع النفس ومع الآخرين كممارسة يومية تلقائية تعبدية. ولكن الناظر لمجتمعاتنا اليوم والمتفحص في أحوالها في ظل سيادة الحياة المادية الترفية والركض المسعور وراءها بنهم وشراهة غير محسوبة، يتبادر لديه سؤال ملح وجوهري هو: ما مدى تمسك مجتمعاتنا بهذه المبادئ ومقدار منزلتها لديه وحسابها في سلم أولوياته؟.. إن المدنية الحديثة وطوفان نمطية الحياة الرأسمالية المعاصرة أحدثت خللاً وتفككاً في النظرة لقيمة هذه المبادئ والمثل الحالمة أو الساذجة، التي تجاوزها الزمن، باعتبار المنفعة والمصالح المتبادلة هي المعيار الحقيقي في العلاقات الاجتماعية الحديثة، وهذا الوضع من التردي والانحدار في المفاهيم نذير شؤم وشر بما قد ينتج عنه من نسف للمسلمات القيمية لهذه المبادئ كعنصر أساسي لحياتنا الاجتماعية في سياقاتها ونسيجها المترابط، الكثير منا يلمس ويشكو من هذا الجدب والجفاف في العلاقات الاجتماعية حتى مع أعز أقاربه وصحبه إضافة إلى سيطرة العلاقات المادية البحتة بين الناس وتفشي أساليب وسلوكيات رائدها التحايل والخداع والغش لم تكن معهودة من قبل، مما ينذر بعواقب وخيمة على تماسك بنانا الأسرية والاجتماعية، إن الراصد لهذه الظاهرة يجد أنها في تزايد مطرد فقد انغمس الناس في وحل الحياة المادية البائسة على حساب التخلي عن المبادئ النبيلة وهذا ناتج في رأيي عن خلل في المنهج التربوي على كافة المستويات ابتداء من الأسرة والمدرسة والمسجد وانتهاء بباقي مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، ولن يصلح الوضع بمجرد خطب ومواعظ فحسب رغم فائدتها مالم تتضافر الجهود لترسيخ المنهج القويم في جميع مؤسساتنا التربوية والعملية بل في كافة أرجاء المجتمع ومناشطة من أجل إحداث ثورة سلوكية صحوية توقف هذا الإنجراف المتسارع نحو الحياة المادية الخالية من كل بعد أخلاقي وروحي متمكن، ومحور هذا كله هو أن نغرس في النفوس البعد التعبدي والانطباع السلوكي بفرضية ووجوب التحلي بهذه المبادئ حتى تكون سلوكاً عاماً يعد من يخالفه شاذاً عن القاعدة يواجه بالإزدراء والاستهجان كرادع أولي يشكل مع غيره ضابطاً اجتماعياً يقي المجتمع من تفشي مثل هذه السلوكيات السلبية المقيتة ويعزز فيه بالمقابل تلك القيم والمبادئ السوية التي تجعل مجتمعاتنا تنعم بالتعاون على البر والتقوى في بوتقة تنموية رائدة ومتماسكة فلتعلوا الهمم ولتتضافر الجهود الخيرة للحفاظ على البقية الباقية من هذه المبادئ الإسلامية الثمينة وتقويتها ونشرها ومكافحة السلوكيات السلبية وتضييق نطاقها.. والله الموفق. ص.ب: 31886 الرياض 11418 فاكس: 4272675