كنت أتابع ما كتبه د. محمد بن سعد الشويعر في صحيفة (الجزيرة)، خاصة ما جاء في العددين 11845، 11852 عن تعمير المدن عند المؤرخ إبراهيم بن عيسى حسب ما جاء في مخطوطاته التاريخية. ولأني من المهتمين كثيراً بالتاريخ، خاصة تاريخ بلدي فقد صوبت ما أورده ابن عيسى عن تاريخ المجمعة لأن ابن عيسى موثوق في كل ما ينقل عنه في هذا المجال خاصة في معرفة الأنساب والمواريث. كما أن إبراهيم بن عيسى ومن أمانته العلمية وتوثيقه كما ذكر الدكتور الشويعر في الحلقة الأولى قد قال: وما أذكره في هذه النبذة فإني لم أذكره إلا بعد الخبر والتحقيق والبحث والتدقيق في التواريخ المذكورة وغيرها ولم أذكر في هذه النبذة إلا ولي فيه مستند والعهدة على ما ذكرت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب (انتهى كلام ابن عيسى). وفي العدد 11895 كتب الأستاذ حمود المزيني ملاحظات على هذين الموضوعين يقول فيهما: إن له بعض الوقفات وتدارك بعض الأخطاء التاريخية والتحقق من بعض الروايات وعدم أخذها على علتها. وقبل أن أشارك في النقاش حول ملاحظاته كتب الأستاذ عبدالله بن حمد بن محمد آل عسكر مقالاً ضافياً معقباً على الأستاذ المزيني بعنوان: (أردت أن تصحح الخطأ فوقعت فيه) مفنداً أخطاء الأستاذ المزيني بالبراهين وبأن ما أراده الأستاذ المزيني خطأ، إنما هو صحيح، وما أراده صحيحاً فهو الخطأ، مناقشاً ذلك بالمصادر والوقائع. كما جاء في تعقيب الأستاذ العسكر عدة أخطاء على الأستاذ المزيني حيث رد عليها واحداً واحداً، وخشية الإطالة على القارئ لم أذكرها، وهي في تعقيب الأستاذ العسكر مبسوطة أمام القارئ، ومن ذلك كتاب (الإفادات) الذي اعتمد عليه الأخ المزيني، وقد خطأ الأخ العسكر مؤلفه في أكثر من حالة بهذا التعقيب ومن ذلك قوله عنه: (سبق أن تعرضت لمحاولة تخطئة من قبل مؤلف كتاب الإفادات بدافع من العصبية العمياء منه، وعليه سار متابعو منهجه المتغافل للحقيقة إلى آخر ما ذكر الأستاذ العسكر). وأزيد على ما تعرض له الأستاذ العسكر بأن الأستاذ المزيني ينتقد الشيخ ابن عيسى في تاريخه هذا بأمور منها: 1- أنه نقل جل تاريخ محمد الفاخري ولم يشر إليه، ونحن نسأله قبل أن ينتقد هل قرأ مخطوطات ابن عيسى التي لم تطبع بعد حتى يطبق بين التاريخين؟ أم هو تقليد لمن يقول فقال مثلهم؟.. نحن نطالبه بالمقارنة لأن من قال شيئاً عليه الإثبات. وصحيح أن العلماء قديماً وحديثاً يستفيد بعضهم من بعض لكن كلمته بالنقل توجب عليه إيراد مقارنة يقتنع بها القارئ، أما الأحداث والمعاني فقديماً يقول العلماء إنها مطروحة في الطريق، كل يأخذ منها وليست وقفاً على أحد، ومادام (ابن عيسى) رحمه الله ذكر أسماء المؤرخين، فقد أفاد منهم لكنهم يختلفون عن أسلوب النقل المعروف بهذا الزمان الذي كثرت فيه السرقات العلمية والأدبية، وابن الأثير في كتابه (المثل السائر) جعل ما أشار إليه المزيني بالنقل ثلاث حالات مسخ وسلخ ونسخ، وابن عيسى لم يأت بشيء من هذه الحالات وعلى المزيني إما التراجع أو الإثبات. 2- قال الأخ المزيني: إن الواقع أن الشيخ إبراهيم بن عيسى قد ذكر في مقدمته أنه رجع إلى هؤلاء الذين أشار إليهم د. الشويعر ما عدا محمد بن يوسف صحة اسمه إبراهيم وقد توفي في دمشق في (ظروف غامضة) - لا كما ذكر محمد.. فأي مقدمه يعني الأستاذ المزيني؟ لعله يعني عقد الدرر المطبوع أو النبذة التاريخية ونقول له: إن الدكتور الشويعر كما جاء في مقاله يتحدث عن مخطوطاته التي لم تطبع وهذا فيه مغالطة، إذ لا يصح رأيه هذا لأن إبراهيم بن يوسف من أشيقر، وإبراهيم بن عيسى عاش في أشيقر لأن والدته من أسرة الفرحة بأشيقر ووالده مات بأشيقر، فكيف لا يعرف شيئاً من تاريخ ابن يوسف، إن مقالته هذه بغير علم ولعله لا يفرق بين المخطوط والمطبوع. 3- أما اعتراضه على ما جاء في عالم الجن فإن جهل الإنسان بالأشياء لا ينفيها، وليس العقل مقياساً في الأمور التي فوق إدراك الإنسان وحواسه واعتباره ما حصل في عهد عمر بن الخطاب من قصة الرجل الذي استطير به واعتبار ذلك خزعبلات، فإن هذه الرواية عن القاضي عبدالرحمن بن أبي ليلى وهو من أوثق القضاة، ووردت في كنز العمال ويستدل بها الفقهاء في المدة التي يباح للمرأة أن تزوج إذا فقد زوجها، وليته قبل أن يطلق كلمة الخزعبلات على مثل هذه الأشياء بحث السند ودقق في رجاله بالمصادر المعتبرة والمعتمدة وعدم إطلاق الحكم جزافاً بالقول بغير علم، لأن الهدم أسرع من البناء، ثم إن الدليل (شطحاته) أنه اعتبر عمرو بن معد كرب قتل الجني بسيفه وهذا خطأ شنيع، فكل القراء يعلمون من سياق الحكاية أن المقتول أنسي فكيف جعله الأستاذ المزيني جنياً؟ وهذا من قلب الحقائق. 4- أما عن الشعر والشعراء وما يسميه العرب شيئاً من الشعر فهذا معروف عند العرب قبل الإسلام وقد ألف في هذا كتب، ودليله من القرآن الكريم: (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا) ويجد فيما قاله المفسرون الكفاية.. كما نرجو منه أن يطلع على آخر سورة الشعراء وما ذكره الله عن الشعراء وعرفه العلماء في التحذير من الشعر وذمه، وما جاء في كتب الحديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لأن يمتلئ فم أحدكم وفي رواية جوف أحدكم قيحاً خير من أن يمتلئ شعراً). والذم في الضار منه والكذب لا في النافع المكافح عن الإسلام، حيث كان شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة عبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت ينافحون عن الدعوة ولا يقولون إلا صدقاً، حتى إنه قال لحسان بن ثابت اهجهم يعني قريش وروح القدس تؤيدك، فهل هذا الحديث يشمل كل الشعراء الذين ذمهم الله في القرآن الكريم؟ أم هو خاص لحسان ومن نحا منهجه بالصدق؟ حتى يعلم ذلك الأستاذ المزيني. إذ كعب بن زهير لما جاء معتذراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أهدر دمه، ومدحه بقصيدة بدأها بالغزل، فلما قال: (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) أوقفه رسول الله قائلاً: ومن سعاد؟ فقال: زوجتي، فأقره ومضى في قصيدته وهذا منهج الإسلام المخالف لما كان عليه شعراء الجاهلية. والموضوع يطول لو استرسلنا فيه، جعل الله الحكمة وقول الحق رائدنا، وأرشدنا لما فيه الخير والصلاح. معاذ بن محمد الجعوان