لا أكاد أميِّز فروقا بينها,,، أتملاها كثيرا، أحاول أن أنقب في خباياها الصغيرة، تماماً كما يفعل الباحث في التربة عن مؤشر يقوده إلى ما يميزها,, لكنني لا أجد، أعود دوماً بخيبة,. جلست على شاطئ الخليج لحظات,. تذكرت بحة السياب: خليج يا خليج ,. يا واهب المحار,, والصدى ,,. و,,, تذكرتكِ وأنتِ ترددين معه: عيناكِ غابتا نخيل ساعة السحر,. أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر,,, والسياب الذي رأى في اسوداد عينيها السحر,,، ورحيل القمر,,، وجد ما يشبهها,, لكنني لم أجد مَن ولا ما يشبهكِ,, لا غابات النخيل,, ولا غموض السحر، ولا حلكة الليالي اللا قمرية,. كأنكِ من كل القلوب مصاغة,, لأنني,, أراكِ في كل الأوجه,, والناس عندي كلهم وجهكِ,, ولكن,, هل كلهم قلبكِ؟!,. لو تدرين كيف أكون عندما أكون في ثلة من الآخرين؟!,,, كثُرت أو منهم القليل باحثة لا تهدأ ,. حتى خُيِّل إليَّ أن منهم من سيوقفني كما يفعل من يخفر اللصوص، يسائلني كما يفعل هذا! عما تبحثين؟!,,، ولا أحسب أحدا سيرتاب في أمري، ذلك لأنني تعودت أن أبحث بحسي,, والإحساس بوصلة المحبين,,، ولأنني أحبكِ، فإنني أبحث فيكِ,. في كل وجه أراكِ فيه أبحث عن خصوصية صاحبه,. ولأنكِ حلوة ,. فالناس كلهم ,, كذلك عندي,. أصدقكِ القول: إنني قد صغَّرت العالم كلَّه، واختصرت الناس كلهم,, ووجدتكِ أنتِ فقط كل العالم، وكل الناس,. فكيف أبحث بعد ذلك عن تمايز بينهم,,؟! يا كل الناس أنتِ,. جلست للحظات أرسل إلى الخليج بحديثي,,، طلبته أن يجمع لي محاراته كلَّها، ولآلئه كلَّها وأن يقدم لي من فوق صفحة مائه المنساب كل الذي كتب عليها منذ استوى في هيكله، وجرى في مداه، وأفاض في صمته، وهيجانه منذ أمد أو جزر,, بكل صوت سمعه، وبكل همس تلقاه، وبكل بحة دمعة ساقطتها عينان,,، كي أحوكَ لك قصيدة طويلة,. أسائلكِ فيها متى صافحت يمينُكِ قطراته، وكوَّنت نداه، وكانت في تلك تلامس صداه في عنفوان مشاعره، وصداه في كل حالاتها,,؟ ومتى استقرت فوق خطوط كفكِ قوافل الماضين عبره إلى مدن أحلامهم، أو خبايا أسرارهم؟,, ومتى جئت إليه فكنتِهِ، وأخذتِ منه فكانكِ؟ ذلك لأنني اللحظة وأنا أتحدث معه، وأحادث قطراته التي تجمعت، والتحمت، وسرت في امتداد لا نهائي أمام عيني، قد ذكرني بأنه يشم رائحتكِ العطرية الفريدة، ويراكِ فيَّ,, تماما كما أراكِ في كل الأوجه والتفاصيل؟ قولي لي بربكِ: كيف هي هيمنتكِ على كل شيء فيَّ بمثل ما قبضتِ الكون في اختصار، وكنتِهِ في مداه وزمانه؟!، وشكلتِ فيه لونكِ، ورائحتكِ، وتقاطيعكِ؟!,,, ترى أيمكنني أن أكتبكِ قصيدة تضاهي كل القصائد وتختصرها؟,,، وأن أرسلكِ إلى صفحة الخليج في امتدادها كي تذوب فيكِ كل القصائد، وصدى الأصوات، وبحَّات الدموع، وشهقات الفرح، وأنين الحزن، وبهجة المفاجآت، وبروق الآلئ ، وحداء البحَّارين، وصدى المراكب، وهي تتحرك من فوق الشاطئ وتبحر في مداه؟,. كيف قدرتِ أن تكوني المركبة والبوصلة والقبطان معا؟,. وكيف حَوَّلتِ أوجه الناس، والأشياء كلها إلى أن تكون أنتِ وتبحرين بي إليكِ في رحلة مكوكية تبدأ منكِ وتنتهي إليكِ، وتكونينها ولا أجد نفسي إلا أنتِ في حالات غيابكِ حضوركِ,. وفي حالات حضوركِ وغيابكِ وبينهما،، وفيهما أكون أنتِ,, البوصلة والقبطان والمركبة؟ ويكون الناس كلهم أنتِ؟ ويكون العالم كله أنتِ,. فلا أخرج إليكِ إلا منكِ,. ولا أكون إلا أنتِ؟!,. فهلَّا أدركتِ حضوركِ الذي يتمادى,, ومدى البحور والخلجان والأنهار منكِ,,؟! وصدى الأصوات كلها منكِ,. وألوان الجمال والضياء والبهاء أنتِ,. وصمت العمق، وعمق الكمون أنتِ,. ولآلئ المحارات هي مسحة النظرة ترسلينها إلى فسحات المدى المائي كي تكوني جزءاً من قلوب كل كامن خفي؟ فمتى تكونين القلوب كلَّها؟ إذا كنتِ من كل القلوب مصاغة؟,. ومتى يكون الناس كلهم,, قلبكِ الشفيف المضيء مستودع النور، وخزينة النقاء، وبوتقة العطاء؟,. يا كل الناس أنتِ,. وكل المدى. أحب الكون كله لأنه أنتِ بمن فيه يا أنتِ.