لماذا تتمكن العداوة من قلوب بعض الناس؟ ولماذا تترك هذه العداوة البغيضة لتتأصل وتهدد العلاقات الإنسانية القائمة على الحب والاحترام المتبادل بين الزملاء والأصدقاء والأهل والمعارف، وحتى مع الغرباء الذين لم يصدر عنهم ما يسبب عداوتهم. إن أخطر ما تفعله العداوة المتأصلة في قلوب البعض أنها تعمي أعينهم عن الحقائق، وتشعل في نفوسهم وصدورهم نيران الحقد والحسد ليس تجاه من يعادونه فقط، بل وربما تجاه كل الناس حتى أقرب الناس إليهم، وعدو الناس لا يكتفي في غالبية الأحيان بعداء المشاعر، فنجده لا يكتفي بما يضمره في جوفه من عداوات تجاه شخص أو أشخاص بعينهم، بل ينعكس ذلك على سلوكه وتصرفاته، فلا يتورع عن سباب إخوانه أو زملائه أو رؤسائه في العمل، بل وربما جيرانه، والمارة في الشوارع لمجرد خلاف بسيط عابر أو خطأ غير مقصود، وربما تمكنت منه العداوة فدفعته إلى تعمد الإضرار بغيره، وتحين الفرصة للنيل ممن اعتبرهم أعداءه، وربما اضطر للتظاهر بالمودة في انتظار هذه الفرصة لذا يصدق القول بأن العداوة هي رأس النفاق. وعندما تقترن العداوة المتأصلة في هذه القلوب المريضة بسلوك المنافقين، فإن الخطر يكون أعظم والضرر أشد، وينذر بعواقب وخيمة تحرق عدو الناس قبل أن تمتد إلى غيره، هذا بخلاف العقاب الإلهي لمن تغلغلت عداوة الناس في قلبه وقادته أحقاده إلى سبابهم أو أي شكل من أشكال الإضرار بهم، وهذا العقاب هو ذاته عقاب الفاسقين والمشركين والكفار، مصداقاً للحديث الشريف: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر). ومما يؤسف له أن كثيراً من الذين يتركون أنفسهم نهباً لآفة العداوة، لم يتنبهوا إلى أن شرارتها الأولى اندلعت لسبب قد يكون تافهاً، وكان من السهل جداً إطفاؤها لو أنهم تدبروا لبرهة في حق المسلم على أخيه المسلم، ووعوا قيم الشريعة الغراء الداعية إلى التواد والتراحم والإخاء، والتآلف والتعاون، ولو أنهم تدبروا في هذه القيم والمعاني لأنقذوا أنفسهم من الكراهية التي يكتسبونها بفعل ما أصابهم من عداوة للناس ولأنقذوا غيرهم من خطر الاكتواء بنار هذه العداوة. ولأن الإسلام بشريعته الشاملة الكاملة يستوعب كل أمراض النفس البشرية، لم يكتف في نصوصه من القرآن الكريم والسنّة بالتحذير من داء العداوة، مضرة على الفرد والأمة، بل طرح أيضاً العلاج لهذا الداء، ومنح الفرد الذي يبتلى به فرصة الشفاء، وهل هناك علاج أفضل مما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ....}(159) سورة آل عمران، فمن اتصف بصفة الحلم ملك قلوب الناس وانقادوا له، وأمن على نفسه من شرورهم. إن شجرة العداوة بما تأصلت جذورها تبقى ضعيفة يمكن اقتلاعها والتخلص من خبثها، متى أردنا ذلك علينا جميعاً أن ننظر في دواخلنا وننزع بذرة للعداوة قد تنمو، وتقوى لو غفلنا عنها قبل أن نصبح أعداء لأنفسنا فعداوة الناس مآلها الخسران في الدنيا والآخرة.