تجاوبا مع ما نشر في سلسلة مقالات (طفولة بلا عنف) فقد تلقيت خطاباً من الأستاذ عبدالرحمن الصبيحي المشرف التربوي باللجنة الوطنية السعودية للطفولة، وفيه أوضح أن اللجنة تتبع وزارة التربية والتعليم ومقرها نفس الوزارة، وأن رئيس اللجنة وزير التربية والتعليم، والأمين العام للجنة الدكتور إبراهيم الشدي وكيل الوزارة للشؤون الثقافية، كما بيَّن الأستاذ الصبيحي أنه قد تغيَّر اسم اللجنة قليلاً فأصبحت: (اللجنة الوطنية السعودية للطفولة) حيث حذفت كلمة (رعاية)!! وحيث إن شأن الطفولة يشغلني كثيراً، بحكم المشاعر والوظيفة، لذا أشكر المشرف التربوي باللجنة، وكنت أتمنى أن تتحول اللجنة إلى (إدارة عامة للطفولة) ولها فروع متفرقة في مناطق المملكة، ويكون اهتمامها بالجانب الوقائي والتثقيفي سيما في المجال المدرسي. وأجدها فرصة مناسبة للمشاركة في مجال (رعاية وحماية) الطفولة وذلك بعرض الأساليب التربوية الخاطئة التي ننتهجها في تعاملنا مع أطفالنا، وقد تدخل في مفردات العنف.. وسنعرج على السبل الجادة والكفيلة بمقاومة العنف ضد الأطفال.. وصولاً إلى ما ينبغي أن تكون عليه التربية في وقتنا الحاضر. مما لا شك فيه أن الشخصية السوية هي نتاج الأسرة المستقرة، ولنجاح هذا الأمر فإنه لا بد من الحرص على التربية السليمة والصحيحة، وكذلك تعزيز دور الأسرة الإيجابي وإعادة النظر في دورها التربوي بعدم التركيز على الأكل والترفيه فحسب! بل والاهتمام بالأمور التربوية الأخرى، وعدم فرض التسلط والسيطرة، الذي من شأنه أن يجعل الطفل ينشأ ولديه ميل شديد للخضوع والتبعية للآخرين، فلا يستطيع أن يبدع أو يفكر! كما يفقده القدرة على إبداء الرأي والمناقشة! ونهج هذا الأسلوب السلبي يساهم في تكوين شخصية قلقة خائفة تتسم بالخجل والحساسية، وتفقد الطفل الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وشعور دائم بالتقصير وعدم الإنجاز، وقد ينتج عن اتباع هذا الأسلوب فرد عدواني يخرب ويكسر، لأن الطفل في صغره لم يشبع حاجته للحرية!!كما أن الحماية والحرص الزائد للطفل بسبب خوف الوالدين الطبيعي عليه سيما حين يكون الطفل الأول أو الوحيد أو ولد وسط عديد من البنات فيبالغان في تدليله فلا تتاح له فرصة اتخاذ قراره بنفسه أو حرية التصرف في أموره أو يقومان نيابة عنه بالمسؤوليات الشخصية التي يفترض أن يقوم بها وحده!! كحل الواجبات المدرسية أو الدفاع عن نفسه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال.. كل ذلك بلا شك يؤثر سلباً على شخصيته فينمو الطفل ضعيفاً غير مستقل يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية ولا يستطيع تحمل المسؤولية أو يرفضها! إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتكرر الإحباطات النفسية وتكون حساسيته للنقد مرتفعة.. والطفل الذي تربى على هذا الأسلوب لا يثق في قراراته التي يصدرها مستقبلاً ويتبع الآخرين في قراراتهم ويعتمد عليهم في قضاء متطلباته.. وهذا يفسر لنا رغبة بعض الأطفال أن يذهب معه أبوه أو أمه للمدرسة وتستمر تلك الرغبة حتى مرحلة متقدمة من العمر يفترض أن يعتمد فيها على نفسه ويصعب تكيفه بسبب حرمانه من إشباع حاجته للاستقلال في طفولته. وترك الطفل وإهماله دون تشجيع على سلوك إيجابي أو التهاون في محاسبته على قيامه بسلوك سلبي، يعد من الأساليب السلبية التي ينتهجها الوالدان أو أحدهما بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر، ويحدث ذلك حين يكون معظم وقت الأب في العمل، وحين يعود ظهراً أو عصراً ينام ثم يخرج ولا يأتي إلا بعد أن ينام الأولاد!! أما الأم فتنشغل بالعمل الوظيفي أو المنزلي أو بكثرة الزيارات والحفلات أو في الهاتف أو الإنترنت أو التلفزيون وتهمل أبناءها، وعندما تهمل الأم تلبية حاجات الطفل من طعام وشراب وملبس وغيرها من الصور.. يفسر الطفل ذلك كنوع من النبذ والكراهية والإهمال فتنعكس بآثارها سلباً على نموه النفسي.. وعندما يكبر هذا الطفل تكون شخصيته انسحابية منطوية غير واثق من نفسه يوجه عدوانه لذاته ولا يشعر بالأمان ويتوقع أن الأنظار موجهة إليه فيخاف كثيراً ولا يحب ذاته ويزدري نفسه ويمتدح الآخرين ويفتخر بهم وبإنجازاتهم وقدراتهم. وحين يطالب الطفل بحقه في الاهتمام يقابل بالسخرية والتحقير والتقليل من شأنه والبحث عن أخطائه ونقد سلوكه مما يفقده ثقته بنفسه فيكون متردداً عند القيام بأي عمل خوفاً من حرمانه من رضا الكبار وحبهم.. فحين يقدم الطفل للأم عملاً قد أنجزه وسعد به تجدها تحطمه وتنهره وتسخر من عمله وتطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور التافهة، كذلك الحال عندما يحصل الطفل على درجة مرتفعة في إحدى المواد الدراسية لا يكافأ مادياً أو معنوياً وإن حصل على درجة منخفضة يوبخ ويسخر منه، ويحرم من حاجته إلى الإحساس بقيمة وأهمية النجاح فيعمد إلى الإهمال ومع التكرار يفقد الطفل مكانته في الأسرة ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لهم.ولكي لا أثقل على القارئ الكريم، سنتابع مناقشة ما تبقى من الأساليب التربوية الخاطئة التي ننتهجها في تعاملنا مع أطفالنا في المقال القادم بإذن الله. ص.ب 260564 الرياض 11342