لكِ وحدكِ أنتِ... رسالتي إليك يا جدتي نورة بنت حمد الحميدان صغيرة أنا كانت أمي تحملني إليكِ... ضعيفة أنا كانت أمي تأخذني إليكِ.. تضعني في طرف السرير تخاف إزعاجكِ فتمدين يدكِ أنتِ لتلفيها حولي وتدنيني قربكِ.. أتذكر حينها دفئكِ.. أتذكر حينها طعم الحليب في (رضّاعتي) مرتبط بك.. كنتِ حينها عالمي.. ملامحك هي الحياة.. وجسدك هو حدود عالمي.. عيناك مغمضة أناجيها طوال الصبح وأنتظرها تشرق في وجهي الصغير ليطمئن وأبدأ يومي بكِ، صوت أنفاسكِ الدافئة ما زال يسكن ذاكرتي مثلما داعبني وأنا أنتظر أن تنهضي.. يداك يا أمي.. هي مدفأتي الصغيرة أمسك بها.. وأتأملها تجاعيد كانت تملأها ولكنها كانت قوية تحميني.. تطعمني.. أتذكرين يا أمي.. أول عبارة تنطقين بها عندما تتذوقين طعامك ما هي.. فلتأخذوا منه القليل لابنتي.. ولتأخذوا منه القليل لحفيدتي.. فيبقى منه أقل القليل فتهنئي.. علمتني... دروسي الأولى في الأعداد كانت أصابعك.. فتفخرين بي وأنتِ التي علمتني.. قصصك حبيبتي.. يحملني الحنين إليها كلما تذكرت متعتي في الاستماع لك.. يشدني أسلوبك.. اهتمامك بي.. وكأنك تحكينها لأهم مخلوق على وجه الأرض.. تتأملين ملامحي.. وتسعدين لفرحتي.. ذكية أنتِ.. تختلقين أحداثاً جديدة في كل مرة تروين فيها حكايتي.. إن لمحت في عيني استمتاعاً توسعتِ وأدهشتني.. وإن لمحت في عيني اقتناعاً وإشباعاً أنهيتٍ قصتي.. أتذكرين يا أمي.. عندما تعدين طعامك وطعامنا بيديك أدور حولك وأزعجكِ.. كنت تعطيني قطعة من عجينتك وتهمسين لي أن أفعل مثلكِ.. لم تهزئي بي يوماً كان يعجبك ما صنعت وتشجعيني وتسعدين.. وأعود وأكرر نفس العمل وتعودين لتشجعيني، لا تملين أبداً ولا تضجرين.. عباراتك أمي أتذكرها جيداً (لا تطيحين.. أكلتِ.. ذاكرتي.. وختاماً في آمان الله يا بنيتي..) محورها دوماً أنا وصحتي.. كانت أول مرة أفتقدك بها عندما ذهبت لمدرستي... كنت أبكى وأريد حضنكِ.. ولكن كنتِ دوماً تشجعيني... في كل مرة أخبرك فيها بأني نجحت أرى دموعك تسابق كلماتك لتعبر عن فرحتك بي.. كنت تدهشيني يا أمي عندما تجعليني أحس بأهمية كل مراحل دراستي.. قد لا أجد تبريراً لبكاك في كل مرة غير أن قلبك الكبير كان دوماً يحب الخير لي.. كبرت يا أمي.. وكبرتِ معي.. كنت أتأملك دائماً مثلما كنت أفعل وأنا صغيرة.. أحاول أن أفهم ما يدور في داخلك.. أحاول أن أفعل ما يسعدك.. ولكني أظن أنني لم أستطع.. من أول راتب كانت هديتك وسادة تضعين عليها قدماك وخططت عليها بيت شعر.. (لو تظن أغليت مثلك بها الكون بأجمع الناس تحت رجلك وأقول هذا غلاهم).. كنت أحاول عبثاً أن أبوح لك بعمق محبتي لكِ.. وربما لم تدركي.. شاء الله أن تمرضي.. فوقفت مكتوفة الأيدي أتأملك.. وأتأمل عيناك أبحث فيهما عن ذكريات طفولتي معك.. وأشكرك يا أمي!! أشكرك!! رباه ما أتفه كلمه شكر على كل ما فعلتيه لي ولأخوتي.. حاولت يا أمي أن أتقمص دورك وفعلتها مرة.. سهرت بجانبك وأنت مريضة أحاول أن أقلدك ولم تشعري بي وربما شعرتِ ولم تريدي أن تخبري.. كنت طوال الليل أخبرك كم أحبكِ وأبوح لك بأسراري وأمسك بيدك التي ما زالت هي مدفأتي.. إلا أنك وفي أعمق لحظات ضعفك الجسدي كنت مستمرة في تعليمي عندما أسألك (كيف حالك يمه) فتردين قائلة: (طيبة والحمد لله) علمتني أن أحمد الله على كل حال وأن لا أتجزع أبداً مثلما علمتني دوماً.. أرأيت كم أنتِ رائعة يا حبيبتي.. سبعة أيام كنتِ تعانين فيها أشد أنواع الألم قبل أن ترحلي، كنتُ حينها لا أغفل عن الدعاء لك.. أحسست بالعجز خلالها.. كنت وقتها أتمنى لو أقطع من جسدي ولا أدعك تشعرين بأقل درجات الألم.. في كل مرة كنت تتألمين بها أشعر بروحي تتألم معك.. قبلت يداك قبلت جبهتك كانت هي نفس دفئك ورائحتك... رائحة أمي.. رحلتِ.. ولكن من أعماقنا جميعاً لن ترحلي سأظل أذكرك في كل مرة أشعر فيها بالسعادة لأني أعلم أنك ستسعدين... في كل مرة أشعر فيها بالإنجاز لأني أعلم بأنك ستفخرين بي.. في كل مرة أحس بها بالألم والخوف لأني سأتذكر دوماً ما علمتني وأطمئن وأرتاح.. وسأتذكرك في كل مرة أسمع فيها قول لا إله إلا الله الذي هو آخر ما سمعتك تنطقين به.. وأخيراً دعائي لك.. اللهم أجز أمي خيراً على كل ما فعلته من أجلنا واجعله في ميزان حسناتها اللهم واغفر لها وارحمها وعافها واعف عنها وأكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم واجعل قبرها روضاً من رياض الجنة وأدخلها جنة الفردوس مع الأبرار... وفي أمان الله يمه... حفيدتك التي لا تنساكِ