شهد مركز الملك فهد الثقافي مساء الأحد أمسية غير اعتيادية بمحاضرها وحضورها الكثيف الذي لا تعهده عادة مثل هذه المناسبات، أمسية توشحت فيها لغة الأرقام والاجراءات الحكومية ومشاكل الوطن بصبغة شعرية أدبية. كان فارسها معالي وزير العمل د. غازي القصيبي الذي استثار الحضور ليبادلوه الصراحة والشفافية والشعر بمثلها حتى اشتعلت قاعة المؤتمرات بمركز الملك فهد الثقافي حماسة ونقاشاً وضع النقط فوق الكثير من الحروف التي ظلت لأمد طويل ضبابية الملامح. في هذه المحاضرة التي جاءت تحت عنوان (نحو استراتيجية موحدة لمكافحة البطالة)، أعلن القصيبي عزمه وتصميمه على محاربة الاستقدام اللامشروط مؤكداً أنه لا سبيل للقضاء على البطالة باستمرار وفود مليون عامل أجنبي سنوياً، وهي النسبة التي ذكرها القصيبي، مشيراً للفارق الكبير بين عام 1390ه حين كانت نسبة العمالة الوافدة 15% مقابل 85% للسعوديين، وبين نسبتها الآن بعد مرور ثلث قرن والتي بلغت 15% للسعوديين في المؤسسات ذات العشرين موظفاً. وأوضح القصيبي أن استراتيجية الوزارة للقضاء على البطالة تعتمد على علاج هذه الإشكالية التي اعتبرها (قلب الاستراتيجية)، مشيراً إلى إشكاليات أخرى تمثل الأطراف. فإلى تفاصيل كلمته التي ألقاها بعد افتتاحية د. محمد القنيبط رئيس جمعية الاقتصاد السعودي التي تقوم بنشاط شمل عددا من المحاضرات لتكون هذه الثالثة هذا العام، والذي توجه بالشكر لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز الرئيس الفخري للجمعية على جهوده في متابعة نشاط الجمعية وتنظيم المحاضرات، ثم تحدث سموه موجها الشكر بدوره إلى معالي وزير العمل على مشاركته وأيضاً إلى الجهات الراعية .. ونترككم مع التفاصيل: ***** أيها الإخوة الأعزاء لا أحد يؤمن بأهمية الخيال الواسع الجامع كما يؤمن الشعراء الذين أتشرف بالانتماء إلى مملكتهم المسحورة. ولا أحد يعشق الفوضى الخلاقة، التي تشيد وتدمر، كما يعشقها الروائيون، الذين أتلصص على عوالمهم الغريبة. ولا أحد يصر على الفرار من كابوس الواقع الأليم إلى آفاق الحلم الجميل كما يصر المتفائلون. واحسبني في معظم أحوالي لا كلها من المتفائلين.. بعد أن أسجل هذا كله بلا تردد أتوقف لأقول أن قصائد الشعراء شيء ومشاكل الوطن شيء آخر مختلف تماماً. ولأقول أن الفوضى الخلاقة رائعة كل الروعة في الكتب ولكنها تتحول إلى فاجعة مؤكدة حين تصبح وسيلة للتعامل مع الواقع. ولأقول إن الهرب إلى الحلم تسلية مثيرة بين الحين والحين ولكنه يتحول إلى مأساة دامية عندما يستغرق العمر كلّه. ومن هنا فمن الضروري عندما نتحدث عن مشكلة خطيرة كالبطالة، ولا أحسب أحداً هنا يشك في وجود المشكلة أو خطورتها، أن نتجنب الخيالات، وأن نطرح الفوضى الخلاقة، وألا نفرط في التفاؤل. عندما نتحدث عن مشكلة خطيرة كالبطالة لا ينبغي أن يكون حديثنا عمّا نتمنى أن يكون، أو ما نتمنى لو لم يكن، ولكن يجب أن يكون حديثاً عما هو أمامنا، وعما يجب علينا فعله للتعامل معه. وفي تصوري، وفي تصوركم كما أكاد أن أجزم، أن التعامل مع مشاكل الواقع، كائنة ما كانت، لا يمكن أن يتم عبر ردود فعل عشوائية، أو التلويح بمفاتيح سحرية، أو بالشطحات الإدارية الخارقة، أو بالمفرقعات الإعلامية (ولا أظنني بحاجة إلى تذكيركم بأن العبد الضعيف الذي يسعد بالحديث إليكم قد أتهم عبر تاريخه المهني الطويل بهذا كله، أو ببعضه - ولكن تلك قصة أخرى، وحصان من لون مختلف كما يقول التعبير الإنجليزي). لا بد في تعاملنا مع مشاكل الواقع من التشخيص الدقيق أولاً، ووضع العلاج الناجع، ثانياً. ومن البدهي أن التشخيص لن ينجح إذا كان هناك ألف طبيب بألف رأي، ومن البدهي أن الفشل في التشخيص يجعل الوصول إلى العلاج وهماً في عالم الأساطير. أحسب أن ما سبق كله من المسلمات التي لا يجب أن نقف عندها طويلاً قبل أن ننطلق إلى لب الموضوع. ولب الموضوع، بوضوح شديد، أن السبب الأول، وأوشك أن أقول السبب الأول والأخير، لمشكلة البطالة بين السعوديين هو هذا الطوفان الهادر الغامر من العمالة المستقدمة. واسمحوا لي بوقفه قصيرة مع إحصائيات قليلة. - في سنة 1390ه (1970م) كانت العمالة الأجنبية تمثل قرابة 15% من مجموع القوى العاملة بينما شكل السعوديون 85% من هذه القوى. بعد ثلث قرن انقلبت الصورة رأساً على عقب. خلال السنوات الأربع الأخيرة كان عدد العمال الوافدين كل سنة، أقول كل سنة ولا أقول كل عقد، قرابة المليون. وإحصائيات وزارة العمل اليوم تشير إلى أن نسبة السعوديين في مؤسسات القطاع الخاص التي يتجاوز عدد عمالتها 20 عاملاً هي 15% أما نسبتهم في تلك المؤسسات التي يقل عدد عمالها عن عشرين فهي أقل من 3%. هذه الملايين من العمالة منخفضة التكلفة أدت إلى تمدد مصطنع هائل في العرض أدى إلى انخفاض هائل في التكلفة جعل سوق العمل في المملكة مختلاً إختلالاً جذرياً. تشير إحصائيات وزارة العمل إلى أن متوسط تكلفة العامل السعودي هو 3495 ريالاً شهرياً بينما متوسط تكلفة العامل الأجنبي هو 1133 ريالاً شهرياً أي أقل من الثلث. هل يمكن لنا أن نتصور، مجرد تصور، وضعاً يقدم فيه رجل أعمال، أي رجل أعمال في أي محل من العالم، على توظيف عامل مواطن وأمامه عامل أجنبي بثلث التكلفة؟ هل بوسعنا أن نعرّض الوطنية لهذا الامتحان الصعب ثم نتوقع أن تنجح في الامتحان؟ حسناً! إذا سلمنا أن العامل الأجنبي منخفض التكلفة هو سبب بطالة العامل السعودي مرتفع التكلفة فإن علينا، أقول علينا، ولا أقول لنا، أن نسلم بأنه يستحيل أن نحل مشكلة البطالة بين المواطنين والسوق مليء بملايين العمال ذوي التكلفة المنخفضة وأبواب الاستقدام مفتوحة على مصراعيها. وإذا سلمنا بهذه المقولة فإن علينا، أقول علينا ولا أقول لنا، أن نسلم أن خفض الاستقدام خفضاً حقيقياً ملموساً هو الخطوة الحقيية الأولى لمعالجة البطالة. قلت هذا في بيان اصدرته بُعيد تكليفي بأعباء وزارة العمل. قلتُ بالحرف الواحد: إن وزارة العمل سوف تعمد على الفور إلى إنقاص سقف العمالة الوافدة بشكل ملموس، وعلى نحو منهجي متدرج لا يضر بالتنمية، ويأخذ حاجات القطاع الخاص الحقيقية بعين الاعتبار، وترجو الوزارة من الجميع أن يحصروا طلباتهم من العمالة الوافدة في أضيق حد ممكن، حيث أنها لن تصدر تأشيرات العمالة إلا عند وجود حاجة فعلية تقتضي ذلك. لم يكن ما قلته، وقتها، صادراً عن خيال واسع ولا عن فوضى خلاقة ولا عن تفاؤل مفرط، ولكنه كان يمثل الحقيقة لا كما أراها فحسب، ولكن كما جسدتها قرارات ودراسات وندوات ولقاءات وتوصيات متتابعة عبر السنين. كنت أحسبني وقتها أتحدث عن إجماع وطني شامل كاسح لا يشذ عند أحد. بعد أسابيع قليلة من إصدار البيان، بعد أن تبينت الجدية في تنفيذ ما جاء فيه، أدركت أن ما كنت أتصوره إجماعاً كاملاً كان في الحقيقة إجماعاً ناقصاً. سرعان ما ارتفعت أصوات هنا وهناك تقول إن الاستقدام لا علاقة له من بعيد أو قريب بمشكلة البطالة. وفي لقاء بعد لقاء، نصحني من نصح أن ادع الاستقدام وشأنه، ولولا الحياء لطلب مني الناصحون ألا أتدخل فيما لا يعنيني فألقى ما لا يرضيني. وفي مقال بعد مقال كتب الكاتبون والكاتبات، مسلحين ومسلحات بحرف الألف أو بحرف الدال أو بسلاح الدمار الشامل الألف التي تعقبها الدال، يرددون النصيحة ذاتها: لا تتدخل في الاستقدام وعالج البطالة كما يروق لك. حسناًّ وصلنا إلى مربط الفرس. لا يمكنني أن أدع الاستقدام وشأنه وأن أحارب البطالة في الوقت نفسه. هنا خيار لا خيار فيه: إما إيقاف الطوفان العمالي الأجنبي وإما تحول تيار العاطلين السعوديين إلى طوفان. أتوجه إليكم، معشر الاقتصاديين، بسؤال يخص مشكلة اقتصادية في جوهرها: هل يمكن أن نترك حبل الاستقدام على الغارب ونتوقع أن تتحسن أوضاع البطالة؟ وأضيف: هل تعرفون دولة واحدة في العالم كله، خارج الخليج، تترك أبواب الاستقدام مفتوحة على مصراعيها؟ وأضيف: هل يوجد في التاريخ كله، في أي مكان من الدنيا كلها، دولة تطفئ النار بالبترول، دولة تتحدث عن البطالة بين مواطنيها وترحب بملايين الوافدين؟ وعندما أقول أن هنا مربط الفرس فإنني اقصد، تماماً، ما أقوله. لكل استراتيجية، كما لكل كائن حي، قلب، وأجزاء رئيسية وأجزاء فرعية - وشأن استراتيجية مقاومة البطالة في هذا شأن بقية الاستراتيجيات. بوضوح ما بعده وضوح، أقول لكم إن قلب الاستراتيجية التي تتبناها وزارة العمل لتوظيف السعوديين هي خفض الاستقدام وخفضه على نحو واضح ملموس. وبوضوح ما بعده وضوح، أقول لكم أن هدف الخفض هو رفع تكلفة العامل الوافد حتى تقترب من تكلفة العامل السعودي. وبوضوح ما بعده وضوح، أقول أنه لو توقف قلب الاستراتيجية عن النبض فلن تستطيع بقية الأجزاء، رئيسية كانت أو فرعية، إلا أن تتخشب شأن الأشياء الميتة كلها. ولعلنا نعثر هنا، على جواب السؤال الذي حير البرية - أو على أقل تقدير، حير عدداً من كتاب الأعمدة الصحفية وكاتباتها، لماذا فشلت قرارات السعودة عبر السنين في القضاء على البطالة؟ الجواب بسيط، واستغرب أن الكثير ممن احترمهم واحترم عقولهم، لا يزالون يبحثون عن الجواب. والجواب البسيط هو، ببساطة متناهية، أن السعودة لم تنجح في القضاء على البطالة لأن الشرط الأساسي لنجاحها، وهو خفض الاستقدام، لم يتحقق. شأننا مع السعودة شأن من يدعو جائعاً نهماً إلى مائدة حافلة بما لذ وطاب من طعام وشراب ثم ينصحه بعدم الأكل منها. وأرجو أن تسمحوا لي، للمرة الأولى والأخيرة، أن استشهد ببيت من الشعر، وعذري أن هناك ما يجمع بين الاقتصاد والشعر، ألا وهو الكآبة - فقد سمى الاقتصاد (العلم الكئيب) ووصف الشاعر الشهير ديلون توماس الشعر بأنها (مهنته الكئيبة) يقول البيت: ألقاه في اليم مكتوفاً.. وقال له: إياك.. إياك أن تبتل بالماء ألقينا رجل الأعمال في خضم الاستقدام المتلاطم ثم حذرناه من التورط في توظيف الأجانب. أتوقع منكم، معشر الاقتصاديين، جواباً واضحاً وضوح الشمس حول هذه المسألة: مسألة الاستقدام والبطالة. وأرجو ألا أخرج من هنا، وأنا استذكر قصة الرئيس هاري ترومان، طلب الرئيس من مساعديه أن يبحثوا له عن اقتصادي بيد واحدة وعندما سئل عن السبب قال: كل اقتصادي استشيره يقول لي (هنا الحل في هذه اليد)، ويمد يده. ولكنه سرعان ما يضيف ولكن من الأفضل، أيضاً، تجربة هذا الحل في هذه اليد. ويمد اليد الأخرى. وهنا أرجو أن تسمحوا لي أن اتوقف لحظة لأقول أنني أدرك، ربما أكثر من أي إنسان آخر في المملكة، أن فترة الطفرة أوجدت شريحة كبيرة من المواطنين، أكبر مما يتصور أي إنسان آخر في المملكة، من المنتفعين بالاستقدام، هذه الشريحة قد رتبت أمورها وسوت أوضاعها على أساس أن الوضع القائم، أي الاستقدام بلا حدود أو قيود، سوف يستمر إلى الأبد. وهذه الشريحة سواءً كانت تطلب العمالة الوافدة لغرض مشروع، كإدارة مصنع أو مشروع أو غرض مشبوه، كالتستر والمتاجرة بالبشر، غير مستعدة، على الإطلاق، أن تقتنع بمنطق يتعارض مع منطق مصالحها. وأود أن أذكركم وأذكر نفسي قبلكم، أن لصاحب المصلحة المشروعة الحق في الدفاع عنها، ولكن هذا الحق لا يجب أن يعطى لأصحاب المصالح المشبوهة، كما أحب أن أذكركم، وأذكر نفسي قبلكم، أن المصلحة الخاصة، سواء كانت مشروعة أو مشبوهة، لا ينبغي أن تختلط في أذهان صانعي القرار بالمصلحة العامة. إن وجود مصالح خاصة شيء مقبول، إلا أن وضعها فوق مصالح الوطن العليا أمر مرفوض. إن كثيراً من النقاش الدائر الآن، ولا أقول كله، هو حديث مصالح خاصة تحاول أن تتكلم باسم المصلحة العامة. ولكي يثمر النقاش فلا بد من تفرقة واضحة حاسمة بين مصلحة خاصة، متنكرة في زي غير زيها وبين مصلحة عامة حقيقية. قال مسؤول أمريكي سابق جملة احتفظ بها التاريخ ضمن السخافات المضحكة هي:( كل ما يصلح لجنرال موتورز يصلح للولايات المتحدة). ولا أود أن يسجل التاريخ السعودي جملة مماثلة تقول:( كل ما يصلح لعشاق التأشيرات يصلح للمملكة). التدريب قلت إن خفض الاستقدام بهدف رفع تكلفة العامل الوافد هو قلب الاستراتيجية ويمكنني، الآن، أن اعرّج على بقية أجزاء الاستراتيجية. مع خفض الاستقدام، ورفع تكلفة الوافد، يجب أن يكون هناك تدريب فعال للسعوديين، تدريب تقوم به الدولة ويقوم به القطاع الخاص، ويتمشى مع متطلبات السوق. ومع خفض الاستقدام ورفع تكلفة العامل الوافد، لا بد أن تشهد البلاد نمواً اقتصادياً حقيقياً يخلق وظائف جديدة للقادمين السعوديين الجدد إلى سوق العمل كل عام. ومع خفض الاستقدام ورفع تكلفة العامل الوافد، لا بد أن نعيد إلى الشباب السعودي ثقافة العمل التي تعرضت لأزمة حقيقة خلال الطفرة وبعدها. ومع خفض الاستقدام ورفع تكلفة العامل الوافد، لا بد من ايجاد بيئة العمل المناسبة للعامل السعودي، بدئاً بالراتب المناسب وانتهاء بالأمان الوظيفي. هذه أجزاء هامة وأساسية في الاستراتيجية ولكنني أحذركم من الاعتقاد أنها يمكن أن تنجح بدون قلب الاستراتيجية. حتى عندما يصل الشاب السعودي إلى أعلى مراحل التدريب فإننا سنجد عاملاً وافداً بالتدريب نفسه وبثلث التكلفة. وحتى عندما ينتج النمو الاقتصادي مئات الآلاف من الفرص فإنها ستذهب إلى العمالة الوافدة كما حدث لدينا في المملكة. ولعل هذا هو المكان المناسب لأقول أن على من يريد الحقائق والأمثلة والأرقام عن هذه النقطة أو غيرها من النقاط الواردة في الحديث أن يرجع إلى كتاب الزميل الدكتور عبدالواحد الحميد (السعودة أو الطوفان). وقد سمحت لنفسي بالتصرف في الكتاب تصرف المالك في ملكه آخذا بالمقولة الوزارية المأثورة (الوكيل وما له لوزيره) وحتى عندما نوجد ثقافة العمل عند كل شاب سعودي فإننا لن نستطيع، ولا ينبغي أن نحاول، أن نخضعه لشروط العمل المجحفة التي يخضع لها العامل الوافد تحت ضغط الحاجة القاهرة، ولشروط العمل المجحفة هذه حديث طويل مرير ليس هذا مكانه. أما عن بيئة العمل المناسبة للعامل السعودي فمن المحال توفيرها والمكان يكتظ برؤساء وافدين يرون في وجود العامل السعودي سبباً لانتهاء وجودهم، ويتصرفون على هذا الأساس. رفع كلفة الاستقدام على أنه إذا كان قلب المشكلة يتطلب الاجماع حوله، فالتفاصيل تقبل النقاش، بل وتتطلب النقاش. لنا أن نتساءل هل يكفي خفض الاستقدام لرفع تكلفة العامل الوافد، أم لا بد من رفع رسوم الاستقدام؟ وفي هذا المجال أود أن أشير إلى المشروع الجريء الذي طرحه سمو ولي عهد البحرين مؤخراً لإصلاح سوق العمل ويقضي بفرض رسوم تعادل 2500 ريال على كل عامل وافد شهرياً، أقول شهرياً ولا أقول سنوياً، ومن الواضح أن هذا المشروع هو نذير الأشياء المقبلة في الخليج، وهو مشروع يستهدف الأخذ بمزايا الحد الأدنى للأجور وتجنب سلبياته. ولنا أن نتساءل عن وضع العمال الوافدين الذين لا يمكن أن يحل محلهم سعوديون وكيف يرشد استقدامهم. وينبغي لنا البحث عن الوسيلة الملائمة العادلة لحصول المواطنين على حاجتهم من العمالة المنزلية، مستذكرين أن 60 بليون ريال تحول سنوياً من بلادنا إلى بلاد العمال الوافدين. المشاريع الصغيرة والتستر كما أنه ليس لنا أن نتطلب الاجماع حول أجزاء الاستراتيجية التي تتجاوز القلب. لنا أن نتساءل مرة وألف مرة، عن نوعية التدريب المطلوب وكيفية الوصول إليه، ولنا أن نقترح، مرة وألف مرة، أساليب لتوزيع عبء التدريب بين الدولة والقطاع الخاص، ولنا أن نتفق ونختلف حول أفضل السبل لايجاد ثقافة العمل وترسيخها. ولنا أن نبحث ما يمكن وما لا يمكن أن نعمله للوصول إلى بيئة العمل المناسبة للعامل السعودي. ولنا أن نتساءل عن جدوى المشاريع الصغيرة التي يولد منها قرابة 200.000 مؤسسة سنوياً بتراخيص بلدية بالاضافة إلى 20.000 بسجلات تجارية وهي مشاريع تعتمد كلها على الاستقدام. هل من حق هذه المشاريع أن تزحم شوارعنا بمئات الآلاف من الدكاكين الصغيرة المكررة وأن نزحم مياديننا بعمالتها المستوردة؟ لم أر فيما رأيت من مدن العالم مدناً تزخر شوارعها بهذا البحر المتلاطم من الورش والحلاقين والطباخين والبقالات الصغيرة ومحلات الساندوتش والصيدليات كما أرى كل يوم في شوارعنا. ولكم، معشر الاقتصاديين، أن تخبروا الرأي العام عن القيمة المضافة - ان كانت هناك قيمة مضافة، التي يستفيدها الاقتصاد الوطني من هذه الدكاكين التي تنمو كل لحظة كالأعشاب الوحشية، ويعتمد استمرارها على التستر أو على قبول العاملين فيها بأجور زهيدة والعيش في ظروف تعرفون كلكم مدى قسوتها. أحسبني أوضحت، بما فيه الكفاية، أن الإجماع مطلوب وضروري حين يتعلق الأمر بقلب الاستراتيجية، ولكنه نافع وغير ضروري حين يتعلق الأمر بالأجزاء والتفاصيل. بقيت كلمة كان يجب أن أبدأ بها وهي أنني لم أجيء إليكم لكي أحاضر بل لكي استمع، ولم أجيء اليكم لاعلمكم بل لكي أتعلم منكم وأنا أتطلع، بشغف وصدر رحب، إلى ما سأسمعه منكم الليلة، وأرجو أن أسمع من الآراء أكثر مما أسمع من الأسئلة. كما أنني أتطلع إلى قيام جمعيتكم - مشكورة - بطبع ما يدور هنا الليلة ونشره في كتاب يبقى بعد أن تزول الأصداء وينفض السامر. أشكركم لحسن إصغائكم مداخلات الجمهور كانت بداية المداخلات البارزة مع رقية العلولا التي استشهدت باستراتيجية عنترة بن شداد في قتاله مطالبة القصيبي بأن يضرب بيد من حديد على الشركات الكبرى التي لا تطبق السعودة. وفي رد سريع تحدث بعدها عبدالرحمن الزامل مدافعاً عن القطاع الخاص ومنبهاً على وجود 500 ألف من العمالة الوافدة في المنازل ممثلين بالخدم والسائقين وطالب أن تقوم الدولة بواجبها مستنكراً صرف الملايين لشراء منتجات غير محلية بينما منتجاتنا تباع في الخارج مؤكداً أن السبب يكمن في الرشوة والفساد وطالب الزامل بأن يكون هناك حوافز للتفريق بين من سيعود ومن يتهرب مقترحاً أن يتم تحديد التأشيرات المستخرجة حسب التخصص وضرب مثلاً بالهند التي تتميز بالفنيين. المعلومة الدقيقة ثم علقت د. حصة السعيد الباحثة الاحصائية على مداخلة الزامل قائلة لو أن كل أب قام بواجباته لاستغنينا عن 70% من السائقين. وأعقبت ذلك بتساؤل عن عدم وجود احصائية دقيقة لطالبي العمل الجديين؟ مطالبة الوزارة بأن تتعاون مع جهات متخصصة لعمل هذه الاحصائية حتى تتضح الرؤية في عمل البرامج التدريبية. وجاء تعقيب القصيبي مؤكداً أن هذه مشكلة موجودة وهي أهم أسباب اطلاق الوزارة لحملتها، مشيراً إلى أن عدد الباحثين عن عمل وصل إلى 133 ألف شاب وتوقع القصيبي أن يتجاوزوا 200 ألف. وأوضح أنه سيصرح بعد عشرة أيام بعددهم ومهنهم وأعمارهم وتقسيمهم الاقليمي وأن الوزارة ستعمل على تحديث هذه القاعدة في المستقبل. تحديد الرواتب وتساءل بعد ذلك فهد اليوسف: ما هو الحد الأدنى من الراتب الذي يشبع الأفواه؟ وكيف يعيش العاطل عن العمل قبل الحصول عليه؟ مطالباً بتحديد حد أدنى للرواتب. وأجاب القصيبي بأن الباحثين عن العمل تتراوح مؤهلاتهم من الدكتوراة نزولاً إلى أدنى الشهادات وبعضهم لا يحمل شهادة، قائلاً: ليس هناك قدرة تجعلني أجبر رب العمل أن يعطيهم رواتب متساوية، مؤكداً أن الراتب يحدده الطلب والعرض والمؤهل، وشدد على أن المهم الآن هو توظيف كل عاطل أما الرواتب فمسألة تأتي فيما بعد. المهن الشاقة ثم تحدث عبدالرحمن الراشد مطالباً بالاستماع إلى المزارعين والعاملين في الإنشاء والتعمير لأنها قطاعات تعاني من عدم وجود عمالة سعودية ممكن ان تعمل فيها وخاصة في البرد الشديد أو الحر الشديد. واعترض الراشد على فكرة رفع أجور العمالة الوافدة بسبب أن هذا سيكون مشكلة لمن لديهم عقود سابقة، وطالب بأن تتم مراجعة المواد الدراسية التي تلبي سوق العمل كاللغة الإنجليزية. بعد ذلك جاءت عدد من المداخلات التي تؤكد على رغبة الشباب السعودي في التدريب حتى لو كان بمقابل، وتساءل عن خطوات تفعيل الحملة بعد نهايتها وكيف سيتم التوظيف؟ وقد أجاب القصيبي بأنه من 20 ألف طلب عمل وجدوها في مكاتب العمل لم يجدوا ارقاماً هاتفية صحيحة الا ما يقارب خمس آلاف وأقل وعندما تم تحديد موعد لهم لم يحضر إلا 80 شخصاً تسرب منهم عشرون لتوظف الوزارة 60 فقط! ولكنه أعلن تفاؤله بوجود معلومات كافية الآن يمكن الاتصال بأصحابها بسهولة مبدياً سعادته بتفاؤل رجال الأعمال الذين تفاعلوا بشدة. وذكر القصيبي أنه تأتيه رسائل يتكفل من خلالها رجال الأعمال بتوظيف أعداد بالمئات كل على حدة. مؤكداً أن رجال الأعمال ليسوا أقل وطنية من الوزارة أو الكُتَّاب في الصحف. وأوضح القصيبي أن المهم في هذه التجربة هو كسر الحاجز النفسي الذي يقول أن البطالة لا يمكن حلها. وأضاف: سنحلها مسلحين بالقاعدة الجديدة من الاحصائيات، وأرجو أن تصل البطالة إلى نسبة 2-3% في مدة لا تتجاوز 5 سنوات. لماذا استبعدت المرأة؟ وتساءل بعض الحضور عن اتاحة المعلومات للجهمور عن استبعاد المرأة في الحملة. وأجاب القصيبي بأن الوزارة ليس لديها أسرار وأنها ستقوم من الاسبوع القادم بنشر القضايا العمالية و الأحكام وما إلى ذلك. وأما عن المرأة فقد أوضح القصيبي بأنه لا توجد تجهيزات كافية وموظفات وأماكن لاستقبال طالبات العمل، مؤكداً بأنها قد تكون واردة في المستقبل. وتساءلت ريم الرشيد: كيف يعطى تصريح استديو أو مشغل نسائي ويطلب مني توظيف سعودية في ظل عدم وجود سعوديات متمكنات في هذه المجالات. وعقبت بعدها د. نورة الشملان متسائلة عن دور الضغوط المتواصلة على القطاع الخاص في دفعه للهجرة إلى دول أخرى. وطالبت بأن لا يكون دعم البنية الاقتصادية على حساب المؤسسات الصغيرة وأن يستمر استقدام العمالة الأجنبية وبعد خمس سنوات يتم احلال عمالة سعودية مدربة مكانها. هيمنة ثقافة الاستقدام وقد استنكر القصيبي قائلاً: نحن هنا نحتفظ بالقطاع الخاص ونحتضنه بشدة حتى لا يهرب، مؤكداً أن هروبه هو كلام غير جاد، فالقطاع الخاص أكبر من أن يهرب لان انتماءه يفوق أي مصاعب. وشدد على أن الوزارة تساعد توجه المؤسسات الصغيرة وأنه في المستقبل سيكون جميع سائقي الأجرة سعوديين عن طريق الاقتراض والامتلاك. وأضاف: من الآن فصاعداً أي مؤسسة صغيرة يجب أن يكون فيها عنصر سعودي فإذا أتيت (بكوافيرة) أجنبية لا بد أن يكون بجانبها سعودية تتدرب، وطالب أصحاب المؤسسات الصغيرة أن يعيونه على أنفسهم قائلاً (أصبحت ثقافة الاستقدام مهيمنة حتى أن الشخص لا يفكر بالسؤال عن عمالة سعودية في مكتب العمل) مؤكداً أن عددا كبيرا من المؤسسات تكتشف الوزارة أنها وهمية تستقدم وتطلق العمال في الشارع. التستر وساعات العمل وجاءت بعض التساؤلات حول ظاهرة التستر ودور ضبط ساعات العمل في الحد منه، وقد أجاب القصيبي بأنه كان يظن ان التستر لا يتجاوز 15-20% ولكن التقارير تدل على أنه أكثر بكثير وقال: الانطباع أن ما لا يقل عن 50% من المؤسسات هي مجرد تستر، وضرب مثلاً بمحلات الحلاقة التي يوجد بها 12 كرسياً حيث اكتشفت الوزارة أن أصحابها يؤجرون الكرسي على الحلاق بقيمة ألف ريال في الشهر. وعن تحديد ساعات العمل أكد القصيبي صعوبة ذلك عملياً بسبب طبيعة المجتمع الذي يبدأ التسوق فيه بعد صلاة العشاء. الرأي الآخر ثم تحدث بعد ذلك علي الزيد رئيس لجنة السعودة الذي أكد على أن رفع تكاليف الأجنبي أمر مقبول في المهن التي يوجد فيها سعوديون آملاً أن تحدد الوزارة عددا من المهن التي تود طرحها للسعوديين. ثم جاءت مداخلة سعد المعجل الذي قال: كنت أتعشم أن اسمع منك ما يبشر بتوسيع الأعمال وتنمية البيئة الاقتصادية على غرار ما شاهدنا في الجبيل الأسبوع الماضي، يؤسفني أنك ركزت على الفوال والخباز ونسيت أن المدن الصناعية التي يعمل بها الشباب السعودي أحوالها متردية. نخشى أن تنتهي مدتك وأنت فقط خفضت من العمالة الوافدة دون دعم للبنية الاقتصادية فتتركها خاوية على عروشها. ***** لقطات................ * في سؤال حول فرض الضرائب على المؤسسات أجاب القصيبي بأن السعودة هي ضريبة يتحملها الجميع. *بعد نهاية المحاضرة وأثناء خروج القصيبي استوقفه شاب سعودي على كرسي متحرك ليسلم عليه ويشرح له ظروفه مؤكداً أنه كان يبحث عن هذه الفرصة منذ زمن. * شهدت المناسبة حضوراً كثيفاً وحصل نقاش واعتراضات على توزيع المداخلات بين الجانب الرجالي والنسائي.