لم يكن في الحسبان أن أعود إلى الحوار الدائر حول الشعر الشعبي,, فقد قلت كلمتي بالحق ومضيت,. ثم جاء تعقيب الأخت الفاضلة نهى المرشد التي ذهبت فيه إلى أن الشعر الشعبي أداة تقسيم وتفرقة بين أبناء المجتمع الواحد بل وبين الأمة جمعاء . وشاكراً لها أدب الحوار الذي نفتقده كثيراً على الساحة الآن,, أجدني مضطراً للعودة ببعض الإيضاحات. 1 لا أنا ولا أحد غيري يمكن أن ندعو إلى الغاء الفصحى وإحلال العامية محلها ولا يفعل ذلك عاقل بل إلى بقاء الاثنتين على الساحة لتؤدي كل واحدة دورها في أوساطها ومناخاتها الملائمة. 2 إن الفصحى في كل الأنحاء الناطقة بالضاد هي لغة الدرس التعليمي والخطاب الرسمي وحقها في كل ألوان الابداع محفوظ لم يُمس بتعاقب الأجيال والأزمان,, فنحن لم نسمع أن كتابا في اللغة العربية يدرس في أي من معاهد التعليم العربية باللغة العامية,, وكذا لم نسمع مثلاً عن مخاطبة دارت بين رئيسي دولتين عربيتين بمفردات عامية,, ولا أن حظراً قد فُرض على نشر الفصحى وابداعاتها في اي من وسائل الإذاعة والنشر,. 3 إن أعداء الفصحى إن وُجدوا لم ولن يجرؤ واحد منهم أن يجاهر أو يُسِر بالدعوة إلى هذا الإحلال,, ولو فعلها لاجتمع عليه فرقاء الساحة الآن جميعاً,, ولأقاموا عليه حد الحرابة,, فليس يخفى على العامة والخاصة عندئذ أن هذا الدعي إنما يسعى لزوال شمس الاسلام ولغة القرآن الكريم الذي تحدى به الله ملوك الفصاحة العرب,, كما أننا على يقين من أن الفصحى محفوظة بالحفظ الإلهي للكتاب الكريم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). 4 إن اللغة العربية الفصحى بقوتها وجبروتها قد استوعبت ما حام حولها من مفردات اعجمية وأذابتها في أتونها (منحوته),, كما أنها قبلت تنظير العديد من اللهجات على نحو ما يعرفه أهل اللغة من الكشكشة والاقلاب وغيرهما,, وقد ردد الرسول صلى الله عليه وسلم في جوابه على سؤال اليماني: هل من إمبر إمصيام في إمسفر بنفس لسانه,, وهي على قاعدة إقلاب اللام ميما عند قوم السائل (قبائل حمير). 5 بعد كل هذا,, يبقى للعامية وابداعاتها موقع لا ينكر,, فهي تحقق الخصوصية المحمودة التي لا تعصب فيها ولا تمزق,, بل تتدرج دائرتها في التوسع والتوحد والالتقاء حتى تصبح رمزاً كبيراً يلتف الجميع حوله,, فعسير مثلاً,, والحجاز,, ونجد,, والشمال,, والشرق,, مناطق المملكة ولكل واحدة منها خصوصية تراثية منها اللغة والشعر وبقية الفنون الشعبية,, لكنها جميعا تلتف حول السعودية الوطن,, ثم تلتف الأقطار حول أرومتها العربية في النهاية. وفي هذه الدوائر تجد ملامح كثيرة مشتركة بين الألسنة على نحو ما نجد اتفاقاً في اللغة البدوية رغم التباعد الجغرافي بين مواطنها في الدول المختلفة. 6 إن الشعر والأدب الشعبي عموما الناتج من احدى هذه المناطق ليس بُمجَهَّل على أفهام الناس في بقية المناطق. 7 يقول الدكتور أحمد مرسي في مقال نشر له مؤخراً في الأهرام القاهرية 18/4/2000م ويمكن أن تجد في الأدب الشعبي في الجزيرة العربية عناصر تعود لما قبل الإسلام ومستمرة حتى الآن مثل الشعر النبطي,, ومن خلال دراسته يمكن فهم الشعر العربي عامة والجاهلي على وجه الخصوص ,, وإنني أدعو إلى دراسة هذا الرأي من قبل المتخصصين لدينا العاكفين على ضرب هذا اللون من الإبداع. 8 في ظروف الأمة الحالية,, ونسبة الأمية تبلغ مبلغها علينا ان نبادر إلى خطى فاعلة لمحو الأمية,, ثم الارتقاء بلغة الخطاب الشعبي حتى تبلغ الأمة رشدها بالاستنارة,, وعندها يمكن أن ينحسر دور الشعر الشعبي ويتوارى وراء جحافل الفصيح إنتاجا واستقبالا,, وإلى ان تحين تلك اللحظة الحالمة يظل الشعر الشعبي هو الأقدر تأثيراً في الجماهير لأن العامة والخاصة يفهمونه بينما الفصيح قد يُعجز فئة كبيرة من الجمهور,. 9 إن غلاة الناقمين على الشعر الشعبي لا يعترضون عليه كشعر يقال ويذاع بكل الوسائل,, وينحصر اعتراضهم على دراسة هذا الشعر وتنظيره,, وهو منهج غير مفهوم بالنسبة لي على الأقل,. 10 وسؤال أخير : أليس اجدى وأنفع من الضرب في طواحين الهواء أن يسير هؤلاء بدعوتهم تجاه محو الأمية,, والارتقاء بالخطاب الشعبي,, وتحرير مساحات أكبر للفصيح انتاجاً ودرساً,.