الطاولة المستديرة في اتساع تضيق، وتضيق، حتى تحسب أن أقدام الجالسين فوق مقاعدها من تحتها ترتطم ببعضها، والرؤوس تتحرك، وكذلك تفعل الأيدي، الأصوات تبحث عن نون مفقودة بين السطور، أيمكن التقاطها من بين هذه السطور أم تركها,,,، نفرٌ يقول نلتقطها، وآخرُ يخشى فإن هذه النون تمثل لهذا النفر نوعاً من الحساسية، وهو يريدُ أن يريحَ دماغَه ولأنهم ثلةٌ فتلك قضية أدمغتِهم وليس دماغ واحدٍ مفرد!! الأطباقُ فوق الطاولة تحملُ كلَ ما لذَّ وطاب، مخلوطاً ومبهَّراً بتلك النون ، لكن أحداً لا يريدها أن تطغى، ولا أن تظهر، أمسكت الملاقطُ بكافة الحروف وأخرجتها من الأطباق، ووظفت كلَ حرفٍ في الاسم الذي يمثله فالتاء: تفاحة، والميم: موزة، والباء برتقالة، والتاء: تمرة، والميم: ملوخية، والباء: بقدونس، وهكذا,,, والتاء: ترِكة، والميم: مِداد، والباء: بطل، وكل حرف فوق الطاولة المستديرة، داخل الأطباق المختلفة، يمثل صنفاً مأكولاً، أو مستعملاً، أو ممزوجاً، أو موسوماً، أو,,, إلا النون، فإنهم يوارونها، ويخبئونها، ولا يفعلون معها إلا مثل ما يفعل السجَّان، وبمثل ما يفعل الطُّوفان، وبمثل ما تفعل الدوَّامة,,. يقصونها، فيقصون كلَ وظائفها,,. هروباً من/ بعداً عن/ اتقاءً ل,,. والطاولةُ المستديرة تلف,,. ثَمَّة ما يلف معها,,. تدور، ثَمّة ما يدور معها,,. تتحرك الأطباق,,. يتحرك الجالسون,,. تمتزج المحتويات,,. يقترب الجالسون من بعضهم,,. تقترب مقاعدُهم,,. تختلط أوراقُهم,,. لا يميزون أقلامَهم من بعضِها,,,، لم يعد أحدُهم يتمالك نفسَه، دوّامة,,. رفع بعضُهم صوتَه: أوقِفوا دوران الطاولة,,. قال بعضُهم: نشعرُ بالغثيان,,. تنبَّه آخرون: الحروف تقفز، لم تعد مختلطة,,, تناثرت,,. كلُ شيء فوق الطاولة المستديرة اختلط,,, إلا الحروف,,, تفككت,,, تناثرت، لم يعد هناك ما يربطها فتبقى التفاحة بحروفها تفاحةً، ولا الموزة بحروفها موزة، ولا البرتقالة بحروفها برتقالة، ولا البقدونس لم يعد بنكهته أخضر يانعاً، ولا المداد يرسم شكل البطل في هيئته الناهضة,,, الحروف تناثرت فتناثرت دلالاتها حتى أصواتهم امتزجت كلماتها في غوغائية بشرية عابثة,,. الحروف,,, وحدها من تَسيّد,,. هناك الميم استقرت في مكان، والباء، والألف، والدال، والياء، والهمزة، كلُّ منها أخذ ركناً قصياً في مواجهة طوفان غوغائية الجالسين فوق المقاعد قبل دوران الطاولة,,. ومن تحت الطاولة ظهر صوتٌ للحروف امتزج بمثيل جاء من فوقها كان صوت الجيم، والنون,,, والواو,,, والنون,,. ثَمّة ما يقوله هذا الصوت: شئتم أكون، أم شئتم لا أكون,,, فإني هنا فوق الطاولة وتحتها,,, تجدونني في كل مكان,,. كان ذلك هو صوت النون,,. وتوقف دوران الطاولة,,. وأخذ كل منهم يلملم بقاياه,,. ولم يكن قد عزم الانهزام أمامها,,, ذلك لأنهم غير قادرين على مواجهة دوَّامات الأطباق، والطاولات المستديرة بعد ذلك. هذه سطور من,,, (عبثية المواقف)