من المثير للعجب ان بعضا من الناقمين على درس الشعر الشعبي يصل بهم الحال حد العداوة الشخصية، التي تُذكِّر القارىء بقصة الذئب والحمل,, وصار عليها المثل الشعبي (آكلك,, آكلك),, فهم يلاحقون الفريق الدارس لهذا اللون من الشعر بأبشع التهم التي تصل الى حد انتهاك بكارة الفصحى، وفض عذريتها!! ولا أريد ان أزيد في البداية الا إشارة الى الفرق بين الجدل والحوار,, فالأول عقيم يدخله الطرفان وكلاهما غير مستعد بالمرة للانتقال الى صف الآخر مهما قويت حججه الدامغة,, وساغت مبرراته الناصعة,, واما الحوار فيدور بين طرفين ينشدان الحقيقة ولو كانت على الشاطىء الآخر. واذا كان العقل ينكر الجدل,, فإنه يدعو الى الحوار,, ويجعله اساسا للقرار,, وحتى العقيدة الصحيحة لا تقوم الا على التفكر,, وما التفكر الا لون من الوان الحوار الداخلي ,, به يصل الانسان الى وجود الخالق الأعظم في ابداعات كونه وخلقه,, وهي ارقى ثمرة يمكن ان ينتجها بستان العقل البشري. وليسمح لي استاذنا الدكتور حسن الهويمل ان اناقشه بمنطق المحاورة في مقالة له بعنوان كيف اصبح الشعر الشعبي امتدادا للجاهلي المنشورة في الاربعاء 23/12/1420ه وحصرا للنقاش اورده محددا في النقاط التالية: 1 ان ادانة دراسة الشعر الشعبي على وجه العموم تعتبر ردة عن منهج اصيل في العالم كله,, وأعني بذلك الاحتفاء بالتراث عموما,, والشعر الشعبي من اصدق وسائط نقل هذا التراث,, وهو بذلك حقيق بالدراسة. 2 حتى تكون لهذه الدراسة جدوى يجب ان يقوم بها النقاد المتخصصون. 3 ان الناقد لا يعيبه ان يجمع بين درس الفصيح ودرس الشعبي,, فناقد اي عمل فني يمكنه ان ينقده (عاميا) بنفس المقدرة التي ينقده بها (فصيحا),, ذلك ان الناقد لديه المقاييس الاساسية التي تجمع بين الفنون,, وتلك التي تجمع تحت مظلة الشعر الوانا,, وما دمنا مطمئنين الى علم الناقد باللغات واللهجات وانه من تراب هذا الوطن,, فكيف نشكك في اشتغاله بدرس الشعر الشعبي؟! 4 إن اشتغال الناقد الحصيف بدراسة الشعرين لا يمكن ان يكون لحساب ايهما على الآخر,, ولا يمكن ان يكون هدفه تهميش الفصحى وتفحيل العامية,, اذ ان في كل منهما غثا وسمينا والدراسة النقدية هي محاولة الفرز على الجانبين,, ولا يمكن ان نتهم ناقدا بحجم من ذُكر بأنه بلغة الميكانيكا قد يختلط الزيت بالماء في دولاب عمله النقدي. 5 لماذا لا يتفق الجميع على ما ذهب اليه الرأي النقدي الراجح من لدن اساطينه - وكما اشار سمو الامير خالد الفيصل في لقاء بالجزيرة مؤخراً بأن الفصحى ستبقى,, وستبقى العامية كذلك,, ولكن لتؤدي كل منهما دورا لا تؤديه الاخرى لدى اوساط اجتماعية,, وثقافية,, ومزاجية,, تختلف في قبول الناتج الابداعي من حيث الوانه المتعددة. 6 ان العقل لا يقبل ان تستمر حملة العداء مستترة برداء الذود عن حياض الفصحى,, متشحة بشعار الحفاظ على لغة القرآن الكريم,, فليس فينا مهما اختلفت آراؤنا من يتنكر لامومة اللغة,, ولا من يتوانى في الدفاع عن مصحفه بالدم,, وبالروح,. 7 لقد حمدنا للخليل ان جمع ما جرى على السنة الشعراء,, واستطاع تصنيفه الى بحور وقواعد,, فلماذا ننحي اليوم باللائمة على الشيخ الأديب الشاعر عبدالله بن خميس والشيخ العلامة ابي عبدالرحمن بن عقيل ومن على شاكلتهما اذ يحاولون انجاز المهمة ذاتها في مجال الشعر الشعبي؟! 8 إن القاسم المشترك الواضح بين الشعرين الجاهلي والشعبي قد جاء على لسان كاتبنا نفسه حين قال بأن العامي يقول الشعر سليقة وموهبة لا تعلُّما وتجويداً ونحن نقول له: وهكذا كان الجاهليون. 9 يقول الاستاذ: لا نجد غضاضة من اذاعة هذا الابداع الشعبي - عبر وسائل الاعلام بنصه وفي كل اللهجات ليصل الى متذوقه بصوت عامي مثله,, وقد لا يكون من المحظور نشره وتداوله بين العامة وبأيدي العامة انفسهم ,, ولا يخفى ان العبارات تطل باستعلاء شديد من برج عاجي على اولئك العامة وكأنهم رعاع لا وزن لهم,, وكأن الوطن يحجز للصفوة أو (النخبة) كما عبر الكاتب - مقاعد الصدارة تحت الأضواء يقولون فيسمع العامة,, ويتحدثون فينصتون,, او يُهرعون الى بعض العابهم ورقصاتهم فذلك مبلغ العامة في نظر النخبة,, إنهم مجرد ادوات تثير بهجة الطاووس الذي يختال على المنصة وينفخ ريشه ليحجب الاضواء الا عن نفسه فحسب. 10 إذا انتقلنا من التنظير الى التطبيق,, فإن صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل امير منطقة عسير وهو الملقب بأمير الشعر الشعبي يسعى جاهدا مع الجامعة ومدارس التعليم العام في عسير حتى تدار الحصص والمحاضرات بلغة عربية فصحى,, من أجل تقويم لسان الناشئة وطبعه بطابع اللغة الأم,, والخبر بلا تعليق. والثانية انني استمعت في راديو السيارة الى قصيدة نبطية بلغ من شدة اعجابي بها اني تلهفت على معرفة المحطة والشاعر,, وكانت المحطة ليبيا,, والقصيدة لشاعر يُدعى الكعبي,لقد كان الشعور بالوحدة حقيقيا بيني وبين ذلك الشاعر رغم بعد المسافات,, واختلاف الانظمة,, أفرأيتم كيف يقوم هذا الشعر بالوظائف النبيلة التي تعجز عنها حتى السياسة. واخيراً,, استاذنا الجليل هناك كثير يمكن ان يقال,, ولكني ناصحك بأن تخفض عن الشعر الشعبي سوطك، فقد ترى ما لا يعدو قناعتك انت وحدك,, والفكر ياسيدي لايستقيم اذا ما أُرهب أو جُمِّد أو يعصب