سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مد جسور التواصل بين الأجيال وإسقاط الحدود الزمانية والمكانية والأجتماعية . الشعر الشعبي في الخليج والجزيرة العربية : مستقبل الشعر النبطي : يذهب مع الريح أم يخلده التاريخ ؟ 2 من 2
ظاهرة الاقبال على الشعر النبطي في المملكة السعوديّة والخليج عموماً، تستحقّ الاهتمام لأكثر من سبب، أوّلها تجذّر هذا الشكل التعبيري المرتبط بالتقاليد الشفويّة العربيّة في الجزيرة العربيّة، في تربته الاجتماعيّة والثقافيّة والحضاريّة، وقدرته على الاستمرار والتواصل منذ ثمانية قرون، بقي خلالها المرآة العاكسة لثقافة المجتمع. وبعد أن بلغ الشعر النبطي مرحلة متقدمة من النضج، حان وقت اعادات النظر وجردات الحساب. "الوسط" دعت نخبة من الشعراء والنقاد إلى طرح القضيّة، بدءاً من التحديدات... وصولاً إلى التحديات المطروحة على الشعر والشعراء، وإلى العلاقة بالفصحى بين تصادم وتكامل؟ وفي الحلقة الثانية والأخيرة، نطرح قضيّة مستقبل هذا الشعر على بساط البحث : هل هو جرثومة خطيرة ينبغي القضاء عليها؟ أم انّه جزء من تراثنا علينا تطويره ودراسته وفتحه على اللغة الفصحى؟ إنطلاقاً من الموقع المهمّ الذي يحتلّه الشعر النبطي في المملكة العربية السعودية والخليج عموماً، فتحت "الوسط" ملفّ هذا النوع الابداعي الخاص الذي يعتبر متنفس الشعراء، والمجال الأرحب لطرح قضاياهم الذاتية والاجتماعية، وهذا الشعر الذي يشكّل واجهة ثقافية وحضارية لبيئة ما زالت على صلة وثيقة بالتراث، يشهد تحولات جديدة وجدالاً حقيقياً في الأوساط الشعرية والنقدية... كما يعاد، بين حين وآخر، طرح عدد من الإشكاليات حول المصطلح والمفهوم ومدى مواكبة هذا اللون من الشعر للعصر وثقافته. لذا رأينا ضرورة اقتحام هذا المعترك، وطرحنا عدداً من الأسئلة، متطرّقين إلى مجموعة إشكاليات تعتبر حديث الساعة في هذا المضمار. وشارك في الملفّ كل من الأمير الشاعر خالد الفيصل، والأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، والباحث والعلامة الشيخ عبدالله بن خميس، والأستاذ الدكتور سعد البازعي أستاذ النقد في جامعة الملك سعود، والدكتور سعد الصويان الباحث المعروف وعضو هئية التدريس في جامعة الملك سعود، والدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود، والشاعر محمد دخيل العصيمي الباحث في مجال الشعر الشعبي، والشاعر خضر البراق معدّ صفحات شعبيّة، والشاعر راشد بن جعيثين معدّ صفحات شعبيّة. في الحلقة السابقة تطرّقنا إلى مسألة مصطلح الشعر النبطي ومواكبته للعصر وثقافاته وقدرته على الصمود كفن شعري قائم بذاته، وكانت الآراء متفاوتة، متفقة حيناً ومختلفة أحياناً... وتبيّن أن مصطلح الشعر النبطي أصبح محل خلاف واسع وسيظل النقاش محتدماً حول تسميته. إلا أنه هناك شبه اتفاق على أن هذا اللون يختزن طاقة شعرية ورؤية إنسانية، وأنّه تطور بتطور أدوات العصر ما أكسبه قاعدة جماهيرية كبيرة... أما محور نقاش هذه الحلقة، فهو مستقبل هذا اللون الشعري وتفاعله مع معطيات القرن الجديد، وجهده الإبداعي في تصوير المشاعر الإنسانية بعيداً عن التقوقع من جهة أو الذوبان من جهة أخرى. يرى الأمير الشاعر خالد الفيصل أن المفردات الحديثة وإدخالها في القالب الشعري واختيار الألفاظ القديمة ذات التعابير العميقة وتوظيفها في قوالب شعرية مستحدثة، هي عوامل أساسيّة لمد جسور التواصل بين الأجيال وإسقاط الحدود الزمنية والمكانية والأجتماعية. وقد ساعد ذلك على كسب اهتمام الجيل الجديد من الشباب، فدخل الشعر الشعبي إلى كل اسرة وذاع صيته وانتشر، واستحوذ على الذوق الجماعي راهناً ومستقبلاً. والتجديد في نظر الامير خالد الفيصل ليس ردة عن القديم، وإنما هو مزج بين ماضٍ وحاضر لاكتساب المستقبل. فالانسلاخ تماماً عن دائرة الماضي، وإنْ بدا ظاهره إلى الأعلى في عيون المنسلخين، يعني فقدان التوازن، والخروج من دائرة اهتمام الجماهير، وذلك قد يعني قطيعة مع الذات والجماعة والتراث. ويكشف الأمير خالد الفيصل التوجّه الذي أعطاه لتجربته الشعرية، قائلاً: "أبرمت مع المتلقي اتفاق شراكة في الإنتاج، بموجبه يصبح قارئي شريكاً في مشروعي الشعري، بيد أن دوره يبدأ حين ينتهي دوري في الإفصاح، فيأخذ هو على عاتقه ملء مساحات تعمّدت أن أتركها شاغرة له. وهنا يشعر القارئ بالاعتزاز بالنص الذي يرى على يديه النور بعد اكتمال ملامحه، وتكتسب القصيدة ثراءها، وتتضاعف متعة جمهور المبدعين". أما الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، فيأخذنا إلى أرضيّة أخرى، معتبراً أن مستقبل الشعر النبطي يعتمد على شعرائه، وأنّه في الحقيقة "مهدد بالتلاشي والاندثار، لاعتماده على شعرائه فقط، على العكس تماماً من شعر الفصحى الذي ينهل من اللغة التي نزل بها القرآن الكريم والتي لا بد لكل عربي أن يتعلمها، والعامية تتغير بمرور الزمن، فعاميتنا ليست هي عامية آبائنا، كما أن عامية أبنائنا ستختلف عن عاميتنا وهذا من أهم أسباب اندثار الشعر النبطي". ولكنه يستدرك فيقول : "لا اعتقد أن كل فن أو أدب في الدنيا يجد له صدى كبيراً في نفوس الناس. لا بد أن يكون له قيمة، ولا بد أن يحظى بالاهتمام طبعاً، لكنّ محاربة أي فن أو أدب عمل غير حضاري، وتجاهل ودفن أي فن أو أدب راقٍ سواء كان يعزف على ربابة أو قيثارة أو يكتب بالعامية أو الأردية أو العربية الفصحى خسارة كبيرة لا تعوض. فليس من حق أحد أن يختار للرسام ريشته وألوانه، أو للعازف آلته الموسيقية، أو للشاعر لغته. دعوا الناس ترسم وتعزف وتكتب الشعر من دون خوف ومن دون عقد". البقاء للأصلح وتقودنا رؤية الشيخ عبدالله بن خميس إلى الاطمئنان على مستقبل هذا الشعر، مع أخذ المعطيات الزمانية والمكانية بالاعتبار. فهو لا يجزم بأنه سينمو ويزداد، ولا بأنه سيتقوقع ويتأخر، بل يعتبر أن "الواقع هو الذي يقول ماذا يكون عليه مستقبل هذا الشعر، ولكل أجل كتاب". وبكل ثقة يقول بن خميس: "أرى أن هذا الفن، يعبّر عن واقع حضاري وواقع مثالي، وواقع يخدم هذه الأمة ويخدم حضارتها ورقيها ومكانتها في المجتمع العربي. فإذا كنا نرى أنه يأتي لنا بجديد ومفيد، ويرقى بواقعنا وبمجتمعنا إلى مثالية نعتز ونفخر بها، فلنا الحق بأن نحميه وندعمه ونحافظ عليه ونرفع مكانته... وإلا فالبقاء للأصلح". ويضيف الشيخ بن خميس: "الشعر الشعبي امتداد للشعر العربي الفصيح. ومن تعمّق في موضوع الشعر الشعبي ودرسه دراسة مستوفية، ودرس مضامينه وأحواله وشؤونه وشجونه، يعرف بلا شكّ أن هذا الشعر يجد امتداده من الشعر العربي الفصيح. وإذا وضعنا جانباً ما يمكن أن يكون في الشعر الشعبي من أحوال واستعمالات وتصرفات يسيرة، يبقى لمنا منه الشعر القيم الموزون المقفى الذي نؤمن تمام الإيمان أنه يرجع في أصله إلى الشعر العربي الفصيح. ومع اعتقادي بان مستقبل الشعر الشعبي هو مستقبل الشعر الفصيح فاني أعود فاقول لكل أجل كتاب". ويدعو الدكتور سعد الصويان إلى التعامل مع هذا الشعر بموضوعية ومن دون تشنج أو مسلمات أيديولوجية لا يسندها الواقع. كما ينبغي برأيه "ألا ننظر إليه على أنه جرثومة خطيرة يجب القضاء عليها، فهو، شئنا أم أبينا، جزء من ثقافتنا التي ينبغي أن ندرسها كاملة غير مجزأة، وبناء عليها يتحدد مستقبل هذا اللون من الشعر". أما الدكتور مرزوق بن تنباك فيواصل هجومه الضاري على هذا الشعر. إذ يرى أن مستقبله "الذهاب مع الريح، مثل غيره من قول العامة ولغتهم" ويعتبر أن "ليس فيه ملمح الحياة ولا طبيعة الاستمرار والبقاء. وما تراه الآن من كثرة قائليه، دليل على موته وذهابه بعد جيل واحد أو جيلين. إنه ميت، وشعراؤه زائلون، وهذه طبيعة اللغة العامية التي لا تدوم، ولا تستمر، ولا تعيش، إلا في جيل أو جيلين، وفي مناطق معزولة وضيقة مغلقة تسود فيها التفرقة والتشتت". ويضيف بن تنباك: "من يظن أن العامية واجهة ثقافية أو حضارية للجزيرة العربية، فهو يضحك على نفسه وعلى قرائه، وعليه أن يعرف أن مهبط الوحي، ومنبت اللغة العربية لا تكون واجهة لغيرها وإنما هي وأبناؤها أصل العربية، وخاصتها وواجهتها الصحيحة هي الثقافة الجامعة. فحضارتنا وتاريخنا لا يكمنان في العامية، ولا تعبر عنهما لغة النبط ولا شعرهم، التمسّك بالعاميّة لا يعد إلا واجهة للتخلف والجهل والانحطاط، ومن يظن غير ذلك عليه مراجعة عقله وتاريخ أمته، وأن يستحي من إطلاق القول على عواهنه، ويفكر قبل اطلاق الأحكام ، ويقنن قوله ويحتاط لمعنى عبارته". ومع تشعب الأراء واختلافها، يعتبر الدكتور سعد البازعي أن "هذا الشعر سيظل مزدهراً، ولكنه لن يكون أبداً بديلاً للشعر الفصيح". ويذهب الشاعر محمد دخيل العصيمي بدوره إلى المراهنة على "مستقبل مشرق للشعر الشعبي، لارتباطه بتراث الأمة واقترابه من الفصحى". ويرى أنه "لن يتقوقع بل سيتطور وينمو، لأنه أدب شعب وتراث أمة. ولكن عليه أن يتطور إلى الأفضل، وان يجتذب الفصحى إلى مفرداته"، ويرى أنه "في فترة من الفترات، أصبح أقرب ما يكون إلى الشعر الفصيح . أما التقنيات الحديثة فلن تذيبه، بل تطوره. إذا زرت شبكة الانترنت، ستجد أن الشعر العامي شغل كثيراً من المواقع، وهذا سبيل إلى تطويره بموجب التقنية الحديثة وليست أذابته". تهريج وفضائح فنية ويدعو العصيمي وزارة الأعلام إلى "حماية الشعر النبطي من المطبوعات التي صدرت باسمه ثم تحولت مطبوعات "تهريج" وفضائح فنية، فنقلت للباحث والمتذوق والعاشق صورة بصيرة عن واقع الشعر ورجالاته وأدبائه، وأخذت تتسابق إلى البحث عن أشباه الفنانات وأخبارهنّ البليدة. فصار هذا الخلط حجّة بيد الذين يحاربون الشعر الشعبي، لاعتقادهم بأنّه يهدم اللغة ويشوّه الثقافة. وعلى الجميع أن يتنبّهوا إلى حقيقة مقلقة: فما تبثه وسائل الأعلام من مسلسلات وأفلام بلغة فقيرة أخطر ألاف المرات على لغتنا وثقافتنا، من الشعر العامي الذي لم يؤثر في اللغة الفصحى منذ ألف عام، بل تأثّر بها. والمؤكّد أن أغلبه والمتقدم منه حفظ مكونات لغوية وأحداث تاريخية سجلت الفترة التي إنعدم فيها التدوين أو كاد". ويرى الشاعر خضير البراق أن "الهرم مقلوب في مجال الشعر الشعبي، واغلب من هم في الواجهة هم دخلاء. وما لم تمتد يد لغربلة هذا الشعر، وتخليصه من شوائبه وأمراضه، فأنه يسير نحو الهاوية وسوف يسقط لا محالة !". ويقول البراق، مثل العصيمي، ب "ضرورة إيقاف المطبوعات التجارية التي تتكسب من وراء الشعر الشعبي، ثم تشكيل هيئة عليا لإعادة تقويم التجربة من وجهة نظر ناضجة، وبحياد أدبي وإبداعي تام، بعيداً عن كل المؤاثرات الأخرى". ويقطع الشاعر راشد بن جعيثن بأن "مستقبل الشعر الشعبي، وليس العامي، زاهر بل إن الحاجة إليه أصبحت ملحة ويجب أن يكون له مكان في الجامعة، وأن يؤسس له كرسي جامعي له، أسوة بالشعوب والأمم المتقدمة". ويلاحظ أن "الإقبال الكبير على الشعر الشعبي، والمكانة الكبيرة التي يحتلها في الجزيرة العربية والخليج، دفعا بالكثيرين من أنصاف الشعراء ، إلى الدخول في المعترك. وقد توافرت لبعضهم عوامل الشهرة لا النجاح، فحقق مكانة ساهم الأعلام في صنعها... ونتيجة لعدد من المؤثرات ظهر على الساحة العديد من المطبوعات التي تعنى بالشعر الشعبي، لكنّها لم تفرز الشعراء الحقيقين من الدخلاء على هذا اللون الشعري الراقي". ويأسف بن جعيثن لكون "بعض المطبوعات التي عرفت بأصالتها، استسلم للسياسة الاستهلاكيّة استجابة لطلب الجماهير، ونتيجة لعجلة النشر المتواصلة. هكذا اتيح للكثير من"المستشعرين" البروز على الساحة، من دون أنْ يكون لهم أدنى حق في الانتماء للشعر الشعبي الاصيل". ويمكن القول كما لاحظ أكثر من مشارك في ملفّ "الوسط"، إن بعض المطبوعات أصبح يحتفي بالشعر العامي، على عواهنه، أكثر من احتفائه بالفصيح، ويعلل الأمير الشاعر خالد الفيصل هذا المنحى بابتعاد الشعر الفصيح عن القاعدة الشعبية، وذلك "بمغالاته في اتباع المذاهب الفنية "المستوردة"، والجري وراء صرعات الحداثة، بغض النظر عن مدى مطابقتها لهوية الأمة وحاجاتها. ومع ابتعاد الشعر الفصيح عن قواعده الشعبية، واقتصاره على النخبة، انتشر الشعر العامي بغثّه وسمينه". وفضاً للنزاع يدعو الشاعر خالد الفيصل الشعر الفصيح أن "يعود إلى قواعده ليصبح شعبياً، كما يدعو الشعر الشعبي أن يرتقي بمفرداته ليصبح فصيحاً، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال". أما الأمير بدر بن عبد المحسن، فيفضّل التحدّث عن طغيان شعراء معيّنين، لا الشعر النبطي بشكل عام. ويقول تعليقاً على احتفاء المطبوعات بالشعر الشعبي: "المتلقي من جهته يبحث عن شعر، ويجد ما يعجبه في نتاج شعراء العامية. ووسائل الأعلام من جهتها تبحث عن النجاح وتقدّم للجمهور ما يطالب به. وإذا كان الشعر العربي الفصيح في الزمن الحاضر هو للنخبة والنخبة فقط، فكيف يطلب من السواد الأعظم من الناس أن يتفاعلوا معه وهو لم يكتب لهم أصلاً؟". وعن تأثير الدخلاء على الشعر الشعبي يضيف: "كان بودي أن أقول ليس لهم تأثير يذكر، ولكن لو أردت الحقيقة فليس من المريح أو الطبيعي أن تجد نوعاً أدبياً شعراؤه أكثر من جمهوره. وأنا هنا أعيب على الشعر العامي كونه متاح وهو ما ذكرته سابقاً، وشهرة شعرائه ونجوميتهم في الجزيرة العربية أغرى الكثيرين في أن يجربوا حظهم لعل وعسى، لذلك أصبح في كل بيت شاعر، ومعظم الشعراء هؤلاء من الصعب أن تجد لديه بيت واحد من الشعر يستحق الذكر!". مطلب جماهيري؟ ومن جانبه يصرّ الشيخ عبدالله بن خميس على أن احتفاء المطبوعات بالشعر الشعبي "مطلب جماهيري أرادته الأمة ومضت عليه، ولا يخضع لاعتبارات تسويقية فقط". ويتفق الدكتور سعد الصويان مع بن خميس في هذا الرأي : "إن للشعر النبطي جمهوره الواسع، وشعبيته العريضة، وربما استغل الإعلاميون هذه الخاصية لأغراض تسويقية...". وحين طرحنا السؤال على الدكتور سعد البازعي، أكّد على الفكرة القائلة بأن احتفاء الصحافة بالشعر الشعبي أستجابه طبيعية لأصالته وتطوره. وما ينشر هذه الأيام في كثير من المطبوعات ووسائل الإعلام، من شعر شعبي ليس كله مقترناً بالشعر النبطي بشكله التقليدي المتوارث المعروف لدى الجيل المسن حالياً. ويضيف:"المجلات التي تنتشر في المملكة ودول الخليج تنشر الشعر النبطي بوصفه موروثاً، نظمه الأجداد وما زال بعض الآباء ينظمونه ابن لعبون، الهزاني، القاضي، تركي بن حميد، محمد السديري، وغيرهم. ولكنها في المقام الأول مجلات معنية بالشعر الشعبي، فالنبطي بالنسبة إلى هذه الأشكال شكل كلاسيكي يتداخل مع الحديث لكنه يختلف عنه". ويواصل مرزوق بن تنباك حملته الشرسة على الشعر، وينتقد طغيانه على الفصيح في الكثير من المطبوعات. والسبب برأىه "غوغائية عالية قوامها البعد عن العناء في التفكير والتأمل، واستجابة العامة والأميين لشعر يمثل الغوغائية، ولأنه لا يحمل فكراً، وليس له ضابط يقيس جيده، أصبح سهلاً أن يقول كل إنسان ما يعتقد أنه شعر، فيظن أنه شاعر عامي أو نبطي من دون أن يشعر بأي فرق، ويصدقه من يرقص معه، معتبراً أنّه يقول شعراً، ويستفيد من سوء التفاهم الباحثون عن الظهور والمستفيدون منه". ويرى ابن تنباك أن "الدخلاء ينشرون هذا الغثاء، وهم الذين تصفق لهم الصحف والفضائيات العربية، وهذا في رأيي نتيجة لفوضى العامية، حيث لا توجد فيها حدود تفرّق بين الأصيل والدخيل، وتميّز بين القادر والعاجز، بين المبدع وصاحب الدراهم والنفوذ". ويشير محمد دخيل العصيمي إلى الدخلاء على الشعر، متوقّعاً أن "الساحة الشعرية ستطردهم وسيذهبون من دون تأثير"،مؤكداً أن "انتشار الشعر العامي والإقبال على طلبه، هما في الأصل التعبير عن رغبة في المعرفة، والتمعّن بجمالية اللفظ في الغزل والحكمة والنصيحة والتوجيه والأرشاد، ونقل أحداث الماضي بصورة صادقة خالية من التلاعب في سياق الأحداث، لأن الشعر العامي نقل تاريخ الجزيرة في العصور المظلمة بصورة أقرب إلى الواقعية. وهذا المطلب الملحّ جعل عدداً من الباحثين يهتم بهذا النوع من الأدب ويحاول مسح الغبار عن ماضيه وتوجيه حاضره وتقويم معوجَّه...". ولا تختلف رؤية خضير البراق عن العصيمي، إذ يرى انه و"منذ أكثر من عقد ونيف تقريباً كان الشعر العامي بالفعل استجابة لمطلب جماهيري يبحث عن مثل هذا اللون. وذلك لاعتبارات كثيرة منها أنه كان يشكل ذاكرة تاريخية لكثير من أحداث البلاد، وسجلاً حافلاً لمواقف البطولات الخالدة، والتحولات التي شهدتها مرحلة مهمة من مراحل التشكل الاجتماعي، فضلاً عما كان يحمله من جرأة في الطرح والتناول ومن تجربة ثرية تنطوي على قيم وأخلاقيات ومثل، كانت تتعرض للاغتيال في بداية الثورة الإعلامية والعلمية المعاصرة. أما بعد ذلك، فأصبح هذا الشعر مادة تستغل لنواحي تجارية وتسويقية، وهذا ما جعله عرضة للابتذال والمسخ". أما راشد بن جعيثين، فيرى أن الإهتمام بصحافة الشعر الشعبي "خطوة أولى لفتح أبواب مدينة هذا الشعر الثقافية، ويتم ذلك بتلمس هاجس المتلقي المقبل إقبالاً شديداً على هذا الأدب"