قدم الأستاذ سعد بن عبد الله الجنيدل مجموعة من الأعمال المهمة التي تتعلق بجغرافية الأماكن، أصبحت من المراجع القيمة التي يستفاد منها، كما أنه شارك بجهد كبير في تأصيل دراسة جغرافية المملكة العربية السعودية. ومن بين الكتب الرائدة التي ألفها الأستاذ الجنيدل كتابه المتميز (معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري) الذي نشرته دارة الملك عبد العزيز ضمن ما أصدرته بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية سنة 1419ه. وقد وضح في مقدمته أنه قضى سنوات في سبيل إعداد هذا الكتاب، بدأ فكرته بقراءة كتب السنة، ثم قام باستخراج ما ورد فيها من الأمكنة داخل جزيرة العرب وخارجها، ثم قارن بين ما استخرجه وبين ما ورد في الجزء الثامن من المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الذي أعده (أرنت يان ونسنك) ويشير إلى أنه اختار الكتب الموثوقة القديمة والحديثة في مختلف الفنون التي لها صلة بعمله هذا من كتب التفسير والحديث والسيرة والجغرافيا والأدب واللغة والأطالس لتكون مراجعه التي اعتمد عليها في تأليفه. والكتاب مرتب على حروف الهجاء حيث يذكر اسم الموضع ويضبط شكله كتابة، ثم يورد الحديث المذكور في الجامع الصحيح للإمام البخاري الذي ورد فيه الاسم، وبعد ذلك يعود إلى نقل ما ورد عنه في المراجع، كما يسرد تعليقات خاصة به يناقش فيها بعض المعلومات التي وردت في المراجع القديمة والحديثة. وكمثال على منهجه نورد بعض ما ذكره حول بئر جمل فقال: (بباء موحدة مكسورة بعدها همزة ساكنة وآخر راء مهملة، مضاف إلى جمل بالجيم المعجمة واحد الجمال من الإبل: بئر في المدينة في ناحية الجرف،. روى البخاري بسنده عن أبي جهيم الانصاري قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام. قال ابن حجر: قوله من نحو بئر جمل: أي من جهة الموضع الذي يعرف بذلك، وهو معروف بالمدينة.. وقال المجد: بئر جمل معروفة بناحية الجرف في آخر العقيق، وعليها أموال أهل المدينة.. قال ياقوت: بئر جمل: بالجيم، يلفظ الجمل من الإبل، موضع بالمدينة فيه مال من أموالها... وقال المطري: في حديثه عن آبار المدينة: والآبار المذكورة ست، والسابعة لا تعرف اليوم إلا بما يسمع من أقوال العامة: انها بئر جمل، ولا يعلم أين هي، ولا من ذكرها غير ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.. قلت: وقد اطلعت على ما كتبه الاستاذ عبد القدوس الانصاري عن آثار المدينة ومواضعها الجغرافية، ولم أجد لهذه البئر ذكراً بين ما ذكره من آبار المدينة وآثارها ويبدو أن ذلك لأن هذه البئر قد درست معالمها فأصبحت غير معروفة في هذا العهد، ومما تقدم يتأكد أن بئر جمل تقع في الجرف من ناحية العقيق في المدينة...). ويوضح لنا النص السابق الذي اقتبسناه مع شيء من الاختصار مقدار الجهد الذي بذله الأستاذ الجنيدل في تأليف هذا الكتاب القيم الذي يربط لنا أقوال العلماء من السلف مع أقوال المعاصرين ثم ما يدلي به شخصياً من آراء قيمة نافعة. وهو من وجهة نظري يعد عملاً تأصيلاً مهماً، ولا شك أننا في حاجة إلى الإكثار من مثل هذا التوجه الذي يستفاد فيه من التراث العربي مع المقارنة والتمحيص والتدقيق في الأقوال للوصول إلى المعلومة الصحيحة، وما كان الأستاذ الجنيدل سيتمكن من تأليف مثل هذا الكتاب لولا تحليه بالصبر وسعيه الجاد ومثابرته على القراءة والمتابعة، أسأل الله أن يمد في عمره ليتمكن من تحقيق ما يسعى إليه بمواصلة البحث على المنهج نفسه في بقية كتب السنة.