* الموهبة الفطرية في مجال الرياضة - وفي كرة القدم خصوصاً - أصبحت عملة نادرة.. ليس لدينا فحسب.. بل على مستوى العالم.. فسابقاً كان أغلب لاعبي كرة القدم في الفريق الواحد يتميزون بالمهارات الفائقة.. والموهبة الكروية.. التي كانت مصدراً للمتعة.. وسبباً في متابعة الكثيرين للعبة كرة القدم.. وحضورهم للملاعب لمشاهدة تلك المواهب على أرض الواقع.. فالاستمتاع بفنون اللعبة كان مقصداً وهدفاً لأغلب الجماهير التي تحضر إلى الملاعب.. والتي تعتبر اللاعب رقم (12) في أي فريق.. أو بالأصح رقم (1)..! * الفوز وحصد البطولات - بكل تأكيد - هو المطلب والطموح الأول لدى مشجعي أي فريق في العالم.. وهذا أمر يحتمه مجرد الانتماء الرياضي في نفس كل مشجع.. فليس من الطبيعي أن يكون هناك ناد رياضي يتمتع بجماهيرية طاغية وفي نفس الوقت لا يحمل سجله أي لقب.. أو عدة ألقاب.. فالبطولات وتحقيق النتائج هو ما يجعل جماهيرية النادي في تزايد مستمر ومع مرور الأجيال.. والعكس.. * ولكن بالنظر إلى سلوك الجماهير الرياضية الآن.. وسلوكها في الماضي.. سنجد أن هناك تبايناً واضحاً في ردود الأفعال الصادرة من جماهير ناد ما تجاه النتائج والمستويات التي يقدِّمها ناديها.. فسابقاً عندما يخسر النادي لقباً.. أو حتى مباراة دورية تتوقف ردة الفعل على المستوى الذي قدَّمه اللاعبون على أرض الملعب.. طبعاً ستواجه إدارة النادي.. ولاعبوه.. ومدربه غضباً جماهيرياً عقب تلك الخسارة.. ولكن ستختلف حدة الغضب الجماهيري في حالة تقديم اللاعبين مستوى فنياً مرتفعاً.. عنها في حالة المستوى الفني المتدني.. وهنا يبرز دور (درجة المتعة) التي يقدِّمها لاعبو الفريق لجماهيرهم وعشاق ناديهم..! * على عكس ما يحدث الآن.. فالنتائج والفوز فقط وتحقيق البطولة تلو الأخرى ما زالت هي المطلب والطموح الجماهيري لدى مشجعي كرة القدم ولكن في حالة الهزيمة - غير المقبولة بتاتاً لديهم - فسينال النادي ومنسوبوه نفس درجة السخط.. سواء كان المستوى الفني في القمة.. أو في القاع.. بل قد نشاهد في بعض الأحيان أحد الفرق يقدِّم لنا كرة قدم راقية فنياً لكنه خسر لظرف أو لآخر.. أو ربما لم يحالفه التوفيق بالفوز.. بينما جماهير هذا الفريق تصف إدارته بالفشل..ولاعبيه بالخذلان والتهاون بشعار الفريق.. ومدربه بعدم صلاحيته للقيام بمهام مدرب كرة.. بل قد يتجاوز الأمر إلى الاتهام.. والطعن.. والتواطؤ.. وما إلى ذلك من ردود أفعال الجماهير.. الواقعية وغير الواقعية..! طرق اللعب - الموهبة - سلوك الجماهير!! * وعند هذا التحول في سلوك الجماهير الرياضية.. يتبادر إلى الذهن تساؤل قد يتفرع منه تساؤلات عديدة.. تحتاج إلى البحث والدراسة والتقصي.. هذا التساؤل الأساس هو: - أيهم سبب في ظهور الآخر؟ 1- التحول الواضح في سلوك الجماهير الرياضية وردود أفعالها. 2- ظهور خطط اللعب الدفاعية التي ينتهجها أغلب الأندية والمنتخبات من أجل تحقيق النتائج بغض النظر عن المستوى الفني.. والمتعة الكروية. 3- ندرة اللاعبين الموهوبين أصحاب المهارة واعتماد المدربين على اللاعب (المؤدي) أكثر من اللاعب الموهوب. أم أنها دائرة واحدة.. كل نقطة على محيطها ترتبط بجميع النقاط الأخرى على نفس المحيط؟! نحتاج إلى أكثر من (ثنيان)!! * لعل المتذوقين لفن كرة القدم والرياضيين العارفين بفنون هذه اللعبة.. يتفقون معي على أن القائد الهلالي المعتزل يوسف الثنيان هو أكثر اللاعبين الذين مروا على تاريخ كرة القدم السعودية وأقدرهم على تقديم المتعة الكروية التي يطرب لها وينشدها متابعو وعشاق اللعبة.. أعلم أن كرتنا قدَّمت لنا العديد من الموهوبين والمبدعين الذين لن تنساهم الجماهير السعودية ولكن تبقى (موهبة الثنيان) حالة خاصة تقفز إلى الذاكرة عندما يكون الحديث عن الموهبة.. والمهارة الكروية النادرة..! * فماذا لو كان لدينا الآن أحد عشر (ثنياناً) في مختلف الأندية؟ وهذا عدد يكاد لا يذكر مقارنة بعدد اللاعبين المسجلين في كشوفات الاتحاد السعودي وعدد الأندية لدينا ولكي يكون السؤال بعيداً عن (لو) وملامساً للواقع أو بعضه.. سأعيد صياغته ليصبح: (هل كان بالإمكان أن نشاهد في ملاعبنا أكثر من ثنيان.. أو أجيالاً من ماركة ثنيان..؟! * أو على أقل تقدير: (هل استطعنا أن نستثمر موهبة الثنيان كاملة؟ ونوظِّف مجموع ما يملكه من قدرات ومهارات من أجل تحقيق الفائدة والإنجازات أحدهما أو كليهما لرياضة الوطن سواء على مستوى المنتخب الوطني أو النادي؟! * أكاد أجزم بأن (يوسف) كنموذج كان بالإمكان أن تأتي مساهمته وفعاليته في تحقيق مكتسبات كروية للرياضة السعودية أضعاف ما قدَّمه لنا طوال مشواره الكروي الذي جاوز العشرين عاماً (مع أن تلك المساهمة كانت كبيرة مقارنة بأي لاعب سعودي آخر)! * أقول ذلك بعد أن رحل يوسف الثنيان بموهبة لم نستعرض جميع تفاصيلها وليس بأيدينا أن نعيد عجلة الزمن للوراء كي نستخلص تلك الموهبة كاملة وربما رحل قبله من كان بالإمكان أن يقدِّم لنا متعة كروية (ثنيانية) لو تم اكتشافه والتعامل معه كموهبة تحتاج إلى معاملة مختلفة عن العناصر (العادية)..! * نغرس مبدأ (لكل مقام مقال) في عقول أجيالنا.. ويؤكِّد علينا آباؤنا - حد الضرب - أن لكل شخص يقابلنا تعاملاً مختلفاً عن البقية.. ولكن عندما يتعلَّق الأمر بالتعامل مع خليط من (الموهوبين) و(العاديين) وإدارة هذه المجموعة وقيادتها نحو تحقيق هدف معيَّن فإننا سنعامل الجميع بنفس المبدأ بغض النظر عن حجم الموهبة لدى كل منهم وعن مدى توافرها من عدمها..! * الموهبة أو الموهوب بحاجة إلى تعامل معيَّن ورعاية خاصة ومبادئ مختلفة عنها في حالة الشخص العادي كمبادئ السيطرة على المواهب.. وتوجيهها بشكل صحيح.. وفق الطرق العلمية المتبعة في (حالات الموهبة) المختلفة.. فحتى طرق التعليم والتلقين تختلف في حالة الشخص الموهوب عنها في حالة الشخص غير الموهوب..! فواصل؛؛؛ منقوطة * يأتي غياب الموهبة الكروية القادرة على الإمتاع من أهم أسباب تزايد العزوف الجماهيري عن حضور المباريات خلال الأعوام الماضية..! * اللاعب الموهوب عادة ما يبقى في الملاعب فترة أطول من اللاعب المؤدي.. فالذكاء والعقل الكروي لا ينخفض بمرور الزمن، أو بالأصح لا يتأثر بالقدر الذي تتأثر به العضلات وقدرتها على العطاء..! * نحتاج إلى مدارس وأكاديميات متخصصة.. تهتم بالموهبة الكروية بجانب اهتمامها بالتحصيل العلمي والمعرفي لأولئك الذين يملكون تلك الموهبة.. أو على الأقل تفعيل وتكثيف الرياضة المدرسية في مدارسنا وجامعاتنا بشكل علمي ومدروس.. وتحت إشراف خبراء متخصصين في هذا المجال..! * التأهيل الإداري للمشرفين المباشرين على اللاعب الموهبة بات ضرورة تفرضها التجارب والحالات السابقة.. فالكثير من المواهب خسرتها أنديتنا جراء الجهل الإداري بكيفية التعامل مع الموهوبين ولو قامت الأندية أو الاتحادات بتنظيم دورات متخصصة في علم الاجتماع وعلم النفس وكيفية التعامل مع حالات الموهبة والإبداع ليلتحق بها إداريو الأندية ومديرو الكرة والمشرفون لساهم ذلك في تصحيح بعض المفاهيم الإدارية الخاطئة لدينا.. وبالتالي تقليص خسائرنا من المواهب بسبب تلك المفاهيم. * أعود إلى سلوك الجماهير الرياضية وتساؤل لا يقل قلقاً عما سبقه من تساؤلات: (متى نمارس التشجيع الرياضي بشكل ممتع حتى لجماهير النادي المنافس.. ولا يقل عن المتعة التي نطلب من لاعبي أنديتنا أن يقدِّموها لنا..؟!) ربما قريباً نعرف متى نقوم بذلك..! * مجرد رأي شخصي: نشوة الجمال ومتعته أجمل وأعمق من نشوة انتصار منفردة.. فأعيدوا اكتشاف الجمال والمواهب.. والمبدعين القادرين على منحنا جرعة من المتعة الكروية بالإضافة إلى الانتصارات بحيث لا نشعر بالفقد عندما نقف على شرفة التاريخ مطلين على موهبة كيوسف الثنيان أو ماجد عبد الله..! * إجابة نموذجية للعنوان: نحن لا نحتاج إلى (ثنيان) كي يعيد المتعة للجماهير والحياة للمدرجات وحسب..! بل في ظل الوضع القائم.. الذي شحت فيه المتعة.. واكتست الملاعب بالجفاف وبدت أرجاؤها خاوية.. وأصبح عوزنا إلى مثله مؤلماً حد اعتزاله ويوم رحيله..! فهل من (يوسف) ثان..؟! * فاصلة أخيرة.. كل من لديه ذرة من العقل وقليل من القراءة في سجلات الأندية السعودية وتاريخها.. سيجد أن نادي الهلال حصد كل ما من شأنه أن يتوِّجه زعيماً للأندية.. فالبطولات المحلية والخارجية التي يملكها الزعيم ليست لدى ناد سواه.. والمستويات الهلالية لم نر نادياً آخر يقدِّم مستوى يفوقها.. فعلى أي أساس تُبنى هذه الأولويات..؟! وأي أمانة.. ولجان.. وإعلام.. وأقلام تتجاهل ما حققه الهلال وتطبل لغيره بهكذا بلاهة..؟! أم أن الاتحاد الدولي الحالي لكرة القدم.. وعبر السنوات الماضية كان لكره الهلال..؟! الإنجاز للوطن لا خلاف على ذلك.. ولكن الحق أولى أن يُتبع..!.. ولكم أجمل تحية،،، [email protected]