هناك قصة طريفة يتردد صداها في أروقة الأممالمتحدة تحكي واقع العالم من خلال دراسة أجرتها الأممالمتحدة تتلخص في سؤال واحد وهو: (هل من الممكن أن تعطي رأيك بنزاهة عن الحلول لنقص الغذاء في بقية العالم؟) وكانت نتائج الدراسة الفشل الذريع ففي أفريقيا لم يفهم الأفارقة ماذا تعني كلمة (الغذاء) وفي شرق أروربا لم يعرفوا ما تعنيه كلمة (النزاهة) وفي غرب أوروبا لم يعرفوا ماذا تعني كلمة (النقص) وفي الصين لم يعرفوا ماذا تعني كلمة (الرأي) وفي الشرق الأوسط لم يعرفوا ماذا تعني كلمة (الحل) وفي جنوبأمريكا لم يعرفوا ماذا تعني كلمة (هل من الممكن؟) وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يعرفوا ماذا تعني كلمة (بقية العالم). وهكذا ضاع سؤال الدراسة بين وعي الشعوب وواقعها وتبقى الحقيقة المرة حول الإنسانية وحقل الطفولة الشائك فيها وشبح الجوع يخيم على العالم ويرزح تحته أكثر من 800 مليون إنسان في العالم - بينهم 300 مليون طفل - يعانون من نخر ألم الجوع ومن الأمراض والإعاقات الناجمة عن سوء التغذية. نص ميثاق حقوق الأطفال عام 1924م (على أن الجنس البشري يدين للطفولة بمنحها أفضل ما يملك) وقد أوصت الجمعية العامة في عام 1954م بأن تقيم جميع البلدان يوماً عالمياً للطفل يحتفل به بوصفه يوماً للتآخي والتفاهم على النطاق العالمي بين الأطفال وللعمل من أجل تعزيز رفاه الأطفال في العالم. واقترحت على الحكومات الاحتفال بذلك اليوم في التاريخ الذي تراه كل منها مناسباً، ويمثل تاريخ 20 نوفمبر (تشرين الثاني) اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة إعلان حقوق الطفل في عام 1959م واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989م، والتي حصلت حتى الآن على أكثر تصديقات في تاريخ معاهدات حقوق الإنسان، حيث بلغ إجمالي الدول المصادقة 191 دولة، مما يبشر بإدراك الأمم أن حقوق الطفل بدأت تطفو وتتصدر واجهة الحياة المدنية والاجتماعية كأولية حتمية وركن أساسي في سنن تغيير المجتمعات للنهوض بها، وأن اغتيال حقوق الطفل أو إهمالها يترتب عليها انزلاقات خطيرة للمجتمعات في هاوية الفساد والتحلل في الدرك الأسفل من الضياع. كانت الاتفاقية تمثل مجموعة متفق عليها من المعايير والالتزامات التي تزكي موقع الطفل وأوليته في أجندة الدول لشق طريقها المعبد بأشواك العولمة والإرهاب والفقر والحروب والجريمة المنظمة والنزاعات في السعي الدؤوب لإقامة مجتمع يسوده العدل والسلام. وقد حددت الاتفاقية الحقوق الأساسية للأطفال في كل زمان ومكان وتتجسد جملة وتفصيلاً في حقهم في البقاء وفي النمو إلى أقصى الحدود وحقهم في الحماية من المؤثرات الضارة والاستغلال السيئ وحقهم الكامل في المشاركة والمساهمة في كل مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية والأسرية وباختصار تصون الاتفاقية الحقوق بالنص على معايير يتعين تطبيقها في مجالات الرعاية الصحية والتعليم، فضلاً عن الخدمات القانونية والمدنية الاجتماعية، وكما تؤطر هذه المعايير بوضوح المعالم المرجعية التي يمكن الاستناد إليها في سن معيار جديد لقياس تطور وتقدم الدول بمدى تطبيقها والتزامها وتفعيلها لحقوق الطفل بين ثنايا سياساتها وأولوياتها وجداول أعمالها وتستند الاتفاقية إلى أربعة مبادئ أساسية: عدم التمييز (المادة 2) ومصالح الطفل الفضلى (المادة 3) وحق الطفل في الحياة والبقاء والنمو (المادة 6) واحترام آراء الطفل (المادة 12). وقد اعتمدت الاتفاقية تعريف الطفل على أنه: كل صبي أو فتاة لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ويعتبر الطفل فرداً كاملاً في أسرته ومجتمعه بآن واحد، وله الحق في أن تتاح الفرصة له ليكون منتجاً وحر الرأي، فالطفل هو إنسان له طائفة كاملة من الحقوق. منذ بدء حملات التوعية بحقوق الأطفال والجهود تتضافر لتتشكل جبهات رئيسية تحوي أحواضاً ومصبات لهذه الأنهر من الطاقات والجهود متكرسة في حوض التوعية بحقوق الأطفال ومعاهداتها وحوض دعوة التضافر من أجل إزالة الألغام الأرضية المضادة للأفراد وحوض عمالة الطفولة وحوض تجنيد الطفولة وحوض الاتجار غير المشروع والاستغلال الجنسي السيئ للطفولة ورفد كل هذه الجهود بإنشاء حوض مجلس لليونيسف يتلقى التبرعات لتمويل ودعم خططه. وفي حوض تجنيد الأطفال نجد إحصاءات اليونيسف تنبئنا بتورط أكثر من 300 ألف طفل تحت الثامنة عشرة في الصراعات المسلحة في أكثر من 30 دولة وبيان أن آلة الحرب والصراعات قد طحنت أكثر من 2 مليون طفل خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وكما أصيب 4 إلى 5 ملايين طفل بإعاقات مستديمة وتشرد أكثر من 12 مليون طفل يفترشون الأرض مهادا والسماء لحافا وتعصف بهم رياح الجوع. وفي حوض الألغام يفجر إحصاء اليونيسف الحقيقة الكارثية في انتشار ما يزيد على 60 إلى 70 مليون لغم أرضي مضاد للأفراد في 68 دولة أي بواقع لغم واحد لكل 19 طفلاً في العالم (وتشير التقديرات في أفغانستان وحدها إلى انتشار 13 مليون). وفي جبهة الصراع ضد الاستغلال الجنسي البشع للطفولة والاتجار غير المشروع بهم تقدر إحصاءات اليونيسف تداول 2 مليون امرأة وطفل كسلع تباع وتشرى في سوق النخاسين للجنس والتي تقدر ببلايين الدولارات وتعبر هذه التجارة الحدود بين الدول زاجة الأطفال في مستنقع الدعارة ووحل المواد الإباحية وتضرب شطآن حوض عمالة الطفولة أمواج العولمة، ففي تقرير منظمة العمل الدولية وجود 250 مليون طفل ما بين الخامسة والرابعة عشرة يعملون في الدول المتقدمة ويوجد أكثر من خمسين مليون طفل تحت سن الثانية عشرة يعملون بأجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تقي برداً أو ترد قرا وفي ظروف خطيرة في أعماق المناجم ومكبات النفايات والمصانع غير المجهزة بأنظمة السلامة. وفي جبهة الصراع لإزالة عمالة الطفولة تم إقرار المعاهدة 182 للحد من إساءة الاستخدام الشنيع في عمالة الأطفال ووقف ممارسات استعبادهم وفي تصديق 89 دولة على المعاهدة في 26 يونيو 2001م كل الأمل وتأكيد إرادة المجتمع الدولي في إزالة الممارسات السيئة والشائنة في عمالة الطفولة. وما زال لواء حقوق الأطفال في فلسطين مخضباً بالدم وفصله ما زال في خريفه تتساقط فيه براعم الطفولة بفعل أعاصير شرور الإرهاب والصراع والحقد الفتاكة. وفي العراق يموت واحد من كل ثمانية أطفال قبل بلوغه سن الخامسة من سوء التغذية. وفي قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين يعاني واحد من كل خمسة أطفال من سوء التغذية أيضاً. وبينما تصف إسرائيل الأطفال الفلسطينيين بالإرهابيين يبقى مستقبل أكثر من 1.8 مليون طفل فلسطيني في وضع خطر. وتعقب البروفيسورة كاي من جامعة ستي في لندن في المؤتمر الأخير الذي عقد في نيويورك في منتصف سبتمبر الماضي حول فلسطين حول انتهاكات إسرائيل لحقوق الطفل الفلسطيني قائلة: (منذ عام 1967م احتجزت إسرائيل أكثر من ستمائة ألف فلسطيني، ومنذ الانتفاضة وحتى منتصف العام الحالي سجنت 2650 طفلاً في ظل سلطة قضائية لم تسمح لهم أن يعرفوا التهم الموجهة إليهم أو أن يعينوا محامين للدفاع عنهم) وكما تتابع وصف الاحتلال قائلة بأنه بين منذ عام 2000م وحتى فبراير 2003م تم قتل 132 طفلاً فلسطينياً أثناء ذهابهم للمدرسة). نأمل أن يستيقظ الضمير العالمي ليقف بحزم ضد عبودية الأطفال بكل مظاهرها وأن يقف تدفق الأطفال كوقود في محرقة آلة الاقتصاد العالمي والعنف، ولنوقف تقديم أطفالنا كقرابين إلى مارد السياسة والاقتصاد ولنغير العالم والأطفال معنا.