الإنسان إذا استقبل الحياة بالنفس الواسعة فإنه يرى السرور يزيد ويتسع والهموم تصغر وتزول والدنيا إذا ضاقت فإن الإنسان هو الذي يضيق لا هي، فما أصدق من قال ان النفس إذا مرضت مرضت الدنيا معها. والناس يختلفون فمنهم المرح الفرح ومنهم المتشائم الممعن في تشاؤمه فالإنسان المرح العاشق لجمال الطبيعة فهو حين مروره على وردة يقف ويتأملها وقد أوحت له بكل المعاني وشتى الصور وكأنها ألفاظ حب رقيقة مغشاة والنسيم حولها كثوب حسان على حنان فيه تعبير عن من لبسته وتغريد البلابل يحس بأنه يغني له فرحا وطربا وثرثرة جريان المياه الجميلة والتي تشبه ثرثرة الطفل الطاهر البرئ والبرق يشق الظلام من أجل تحيته وتفريج كآبته أما النوع الآخر وهو المتشائم الذي تبلد احساسه ومات شعوره وانقطع كل عرق ينبض فيه بحب الطبيعة، فإنه إذا دخل حديقة غناء وسمع تغريد البلابل وحكاء العصافير يحس بأنها تنوح وتبكي وكذلك تمايل الخمائل يحس أنها تمايلات الموت والجبال وقد لفها المساء بسرباله الكثيف يحس أنه شيخ معمم على كرسيه، فما أجمل المرح وأقبح الشؤم وما أجمل الأرض إذا جادها المطر فإنها تبدو فتنة للناظرين وقد تبرجت بعد حياء وخفر وكأنها عروس ليلة زفافها، وينعكس معناها على النفس فإنها إذا صفت رأت الجمال حتى في القبح والدمامة.