يروى عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه رأى معلما، وقد أساء تصرفا فأراد ان يعاقبه فشتمه الرجل فتركه عمر وانصرف، فقيل يا أمير المؤمنين أتتركه وقد شتمك؟ فقال: لقد تركته لأنه أغضبني، فلو عاقبته لكنت قد انتصرت لنفسي، وأنا لا أحب أن أعاقب مسلما لحمية في نفسي. بهذا المنطق الكريم والشعور الطيب الذي يمتلىء نبلا وإحساسا وعطفاً وحنوا يصدر مثل هذا الكلام عن عمر- رضي الله عنه- أما كان الأجدر بنا أن نترسم هذه الخطى ونسير على نهجها.. إن عمر- رضي الله عنه- يعلمنا أن من سماحة الإسلام غض النظر عن الزلات التي تصدر نتيجة انفعالات نفسية وغضب تجعل من المرء لا يحكم عقله، ولا يملك لسانه ومنطقه، فتراه يثور لأتفه الأسباب، ويتعجل في إصدار كلام غير موزون يوجهه بسبب أو بغير سبب مما يتوجب على الموجه إليه مثل هذا أن يتحلى بالصبر وبطيب الأخلاق وحسن الاعتقاد صادق اللهجة، خفيف المهجة عفيف الطباع، ولا يقابل أخاه وإن أساء إليه.. إلا بالحسنى وطيب الخاطر، وبما يوحي إليه وبطرف خفي أنه قد أساء إليه، ولكنه رغم هذا يقابل إساءته بالإحسان، ويتحتم عليه عندئذ إصلاح خطئه في محاولة منه لفتح صفحة جديدة بيضاء مشرقة كلها محبة وتقدير واحترام متبادل تبشر بمستقبل طيب أفضل تدعو إلى الارتياح وتستقر المودة الايمان والشعور بأن أية أحقاد أو ضغائن أو سحب تنصب نفسها فاصلا بين الأخ وأخيه لابد أن تحطم على صخور المودة، وأن تنقشع غمامتها، وأن تتبدد معالمها مهما طال الزمان أو قصر، فالتعايش والتآلف واجب حتمي يفرضه الإسلام بل وتقضيه اللحم والدم والعرف، فلو عاقب مثلا شخص امرأ على فعلة فعلها في غيره يستحق عليها عقابا، وهو يملك فرض هذا العقاب لكان مقبولا ومنطقيا إلى حد ما، أما أنه ينتصر لنفسه في ظروف غير ملائمة قد أوجدها التوتر والانفعال النفسي، ويعتقد في قرارة نفسه أنه بايقاعه هذا العقاب يكون قد أشفى غليله، وأنه قد رد الصاع بصاعين فهذه أمور مستهجنة وتعتبر لا منطقية، والإسلام بما فيه من تسامح يحددها نظام تشريعي سماوي كريم محدد المعالم واضح الاهداف والغاية السامية يعلمنا الادب بما فيه من معطيات بل ويعلمنا الطريقة المثلى للتعامل الطيب السمح، وللصفح عن كل زلة لا قصد منها الشر ولا المكروه لأخينا المسلم.. وعمر -رضي الله عنه- يضرب لنا مثلا بل أمثالا رائعة، فهذه لنستشعرها ونؤمن بجدواها إذا طبقناها عن حق، وحقيقة وأدركنا أن من أفضل منا قد نفذها وارتضاها قبل غيره بنفس راضية يدفعه قلب طاهر يمتلىء إيماناً وعزيمة وثقة وتواضعا وإحساسا بمشاعر الناس، فما آن لنا أن نقتفي أثره- رضي الله عنه- في هذه الخصلة من الخصال الحميدة الكثيرة التي يتحلى بها- رضي الله عنه-. {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.