أشعر ان منظمي معرض فرانكفورت الدولي للكتاب قد وقعوا في (ورطة) عندما قرروا استضافة العالم العربي (بأكمله) في فعاليات هذا المعرض الذي تنطلق نشاطاته هذا الأسبوع.. هذه الورطة شعر بها مسؤولو المعرض لما شهدوه من اختلاف العرب أنفسهم حول طبيعة مشاركتهم وبرامجهم المعدة لذلك رغم أنهم اخطروا العرب بذلك قبل مدة طويلة. ولان الألمان بطبيعتهم منظمون في حياتهم توقعوا ان العرب كذلك.. ولكن الرؤية الالمانية لم تكن في محلها.. فهم -أي الألمان- يعرفون ان العالم العربي تجمعه ثقافة واحدة ولكنهم لا يتصورون ان العالم العربي يضم اطيافا كثيرة ومصالح متعارضة ورؤى متصارعة كل صاحب رؤية يحاول فرضها على الآخرين من منطق ان ذلك يعكس شعورا بالقوة.. اضف الى ذلك ان بعض المثقفين العرب لا يزال يؤمن بمركزية الثقافة وأطرافها في ظل عالم جديد لا يقر مثل هذه الأساليب البالية في التعامل خاصة بين الاشقاء! وعندما كنت اتابع تحركات الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى كنت اشفق عليه كثيرا فهو يبذل جهدا كبيرا في لملمة الخلافات العربية التي وصلت حالها الى الاختلاف الثقافي أيضاً.. بدءاً من جمع ميزانية المشاركة في معرض فرانكفورت التي تخلف عن المساهمة فيها كثير من الدول العربية.. وتوقف الأمر عند الدول العربية التي تدفع دائما مساهماتها في برامج الجامعة العربية والتي دائماً تكون غالبيتها أيضاً من الدول (النفطية)!.. وانتهاء بتحديد برامج مشاركة العالم العربي في معرض فرانكفورت التي اختلفت فيها العرب أيضاً.. فكل طرف حاول ان يفرض اجندته الخاصة من باب الخصوصية او من باب الهيمنة الاقليمية او من باب اثبات الذات.. لم يكن لدى كل الاطراف وعي انهم يمثلون ثقافة عربية واحدة.. بل كانت المصالح الوطنية الضيقة هي الغالبة والمهيمنة في النقاشات الدائرة.. لذا لا تجد حرجا عندما تسمع في اروقة الاجتماعات مسميات مثل الثقافة المصرية او الثقافة السعودية او الثقافة الفلسطينية.. الخ تجعل من السامع يتساءل: هل هذه عقلية من يفكر او يصنع ثقافة؟.. بل ان الصحافة العربية مارست هذا الدور المشين في كل الدول العربية عبر ابراز اسماء مثقفيها وما سيقدمونه في معرض فرانكفورت من ابداعات محلية تمثل نفسها فقط وهي خارج سياق ما يقدمه الاشقاء الآخرون! لو كنت امينا للجامعة العربية لاختصرت الاجتماعات غير المجدية التي يطغى فيها السياسي عن ما سواه وألغيت المحاضرات التي سيلقيها المثقفون العرب في المعرض واكتفيت بتقديم عرض حي لسوق عكاظ -أهم اسوق العرب قديما- وعرضت ايضا اهم انجازات العرب الحضارية بالصورة فقط.. لان الصورة افضل بلاغة من الاسهاب في الكلام وأكثر اختصاراً للوقت وادق علميا لانك تترك الخيار لدى الزائر غير العربي للمعرض لان يصدر حكمه دون ان تجبره على التعاطف معك بكلام منمق قد تحرجه في اصدار رايه بحرية أمامك! لست متشائماً ولكني اعرف ان مشاركة العالم العربي ستكون غير مقبولة وستحدث اثرا عكسيا عند ما يسمع الزائرون للمعرض ما يقال وما يحدث في اروقة المعرض.. لا تتعجب فستسمع من يجادل بأن تجربة نجيب محفوظ هي الأهم في الرواية العربية وستجد من يعارض القول ان تجربة عبدالرحمن منيف هي الأهم وفي الشعر ستجد اختلافا كبيرا بين ما يطرح من أهمية في الاسماء بين درويش ونزار والجواهري وادونيس والبياتي والثبيتي. كل مثقف سوف يستدعي مشاعره الوطنية الخاصة ليدافع عنها أمام الأجانب ضد اشقائه وكأن معنى مشاركة العالم العربي في هذه التظاهرة الثقافية هو اقصاء كل طرف عربي لاخيه العربي الآخر حتى ولو كان الانتماء واحداً ولكنها السياسة يا صديقي! لست متشائماً.. وللتذكير فقط استعيدوا تفاصيل قصة ترشيح غازي القصيبي لليونسكو وكيف اختلف العرب في تحديد اسماء مرشحهم لهذه المنظمة الدولية وكيف حاربوا بعضهم البعض في الخفاء وبالتالي ضاعت الفرصة على العرب في ان يقود هذه المنظمة شخصية عربية مرموقة. والحمد لله الذي أبقى لنا غازيا هنا ليحارب تجار العمالة! العرب: قضية ثقافية! [email protected]