يُفتتح معرض فرانكفورت للكتاب مساء الاربعاء المقبل ويستضيف العالم العربي في تظاهرة ثقافية كبيرة، ويحضر عمرو موسى الامين العام للجامعة العربية حفلة الافتتاح. وقال موسى امس ان معظم الدول الاعضاء في الجامعة "يدعمون هذا التوجه الثقافي الذي يقام على مدى خمسة ايام ويهدف الى تقديم وجهة نظر ايجابية عن العالم العربي الى آلاف المفكرين الالمان الذين سيجتمعون خلال المعرض". وأعلن امس عن فوز الكاتب المجري بيتر ايسترهازي بجائزة "معرض فرانكفورت للكتاب" للسلام، "لكتاباته الساخرة التي صور فيها الكد الذي يعانيه كل انسان تحت الحكم الشيوعي". ويتسلم الجائزة التي تبلغ قيمتها 15 ألف يورو 18 ألف دولار في آخر أيام المعرض يوم 10 تشرين الاول اكتوبر. في سياق الاستعدادات العربية للمشاركة في معرض فرانكفورت، التي تنطلق فاعلياته في الخامس من تشرين الأول أكتوبر الجاري، وعلى رغم ما ينشر من كتابات متشائمة عن عدم نجاح العرب في تقديم صورة مضيئة تعكس ما يحصل فعلاً من حركة ثقافية وفكرية، وتحل بديلاً عن الصورة السلبية التي يتم تداولها في الغرب بكامله، غير أن كل دولة عربية تقوم على حدة، بالمتابعة والإشراف على ما ستقدمه من نشاطات أو ما تشترك به من ندوات ولقاءات... في هذا السياق تبدو السعودية في حال من الاستعداد لتقديم نشاطات كثيرة ومتنوعة في هذه المناسبة تحديداً. فليس عرضاً أن تكون أول دولة تؤيد قرار المشاركة، وتسدد حصتها من الرسوم المطلوبة لتغطية المشاركة، ليس لأنها قادرة مالياً، ولا يبدو أن الدافع إلى ذلك ثقافي فقط، بل هناك دوافع عدة ومختلفة. ويمكن اعتبار الصورة التي سعى الإعلام الغربي إلى تكريسها عن السعودية بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، الدافع الرئيس لمثل هذا الاستعداد الذي سيتبين أنه شامل، ولا ينحصر في الأيام الخمسة، مدة معرض فرانكفورت. إذاً تجهد السعودية، التي هي أكثر الدول العربية احتياجاً إلى هذه الفرصة، في استثمار الذهاب إلى معرض فرانكفورت وما سيليه من فترة زمنية تمتد إلى نيسان إبريل من العام المقبل، بغية تقديم صورة أخرى مختلفة عما دأبت وسائل الإعلام الغربية على تقديمه. ثمة مسعى أو مطلب غال تنشده المشاركة السعودية، هو العودة بصورة المجتمع السعودي إلى نقائها الأول، بعد أن تعرضت لكثير من الأذى. وعلى رغم أن المشاركة جماعية تحت مظلة الجامعة العربية، غير أن الأهداف تختلف من دولة إلى أخرى، فهناك دول تريد أن تؤكد ريادتها في التنوير، ودول أخرى تسعى إلى أن تقول للعالم انها حاضنة للحريات الثقافية وأن لديها أدباً عالمياً أو ما يرقى إلى هذا المستوى. وفي المقابل هناك دول وفي مقدمها السعودية تريد أن تصحح صوراً ومفاهيم تم تداولها خطأ، وكان لها تأثير سلبي واسع في شعوبها ومصالحها، فهل ستنجح المشاركة السعودية في تحقيق مسعاها هذا؟ حشدت السعودية عدداً من مثقفيها التنويريين، مفكرين ونقاداً وروائيين وشعراء وإعلاميين وأكاديميين وناشرين وسواهم من أجل المشاركة. وإذا كانت بعض المؤسسات الثقافية الرسمية تستثني في ما مضى العنصر النسائي في التمثيل الثقافي الخارجي، فستكون في معرض فرانكفورت، عناصر نسائية تمثل حقولاً أدبية وأكاديمية مختلفة. وتأتي المشاركة النسائية في معرض فرانفكورت لتعبر عن الاعتراف الرسمي بدور المرأة المثقفة وما تقدمه من إسهام حيوي على الصعيد الثقافي، وأن لها الحق بالتالي في تمثيل الثقافة الوطنية مثلها مثل الرجل. وإذا كانت المؤسسات الثقافية الرسمية أيضاً تجاهلت في العقدين الأخيرين، بعض أدباء الحداثة، لما تثيره أسماؤهم من إشكالات ثقافية واجتماعية، وكانوا يتلقون دعوات للمشاركة في مهرجانات عربية عدة، فإنها عادت الآن إليهم. ويبدو ان لا مكان في فرانكفورت، كما يتبين من قائمة المشاركين، لأولئك الذين استأثروا طويلاً بدعوات المؤسسات الرسمية نفسها للمشاركة الخارجية، وهم يمثلون النمط السائد في الثقافة وينتمي معظمهم إلى المؤسسة الأكاديمية. يمثل الثقافة السعودية كلٌ من: غازي القصيبي، تركي الحمد، عابد خازندار، سعد البازعي، معجب الزهراني، بكر باقادر، عبده خال، رجاء عالم، سعاد المانع، سارة الخثلان، عبدالله الصيخان، اشجان هندي، فهد العرابي الحارثي، هند الخثيلة، أحمد أبو دهمان وأحمد سيف الدين. الا أن المشاركين السعوديين يجمعون على ضرورة الإحساس بالمسؤولية والوعي بأهمية المشاركة، وبكونها فرصة نادرة من أجل تغيير النظرة إلى السعودية وثقافتها وأناسها. ومن هؤلاء من اعتبر مشاركته تتويجاً لسنوات من العمل الأدبي، ويرى فيها فرصة نادرة عليه أن يكون في مستواها. يؤكد المفكر تركي الحمد، الذي ترجمت بعض أعماله إلى الألمانية، ضرورة استغلال معرض فرانكفورت كدعاية "إعلامية شبه مجانية لن تكلف الحكومة شيئاً". وقال: "لا بد لنا من إبراز الجوانب المضيئة من ثقافتنا وتغيير الصورة التي تكرست عنا منذ الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001، بصفتنا إرهابيين وحاضنين للإرهاب. صحيح أن مجتمعنا لا يزال محافظاً وأن هناك أيديولوجيا سياسية معينة، ولكن هناك أيضاً مجتمع جديد ولديه منطلقات جديدة في الحياة". واعتبر الروائي عبده خال مشاركته، "جائزة تتوج جهدي الذي استغرق سنوات طويلة من عمري في الكتابة الأدبية". وقال: "من الضروري أن يأخذ بلدي حضوره الثقافي، وليس حضوره النفطي، أو حضوره السلبي الآن من خلال ما يقوم به الإرهابيون من محاولة تشويه للصورة الحضارية والثقافية... السعودية تحت الأضواء الآن ازاء العالم أجمع، هناك من يبحث في كتب مثقفيها وأدبائها وملامح أناسها، عما يمكن أن يقودهم إلى حقيقتها في شكل صحيح... حضور السعودية في هذه الاحتفالية، تمثله رموز كبيرة همها البحث عن المستقبل، أكثر من الماضي، ما يجعل الوجود ثقافياً وحضارياً يقدم الوجه الحقيقي لإنسان هذا البلد، الذي يحمل رسالة السلام والتسامح". وتتوقع الكاتبة سعاد المانع نجاح المشاركة العربية، "إذا ما حددت الغاية المنشودة منها ووضعت خطة عمل بناء على دراسة وفهم دقيق للتصور الموجود في العالم الغربي اليوم تجاه العالم العربي". وترى أن معرض فرانكفورت "هو المجال الصحيح لتقديم الصورة الصحيحة والواقعية لتكون بديلاً عن الصورة السلبية. هناك عدد من الجوانب المشرقة والمتميزة في الثقافة في السعودية في واقعنا الراهن ومن حق هذه الجوانب أن يلقى عليها الضوء". من جهة أخرى، يؤكد المشرف على اللجنة العليا للمشاركة السعودية في معرض فرانكفورت، عبدالله المعجل، أن المشاركة السعودية تحظى بدعم الحكومة التي باركت منذ الوهلة الأولى اقتراح المشاركة العربية في المانيا، "وحثت على العمل الثقافي المشترك الذي من شأنه إبراز الصورة الحقيقية للثقافة العربية". وقال ان السعودية عازمة "على استثمار السنة بكاملها، وجاء ذلك في تنسيق كامل مع الجامعة العربية ومنسق المشاركة العربية في معرض فرانكفورت، ونحاول توزيع نشاطاتنا في عدد من المدن الألمانية. ولدينا الرغبة في أن تتبنى المؤسسات الثقافية الرسمية أو الأهلية الألمانية عدداً من أنشطتنا"، مشيراً إلى أن "نحو سبعين مثقفاً سعودياً سيذهبون إلى فرانكفورت، بعضهم سيشارك في البرنامج الرسمي، فيما الآخرون يحضرون فقط".