فجع الوسط الرياضي قبل أيام قلائل بنبأ وفاة مدافع فريق الهلال (سابقاً) غازي سعيد إثر مرض عانى منه.. تغمده الله بواسع رحمته. والفقيد -ولمن فاته قطار المعرفة عن نجوميته - كان يُعتبر من المدافعين البارزين الذين تجلت موهبتهم الكروية مبكراً في أوائل عقد التسعينيات الهجرية، حيث نجح في ارتداء القميص الهلالي شبلا وتمثيله في كافة مراحله السنية، ثم بدأ مشواره الكروي مع الفريق عام 1396ه وجاء بروزه القوي في خط الدفاع ليعزز حظوظه في احتكار مركزه. وفي عام 1397ه كان من ضمن اللاعبين المؤثرين الذين ساهموا في إعادة هلالهم لفلك البطولات عندما كسب الفريق الأزرق بطولة الدوري الممتاز بعد غياب طويل امتد لأكثر من 12 عاماً كانت مليئة بالاخفاقات والإحباطات الهلالية، كما شارك بفاعلية في حصول الزعيم على بطولة الدوري عام 1399ه ثم تلا ذلك كأس الملك 1400ه وفي أواخر 1402ه أصيب في (الركبة) فأجبرته على توديع الملاعب قسرا. ورغم مرارة الرحيل والاعتزال المبكر إلا أنه نجح في رسم صورة مثالية عن نجوميته كموهبة كروية جمعت ما بين المستوى الفني والخلق الرفيع. * يقول جوكر الهلال في التسعينيات اللاعب عبدالله العمار عن الفقيد: إنه -رحمه الله- كان من اللاعبين القلائل في تلك الأيام الخوالي ممن تميزوا بأخلاقهم العالية وطيبتهم المتناهية، فضلا عن قدراته الدفاعية البارعة التي أجبرت المدربين الذين أشرفوا على الهلال في تلك الحقبة على تثبيته كلاعب أساسي في التشكيلة الزرقاء، حيث اشتهر بروحه القتالية وحماسه الكبير.. ويكفي فخرا أنه شارك في العديد من الانجازات والبطولات الذهبية التي حققها الفريق الهلالي آنذاك. انتهى كلام العمار. * ويؤكد هداف الهلال ومهاجمه اللامع في تلك الحقبة اللاعب سمير سلطان أن الفقيد كان يختلف اختلافا كليا عن بقية اللاعبين، فبداخل الملعب تجده اللاعب المقاتل والحماسي، وفي التمارين يرفض أخذ الأمور باستهتار أو تخاذل، وبالمقابل تجده خارج الملعب إنساناً وديعاً وخلوقاً. كان رحمه الله يعتبر فاكهة المعسكرات؛ نظراً لأسلوبه المرح وقفشاته المضحكة التي دائماً ما ارتبطت باسمه داخل دهاليز المعسكرات بالنادي. * أما بدايته مع المرض فقد أصيب في الموسم الماضي وتحديدا في شهر ذي الحجة بضيق تنفسي وألم في جهة الرئة اليسرى، وتطور وضعه الصحي بصورة سيئة نقل على اثرها للعناية المركزة بالمستشفى، ومكث فيها 7 أيام. كانت مرحلة حرجة عاشها كل من زاره بالمستشفى، ولكن بفضل الله وعنايته تجاوز هذه المرحلة رغم إصابته بتليف في خلايا الرئة، وإزاء ذلك مكث في فترة نقاهة 45 يوماً، ولصعوبة التنفس بصورة طبيعية أجريت له (رحمه الله) عملية جراحية عبارة عن فتحة في الحنجرة لإجراء التنفس الصناعي بواسطة الجهاز عبر هذه الفتحة. * وأتذكر عندما زرته بالمستشفى برفقة زملائه وهم الدكتور صلاح السقا وسمير سلطان وعبدالله العمار انتابني شعور بالحزن والأسى لحظة دخولنا عليه -رحمه الله- ونحن نشاهد صاحب لقب (المدافع الصلب) الذي شهدت الملاعب صولاته وجولاته، وهو أسير على فراش المرض عقب إصابته بتليف رئوي، فكان الموقف بالفعل مؤثرا للغاية، ولكن ما أثلج صدري وسر خاطري ابتسامته المعهودة التي لا تفارقه، وروحه العالية التي جسدت مدى قوة صبره وإيمانه بما أصابه، وهو يردد العبارة (الحمد لله الحمد لله الحمد لله) عند كل سؤال عن أوضاعه المرضية رغم الوضع الحرج الذي كان يعيشه، باعتبار ان حياته كانت معلقة بالله، ثم بهذا الجهاز الذي يتنقل به. وهكذا ظل -رحمه الله- بهذا الوضع حتى اشرق أمل العلاج عندما تلقيت اتصالا هاتفيا من مكتب سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد نقل لي الموظف المختص خبر صدور أمر علاجه في الخارج على نفقة سموه الكريم وذلك تجاوباً مع ما طرحته الجزيرة عن معاناته، حيث طلب مني إرسال صورة من جواز سفره -رحمه الله- وكذا صورة من جواز مرافقه، وإزاء ذلك قمت بالاتصال على رفيق دربه عبدالله العمار وطلبت منه ارسال صورة من الجوازين على فاكس مكتب سموه، وبعد يومين اتصل عليّ -رحمه الله- وكان سعيدا جداً بخبر العلاج وهو يشكر الأمير على لفتته الكريمة التي أدخلت الفرح والأمل إلى قلبه ووجدانه. * مرت الأيام وكان -رحمه الله- ينتظر موعد السفر والأمل يحدوه للعلاج في الخارج على نفقة الأمير الشهم عبدالعزيز بن فهد، ولكن كان القدر أسرع حيث تلقيت خبر وفاته من لاعب الهلال السابق عبدالله العمار مساء يوم الجمعة الماضية اثر ذبحة صدرية داهمته في منزله. * رحل النجم الخلوق (غازي سعيد) عن هذه الدنيا الفانية وقد رسم لنجوميته صورة مثالية ستبقيه في الذاكرة الهلالية سنوات طويلة.. رحل وقد ترك بين أسوار هذه الدنيا ثمانية من أبنائه وزوجة كلومة كان يعولهم ففقدوه، ولكن لن يفقدوا وفاء الهلاليين ورجال هذا الكيان المخلصين الذين تتجلى مواقفهم البطولية في مثل تلك الظروف مع أبنائهم اللاعبين.. ولعل اعلان رئيس الهلال الأمير الشاب محمد بن فيصل عن تكفله ورعايته هذه الأسرة المكلومة ما هو إلا دليل الوفاء الهلالي مع كل من أعطى هذا الكيان وأفنى سنوات عمره في خدمة شعاره بكل اخلاص وتفانٍ. رحم الله الفقيد غازي سعيد، وأسكنه فسيح جناته. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}