إن كثيراً من الشعراء يتأثرون بما حولهم من المواقع والأماكن، ويؤدي ذلك التأثر لكتابة الشاعر قصيدة أو أبيات من الشعر، ومن المواقع التي تؤثر تأثيراً بالغاً على مشاعر الشاعر الجبال الشامخة والأنهار الجارية في بلدان الشعراء، وإن بعض الشعراء قال أبياتاً من الشعر في عجاج بلده الذي أحبه حباً شديداً على الرغم من ان ذلك العجاج ربما سبب بعض الأمراض والأضرار وذلك الشاعر هو مصطفى غدير - رحمه الله - ويقول في عجاج بلده: أُحُبُ عَجاجَ الدير خَضَّبَ مفرقي وكَحّلَ أجفاني وندّى فؤاديا ونجد ان كل شاعر يذكر النهر في قصيدته ويكثر من ذكر اسم النهر أو ما يدل عليه متى ما رآه بأم عينه، وربما أن بعض الشعراء يذكرون في قصيدتهم اسم نهر وهو لم يره، والذي جعله يذكر النهر في قصيدته للحاجة إلى ذكره إما لتصوير أمر أو تقريب معنى من المعاني التي لا تتضح إلا بذكر اسم النهر أو وصفه. ومن الأنهار التي ذكرت في قصائد الشعراء نهر (بردى) الذي يجري في سوريا في ضاحية الزبداني في دمشق، يقول صاحب كتاب المنجد في اللغة والاعلام (بردى نهر في سورية ينبع في الزبداني وينتهي في العتيبة 71كم يروي غوطة دمشق). وذكر بردى في الشعر العربي حقيقة لا يقارن بذكر دجلة والفرات أو النيل، وقد مرت علي بعض القصائد التي جاء ذكر بردى فيها. ومن الشعراء الذين جاء ذكر بردى في أشعارهم أمير الشعراء أحمد شوقي وذلك في قصيدته التي قالها في حفلة أقيمت لإعانة منكوبي سوريا في يناير سنة 1926م وعنوان القصيدة (نكبة دمشق) وهي قصيدة رائعة مثل الشاعر سقوط دمشق في أيدي الغازين المحتلين تمثيلاً رائعاً ويقول شوقي في بعض أبياتها: سلام من صبا بردى أرق ودمعٌ لايُكفكفُ يا دمشقُ ومعذرة اليراعة والقوافي جلالُ الرزء عن وصفٍ يدقُ وذكرى عن خواطرها لقلبي إليك تلفتُ أبداً وخفقُ وبي مما رمتكِ به الليالي جراحاتٌ لها في القلبِ عُمقُ ومن الشعراء الذين جاء ذكر نهر بردى في أشعارهم محمود حسن اسماعيل الشاعر المصري المولود في سنة 1910م في بلدة النخيلة القائمة على شاطئ النيل من محافظة اسيوط والحائز على الليسانس ومن دواوينه (أغاني الكوخ) و(هكذا أغني) و(أين المفر) و(نار وأحقاد) و(ديوان الملك) والقصيدة التي ذكر محمد اسماعيل بردى قصيدته المسماة (يا ربى الفيحاء) والتي يقول في مطلعها: وفق الله على النور خُطانا والتقت في موكب النصر يدانا وحدت شمسُ الضحى أعلامنا وانبرت في الشرق تحيي المهرجانا لا تسل عنا ولا كيف لقانا واسأل التاريخ عنا والزمانا نحنُ كنا مهجة واحدةً ودماً حُراً وروحاً وجنانا بارك الله خُطانا وسرت صيحة الفجر فلبينا الأذانا يا رُبى الفيحاء حيتك العلا والبطولات رحابا وخبانا (بردى) و(النيل) في يوم العلا وحدا الشعبين قلباً ولسانا ومن الشعراء الذين ذكروا نهر بردى وتغنوا بها في أشعارهم الشاعر جورج صيدح المولود في دمشق عام 1893م وتلقى تعليمه في مدرسة (الآسيّة) و(الآباء العازاريين) وتابع دراسته في كلية (عنطورا) في لبنان، وهاجر إلى عدة دول مثل مصر وفرنسا وفنزويلا والأرجنتين، والتحق بالرابطة الأدبية في المهجر، وله عدة دواوين منها (النوافل) و(نبضات) و(حكاية مغترب) وتوفي عام 1978م والقصيدة التي جاء ذكر بردى فيها القصيدة المسماة (بردى) والتي يقول في بعض أبياتها: حلمتُ أني قريبٌ منك يا بردى أبلُّ قلبي كما بلَّ الهشيم ندى ونُصب عيني من البلدان أبدعها سبحان من أبدع السكان والبلدا حلمُ الليالي صياحُ الديك نفّرهُ فلا دمشق ترى عيني ولا بردى ومن الشعراء الذين جاء ذكر بردى في أشعارهم عملاق الشعر في القرن العشرين محمد مهدي الجواهري وذلك في بعض قصائده ومنها قصيدة (في الثورة السورية) ويقول في مطلع القصيدة: مثلُ الذي بكِ يا دمشقُ من الأسى والحزن ما بي دمعي يبين لك الجوى والدمعُ عنوانُ الكتابِ حتى قال: (بردى) كأن بُرُدُهُ رشفاتُ معسول الرضابِ وقال ذاكراً بردى أيضاً في قصيدته (عُمرُ الفاخوري) والتي يقول في مطلعها: رثاؤك ما أشق على لساني ورزؤك ما أشد على جناني وكيف يُطيقُ عن ألم بياناً ثكولُ شل منه الأصغرانِ إلى أن قال: بكى بردى عليك بفيض دمع ومج النيلُ فيضاً من بيانِ ومن القصائد التي ذكر مهدي الجواهري بردى فيها قصيدة (غيداء) والتي يقول في مطلعها: غيداء: عندك للصبا مَهْدُ صدرٌ تربّعَ (دسَّهُ) نَهْدُ إلى أن قال: يا منْ غذيت النبعَ من (بردى) فحَلا بهِ الإصدارُ والوردُ