كتب الأستاذ عبدالله بن بخيت في عددين سابقين من هذه الجريدة موضوعين كان أحدهما بعنوان (سموها بلاد الحرمين) والآخر بعنوان (حزب الصحوة).. تحدث فيهما الكاتب عن الشريط الإسلامي، وأنه قد يكون السبب المباشر في انحراف شباب الفئة الضالة الذين ارتكبوا الأحداث الإرهابية في وطني الحبيب.. وقد انبرى بعض القراء للتعقيب على تلك المواضيع، وأجمعوا أن الشريط الإسلامي بريء تماماً من التهمة الموجهة إليه من الكاتب. وفي الحقيقة لقد تابعت كل ما كتب، ولكنني للأسف لم أجد في كل ما كتب مَنْ تطرق للأسباب الحقيقية الأخرى، والتي ربما كانت وراء انجراف وانحراف أولئك الشباب وإقدامهم على فعل ذلك العمل المشين لوطنهم وابنائه والمقيمين على أرضه.. عندها أحببت أن أشارك برأيي المتواضع وأقول: يا سادة، إن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، والأسباب أهم من ذلك بكثير أيضاً.. وسأحاول بقدر المستطاع وبإيجاز أن أبيِّن بعض الأسباب التي أرى أنها هي ربما وراء ما أقدمت عليه تلك الفئة الضالة والباغية، وربما هناك غيرها.. فإن وفقت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان: * الفراغ الفكري والعاطفي والوجداني الذي يعيشه كثير من الشباب سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع. * الجهل الكبير للكثير منهم وعدم الإلمام التام بمبادىء وقيم وتعاليم الدين الإسلامي، والاعتماد على مبادىء بعض العلوم الفقهية والشرعية، وأخذ رؤوس الأقلام فقط والعناوين الكبيرة التي تقع أمام العين فقط، وكذلك الاعتماد والتصديق التام بفتاوى غير دقيقة وربما خاطئة ومضللة وغير صادقة تصدر من غير ذوي العلم وعلى أي وسيلة إعلامية. * اصدقاء السوء، وما أدراك ما أصدقاء السوء.. فهذا الأمر من أهم الاسباب التي تأتي على رأس القائمة في انحراف الشباب وتضليلهم، وفي كثير من المشاكل.. يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). حتى ان ابن القيم -رحمه الله- كان يقول (حافظ على ابنك من جليس السوء أشد من محافظتك عليه من الأسد). * إهمال التربية وسوء التنشئة الاجتماعية سواء من قِبَل الاسرة وعلى رأسها الأب ومن ثَمَّ اكتمال ذلك، مروراً بالمدرسة التي ينعدم فيها تماماً الاهتمام بالجانب التربوي، ونهاية بالمجتمع الذي لا يضبط تصرفات الفرد. * ترك مطلق الحرية للشاب للذهاب أينما يريد ومتى يريد دون رقابة أو توجيه أو رعاية صحيحة. * عدم الاستماع إلى آراء الشباب ووجهات نظرهم وحرياتهم الشخصية، وتهميش أدوارهم وعدم الاهتمام بما يقولون وعدم فتح الصدور والعقول والقلوب لهم والاستماع لما يبثونه من مشاكل وعقبات تحيط بحياتهم الشخصية أو الأسرية أو حتى الاجتماعية والاقتصادية. * عدم وجود المراكز الإرشادية المتخصصة في مثل تلك القضايا سواء النفسية أو الأسرية أو الاجتماعية، وذلك لمساعدة الشباب للوصول إلى الحقيقة الواضحة في كل ما يشكل عليه من أمور حياتهم المختلفة، وان وجدت تلك المراكز فهي قليلة جداً والوصول إليها صعب وبتكلفة باهظة الثمن، واما الأخرى فلا وجود لها.. وعندما لا يجد الشباب من تلك المراكز شيئاً فإنه يتجه إلى أقرب شخص يسمعه ويوجهه ويهتم بأمره ويشتكي إليه فيُستغل عندها من بعض الأنفس المريضة والذين يقدمون له كل شيء في سبيل الانضمام إليهم وتنفيذ أهدافهم الشريرة ومصالحهم الشخصية وأغراضهم الدنيئة. * الأمراض النفسية والسلوكيات المرضية التي يصاب بها بعض الشباب كالاكتئاب الحاد أو القلق أو الحيرة والصراع النفسي بين ما هو واقع وما هو مفروض أن يكون، ولا يجد الشباب العلاج المناسب الذي قد يساعدهم للخروج من هذه الدائرة المظلمة، خصوصاً ان الطب النفسي لم يأخذ مكانه الذي يستحق في مجتمعنا. ومن كل هذه العوامل وغيرها ربما تنشأ لدينا ما تعرف بالشخصية السيكوباتية (العدوانية) أو أصحاب الضمائر المهلهلة والذين لا يهمهم شيء أبداً ولا يندمون على شيء فعلوه في سبيل الوصول إلى ما يريدون. كل أولئك الشباب تقريباً كانوا صغاراً في السن قابلين للتشكل والايحاء والتضليل والتأثير السريع عليهم، خصوصاً في ظل انعدام الموجِّه الصحيح او وجود الشخص المستعد لذلك والمتخصص، بينما في الطرف الآخر ذلك الشخص موجود ومستعد تماماً؛ لأنه كرس نفسه لذلك الأمر، فيستطيع ان يجذب ذلك الفتى الغض إلى جانبه، ولكنه للأسف جانب السوء والخطيئة. عبدالرحمن عقيل حمود المساوي