كيف نحافظ على هويتنا العربية في عصر الفضائيات المفتوحة ووسط إعلام نافذ إلى داخل البيوت والعقول؟ هذا التساؤل المحوري الذي التقى حوله أكثر من 28 باحثاً أكاديمياً في الجامعات العربية في المؤتمر العلمي العاشر لكلية الإعلام بجامعة القاهرة تحت عنوان (الإعلام المعاصر والهوية العربية)؛ حيث شدَّد المشاركون في المؤتمر على أهمية إنشاء قناة فضائية عربية فاعلة بلغات متعددة للحفاظ على الهوية العربية والتصدي للعولمة، وتوظيف تكنولوجيا الاتصال في دعم هذه الهوية. كما طالب المؤتمر بأهمية قيام الصحافة العربية الناطقة بلغات أجنبية بدعم الهوية، وتفعيل دور المنظمات العربية في الحفاظ عليها. ناقش المؤتمر تأثيرات العولمة على مضمون الخطاب الإعلامي العربي، وتأثير الإعلان الدولي على وسائل الإعلام العربية، ودور برامج الأطفال في التعبير عن الهوية العربية، ودراسة وتحليل واقع الهوية العربية كما تعكسها وسائل الإعلام العربية. استراتيجية للإعلام العربي وفي كلمته أمام المؤتمر أكد الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن أخطر قضايا الإعلام المعاصر بالنسبة للوطن العربي هو أن العالم العربي لا يزال في موقف المتلقي، ولا يزال صوته ضعيفاً وغير مسموع في ظل النظام الإعلامي الدولي، وذلك بحكم ما يتَّسم به هذا النظام من سمات تعكس الواقع الاقتصادي والثقافي والسياسي للعالم الآخر الذي يتجسد في خلل في التدفق من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال، خلل كمي وكيفي، ويؤدي إلى ثلاث ظواهر سلبية، أولها: أن ما يُنشر عن العرب وقضاياهم في وسائل الإعلام في العالم لا يزال معظمه يأتي من دول الغرب. وثانيها: أن جانباً كبيراً من المواد التي يبثُّها العرب عما يحدث في العالم من قضايا وأحداث لا يزال مصدرها الأساسي هو وسائل الإعلام الغربية. وثالثها: أن صورة العرب في وسائل الإعلام الغربية لا تزال هي الصورة النمطية للعربي المسلم بكل جوانبها وأبعادها السلبية. لذلك نجد الآن جدلاً ضخماً وحواراً متسعاً حول مصير الهوية العربية في ظل ما يحدث في العالم الآن من صراعات، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، والتي كانت بمثابة نقطة البداية في معركة الهوية العربية، إضافة إلى السياق الثقافي والاقتصادي والسياسي الذي يسود العالم الآن، والذي يمكن تفسيره من خلال ظاهرة العولمة، ذلك الواقع الجديد الذي يعني حرية انتقال السلع والخدمات والبضائع والأفكار بين الدول، ووصولاً إلى ثقافة عالمية مشتركة قد تذوب فيها الثقافات الفرعية، وهوية كونية قد تهدد بذوبان واندماج الهويات الوطنية الفرعية في هوية واحدة. وحول استراتيجية للإعلام العربي حتى يحافظ على الهوية العربية أشار الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري في كلمته أمام المؤتمر أنه حتى يستطيع الإعلام العربي المساعدة في الحفاظ على الهوية العربية يجب أن يأخذ بعدة اعتبارات؛ أهمها: تطوير الإنتاج الفضائي العربي وجعله أكثر تنوعاً، وجذب المشاهد العربي وربطه بوطنه العربي وجعله أكثر انتماءً وحرصاً على العادات والتقاليد العربية، وكذلك دراسة الجمهور المستهدف وتقسيمه إلى فئات وشرائح، واستخدام الاستمالات المواتية لكل فئة حتى يلبي الإعلام العربي احتياجات مشاهديه، والحرص على إعداد وإنتاج برامج عربية مشتركة تتوافر فيها كل أساليب الجذب من حيث الشكل، ويتوافر فيها الموضوعية من حيث المضمون؛ لكي تجذب المشاهدين بعيداً عن البرامج الوافدة. وأيضا التأكيد في الإنتاج العربي على منظومة القيم التي تشكل خصوصية الثقافة العربية؛ مثل العادات والتقاليد واللغة، والتحاور مع الثقافات الأخرى من موقع الندية لا التبعية، والاهتمام بالأقليات العربية المقيمة خارج الحدود، والتي يجب أن تظل على صلة بالوطن الأم؛ لتعميق الشعور بالانتماء والتأكيد على الهوية العربية، ثم التنسيق والتكامل بين المؤسسات الإعلامية العربية، وكذا المؤسسات الثقافية والأكاديمية، لرفع وعي المواطن العربي. وأكد د. سرور التكامل لا التنافس بين الفضائيات العربية من خلال استراتيجية محددة المعالم، بحيث تنافس الفضائيات الأجنبية الموجهة إلى المنطقة العربية، وتحدُّ من تأثيرها على الهوية الثقافية العربية. تحليل الفضائية الإسرائيلية ومن جانبه رصد د. خيرت معوض، المدرس بقسم الإعلام والسياحة والفنون بجامعة البحرين، الهوية العربية كمتغير في معالجة الصحافة العربية للغزو الأنجلوأمريكي للعراق، وتوصل إلى أن 42% من الصحف العربية تجاهلت بدرجة كبيرة الهوية في تناولها للحرب على العراق، وأن 58% من هذه الصحف تناولت قضية الهوية العربية كهوية أولى مقارنةً بالهوية الوطنية والهوية الإسلامية التي لم تظهر كهوية أولى، وإنما كهوية ثانية وبنسبة 4.4% فقط. وفي تحليلها لمعالجة الفضائية الإسرائيلية للقضايا العربية في معالجتها الإخبارية توصلت الدكتورة هبة شاهين، المدرس بقسم الإعلام في كلية الآداب بجامعة عين شمس، إلى أن قضية الصراع العربي الإسرائيلي تليها القضية العراقية في قائمة القضايا العربية التي تناولتها الفضائية الإسرائيلية الموجهة باللغة العربية، وذلك في جميع نشراتها الإخبارية، وأن المقولات الرئيسية للخطاب الإسرائيلي حول القضيتين تشابهت كثيراً بمحاولة الخطاب الإسرائيلي تبنِّي نفس مرتكزات الخطاب الأمريكي في محاربة الإرهاب. وفسَّرت ذلك بأن هذه الفضائية الإسرائيلية اعتبرت أن عدوَّها يتمثل في الجانب العربي الإسلامي، لذلك يتطلب الأمر الحرب المتواصلة التي تشنُّها كلٌّ منهما لمحاربة الإرهاب العربي الإسلامي وفقاً للخطاب الإسرائيلي. كما أبرز هذا الخطاب استعداد إسرائيل للسلام مع جيرانها بشرط ضمان أمنها، في مقابل الجهود الأمريكية لتحقيق ما يسمى بالإصلاح في منطقة الشرق الأوسط. وجاءت أهمية دراسة المعالجة الإخبارية للقضايا العربية في الفضائية الإسرائيلية الموجهة بالعربية للتعرف على سمات الخطاب الإسرائيلي حول تلك القضايا، والمقولات الرئيسية حولها، والقوى الفاعلة المؤثرة فيها وسماتها وأدوارها، والتعرف على أسباب وحلول تلك القضايا وفقاً للخطاب الإسرائيلي ومسارات الإقناع المصاحبة له. واعتمدت الباحثة على 30 نشرة إخبارية رئيسية تمَّ بثُّها عبر الفضائيات الموجهة، وكشفت أن نسبة القضايا العربية فيها بلغت 22.7 خبراً في هذه النشرات الإخبارية، ووصفتها الفضائية الإسرائيلية بأنها سلبية، بينما اعتبرت الأدوار الأمريكية والإسرائيلية إيجابية، وأنه ندر في تحليلها الإشارة إلى الدول العربية كقوة واحدة، أو الجامعة العربية بشكل عام، واكتفى الخطاب بتحديد دور كل دولة عربية بشكل منفصل، بما يعكس إدراك الخطاب الإسرائيلي لحالة الضعف العربي الراهن. الإعلام الأمريكي والهوية العربية ومن جانبها سعت الدكتورة ثريا البدوي، المدرس بقسم العلاقات العامة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، إلى التعرف على علاقة المضامين الإعلامية الأمريكية بالهوية القومية للشباب المصري الجامعي، وذلك من خلال الإجابة عن سؤال: هل المضمون الإعلامي الأمريكي يضعف الهوية القومية من خلال تأثُّر وتبعية الشباب للقيم وللسياسات وللأفكار الأجنبية؟ وطبَّقت الباحثة الدراسة على عينة مكونة من 400 طالب وطالبة، وتوصلت من خلالها إلى أن المبحوثين المنتمين إلى كليات أدبية نظرية يدركون سمات الهوية القومية بصورة أكثر إيجابية من الآخرين، واتضح وجود ارتباط طردي ما بين الاعتماد على التلفزيون المصري والفضائيات العربية والصحف والمجلات للحصول على المعلومات عن أمريكا وإدراكهم لسمات الهوية، بينما ثبت وجود ارتباط عكسي ما بين الاعتماد على الفضائيات الأجنبية وبين سمات الهوية القومية. فيما أظهرت الدراسة بالنسبة للمبحوثين من ذوي المحافظين ممَّن يدرسون في جامعة الأزهر أنهم يدركون سمات الهوية بصورة أكثر إيجابية من غيرهم؛ نتيجة اعتمادهم على الوسائل المرئية المصرية والعربية للحصول على معلومات عن الولاياتالمتحدة. بينما استهدفت ورقة الدكتور محمد سعد، الأستاذ المساعد بقسم الإعلام في جامعة المنيا، رصد خطاب العولمة والهوية في وسائل الإعلام الأمريكية الموجهة بالعربية وانعكاساتها على استجابات الشباب، وتوصيف وتحليل الخطاب الإعلامي الأمريكي الموجه باللغة العربية، وتحديد أُطُر العولمة ومدى انعكاسها على الاستجابات المعرفية والوجدانية للشباب العربي. وتوصل الدكتور سعد إلى تحديد سمات الخطاب الإعلامي الأمريكي بأنه خطاب تبشيري استعلائي، يعكس نزاعات الهيمنة والتسلط والاستبداد، ويتناقض مع مقولات الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أنه خطاب عدائي تحريضي يتخذ من الإسلام خصماً حضارياً بديلاً عن الشيوعية، ويحرض القوى الدولية على التصدي للقيم العربية والإسلامية، جاعلاً منها مصدر الشر والإرهاب، واعتبره خطاباً أُحادي التوجُّه؛ يستند إلى المرجعية الواحدة ويروِّج للمعايير والقيم ذات البعد الواحد، ويتجاهل التنوع الثقافي والخصوصية الحضارية، كما أنه خطاب اختزالي؛ يختزل صراع الحضارات في الحرب على الإرهاب، والهيمنة في العداء والكراهية، والعدوان في النزعة الإنسانية، والمقاومة في الكرامة الشخصية، فضلاً عن أنه خطاب أصولي ينزع نحو تسييس الدين وتديين السياسة من خلال تحويل القضايا إلى مسائل إنسانية مصيرية تحتِّم تدخل الأخيار لهزيمة الأشرار الإدراك لصورة أمريكا في البلاد العربية والإدراك لصورتها داخل الولاياتالمتحدة، إلا أن الاستجابات جاءت معاكسة لأطر ومفردات الخطاب الإعلامي الأمريكي الموجه بالعربية، وهو ما يؤكد صحة افتراضات نموذج الجمهور النشيط، وميل الجمهور إلى مقاومة المحتوى الإعلامي الأجنبي، وإنتاج معانٍ تقاوم وتقوِّض المعاني التي استهدفها القائم بالاتصال الأجنبي. وعكست استجابات المبحوثين في ورقة د. سعد، والتي اعتبرها مراقبون أنها من أهم أوراق المؤتمر، اتساع مشاعر الكراهية والغضب والعداء لأمريكا، وهو ما يمكن تفسيره كردِّ فعل لخطاب الاستعلاء والهيمنة والتسلط، الأمر الذي يتناقض مع نتائج الاستطلاعات التي أجرتها مراكز البحوث الأمريكية داخل البلدان العربية والإسلامية، والتي خلصت إلى تراجع مشاعر الكراهية لدى الشباب مقارنة بالشيوخ، ومن ثَمَّ استعدادهم لاستيعاب القيم الأمريكية. وأكدت الدراسة التي أعدَّتها الدكتورة عزة مصطفى الكحكي، مدرس الإذاعة والتلفزيون بجامعة قطر، حول القنوات الفضائية الأجنبية وانعكاساتها على الهوية، وأزمة القيم لدى الشباب العربي في مرحلة المراهقة، أن القنوات الفضائية الأجنبية الوافدة بما تحمله من قيم وسلوكيات ومعايير تختلف مع خصائص المواطن العربي تؤثر على المدى البعيد على منظومة القيم، وتنعكس بالتالي على السلوك، خاصة بالنسبة للمراهقين والشباب. وتوصلت إلى مجموعة من النتائج، من أهمها: ارتفاع معدلات تعرُّض الشباب العربي في مرحلة المراهقة للقنوات الفضائية الأجنبية. وكانت الفروق دالة بين الذكور والإناث في كثافة التعرض؛ حيث كان الذكور أكثر تعرُّضاً لتلك القنوات من الإناث. وتقدمت شبكة CNN في معدلات مشاهدة العينة لها، تليها BBC، ثم جاءت بنسبة متفاوتة القنوات الهندية والتركية والفرنسية والإسرائيلية والإيطالية ثم القبرصية، ويفضل معظم الشباب عينة البحث الأفلام والمسلسلات الأجنبية بهذه القنوات، يليها المنوعات، ثم البرامج الرياضية، ثم أخيراً البرامج الإخبارية. ومن المؤشرات الخطيرة التي أسفر عنها البحث أن اللغة ليست عائقاً لمشاهدة هذه القنوات، فعلى الرغم من ارتفاع معدل تعرُّض الشباب المراهقين لتلك القنوات فإن نسبةً بسطيةً منهم لا تتجاوز 11% تفهم مضمون هذه القنوات ولا تكتفي بمتابعة الصورة فقط. وفيما يتعلق بالهوية ارتفع معدل تشتُّت الهوية بين عينة المراهقين من الشباب العربي؛ حيث قارب نصف العينة 49.5%، فقد ارتفعت نسب الموافقة على العبارات السلبية ورفض العبارات الإيجابية للمقياس، وانخفض معدل إنجاز الهوية ليصل إلى 11% فقط من إجمالي عينة البحث، في حين حققت نسبة معتدلة بمقياس الهوية نسبة 39.5% من الشباب وهم يُسمون بعلقى الهوية. وفيما يتعلق بأزمة القيم أسفرت النتائج عن معاناة نسبة عالية 47.5% من المراهقين من الشباب العربي موضع البحث من أزمة القيم، في مقابل 20% لم يعانوا من هذه المشكلة.