لا راد لحكم الله... ولا إله إلا الله، والحمد لله على كل حال.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } هذا هو لسان حالنا، وهذا هو عزاؤنا في مصابنا الكبير، وهذا ما نردده ونحن في العزاء الكبير، عزاء الوطن لفقيد الوطن الشيخ الجليل محمد بن عبدالله الجميح - رحمه الله - ووسّع له في جنات النعيم. تقف الكلمات، وتختلط المشاعر ولكن العزاء كل العزاء انك رحلت- ياصاحب الأيادي البيضاء- إلى الرفيق الأعلى، بعد أن كنت بيننا رفيقاً للضعفاء، وعوناً للمحتاجين، نعم لقد اختارك الله إلى جواره، بعد عمر مدّ الله فيه وباركه قضيته في الكفاح، والبناء، وأعمال البر والتقوى، فرحمك الله يا ابا عبدالله، - يا شيخنا الفاضل- يا فقيد المسلمين، ويا فجيعة الوطن. ماذا احدث عن الشيخ؟ وقد عرفته منذ ما يقارب عشرين عاماً، وكنت من آخر زواره- رحمه الله- في المستشفى مساء الأربعاء 9 ربيع الأول 1425ه، وكنت قبل الزيارة كلما حدثت عنه زميلاً، أو صديقاً، دعا له بحسن الختام، وذكَره بكل خير، فقلت هذا والله المكسب، فأبشرك يا أبا عبدالله، وأبشركم يا آل جميح، بأن التجارة قد ربحت مع الله، فإني والله قد عرفت الفقيد وحبه الخير، وبذل النفيس، وما اعلم من قصص بذله وإحسانه كثير لا يسمح المقام، ولا المقال به، فاسأل الله أن يتقبل منه صالح أعماله. هذا الرجل العَلَم ما يعرفه غيري عنه أكثر مما عرفت عبر عقود مباركة من العمر في العمل المخلص والسريرة النقية. رحمك الله يا شيخ فأنت اليوم محل الإجماع، في كل اجتماع، وكلما نقّبنا في سيرتك فاحت بأريج العطاء، وصدق النية، ودعا لك الناس، وهم شهود الله في أرضه. في أيام مرض الشيخ كان كثير من العلماء، وكبار الناس، وخلق كثير من بسطاء الناس، يتصلون، ويسألون، عن أحوال الشيخ ويدعون له، وحينما كنا نزمع زيارته نجدهم يتدافعون قبلنا، ومعنا للسلام على الشيخ والدعاء له. زرت الفقيد بعد صلاة مغرب يوم الأربعاء وهو يوم اجله المكتوب في المستشفى، ثم عدت إلى منزلي، وفي تمام الساعة التاسعة، أي بعد ساعتين رن جرس الهاتف، وتلقيت خبر الفاجعة، فخنقتني العبرات، ثم استرجعت وقلت {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} الله المستعان لقد مات الوالد، والصديق، والمدير، والموجّه، ولكن هذه مقادير الله وسننه في خلقه، ولا راد لمشيئته. ونحن نستذكر الرجل وسيرته البيضاء، ومسيرته الخيّرة، فإننا نسأل الله أن يبارك أعمال، وحياة أسرة آل جميح، هذه الأسرة المعطاء التي قدمت للوطن وللإسلام أسماء بارزة في التجارة، والعلم، والفكر، لينهجوا ذات النهج، ويكملوا المسيرة، وهم والحمد لله على ذلك سائرون، وهم رواد كل خير، ودعائم متينة من دعائم العمل التجاري والإنساني في بلادنا. ومما تسترجعه الذاكرة عن الفقيد في هذه اللحظات العصيبة، انه كان- رحمه الله- دائم التوجيه لنا في زياراته بالمبادرة بالتوقف عن العمل عند أوقات الصلاة، وينبّه على ضرورة إغلاق المكاتب والتنبيه على العاملين، والعملاء بأهمية الصلاة جماعة. وكان يوصيني بحكم إشرافي على احدى الإدارات بضرورة التأكد من الإيرادات، وعدم إدخال أي مبلغ لحساب الشركة دون وجه حق. ولا أزال أذكر توجيهاته أثناء حوادث موسم الأمطار في مارس عام 1996م حينما هطلت الأمطار الغزيرة على الرياض، مع ما صاحبها من حبات البرد الكثيف حيث تعرضت السيارات الجديدة لإضرار بالغة، وعلى أثر ذلك قام- رحمه الله- بزيارة تفقدية لساحة تخزين السيارات، واثناء مرافقتي له في تجواله لمعاينة الأضرار كان يردد كلمة الحمد لله على كل حال.. يعوضنا الله إن شاء الله وفعلاً لم تكد تمض فترة يسيرة حتى ارتفعت المبيعات بشكل استثنائي، وكنت مع بقية الزملاء نتابع أعمال البيع، والتسليم، ونتذكر حديث الشيخ المؤمن بقضاء الله، وكيف عوّضه الله في وقت وجيز. كنا نشفع عند الشيخ لبعض ذوي الحاجات، والمترددين من أبناء القرى والبوادي، ممن يتقدمون بطلبات لتمويل مشاريع خيرية، وكان رحمه الله سريعاً إلى الخير، ومشجعاً عليه، أما مساهماته في أعمال الخير العامة في مختلف أوجهها، فقد أفاض الناس فيها، وان كانت بقيت قصص أكثر عند من لم يتحدثوا عن أعمال كبيرة هي عند الله ولوجه الله. لقد غيّبك الثرى عنا (يا أبا عبدالله) ولكنك معنا اسماً، ورمزاً لكل خير، وقد كنت لنا - يشهد الله- نعم المدير، وصاحب المال، والأخ الكبير، عشنا معك، ورأينا كيف كنت تتعامل مع المدير الكبير، والعامل الصغير بأسلوب واحد، طابعه حنان الأب، وطيبة الطيبين من الرعيل الأول، فجزاك الله عنا خير الجزاء. رحمك الله يا أبا عبدالله فلا زال مكتبك، ومجلسك، يعطران الزمان، والمكان.. وفي الختام لا نقول إلا جبّر الله مصابكم وعظّم أجركم، يا آل الجميح.. أما العزاء فنوجهه للوطن، والأمة في فقيدنا جميعاً الشيخ الجليل (محمد بن عبدالله الجميح) ونقول.. لله ما أعطى ولله ما أخذ، والحمد لله رب العالمين.