لقد منّ الله علينا بدين موافق للفطر القويمة والعقول السليمة صالح لكل زمان ومكان جامع بين العلم والعبادة وبين القول والعمل والاعتقاد، لا يقبل الله من الخلائق ديناً سواه {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران. في هذا الدين كلمة من قالها صادقاً من قلبه وعمل بمقتضاها مبتغياً بذلك وجه الله دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} هي أطيب الكلام وأفضل الأعمال وأعلى شعب الإيمان، من قالها حقاً ارتقى إلى أرفع منازل الدين، والنطق بها لا يكفي للدخول في الإسلام أو البقاء عليه، بل لا بد مع ذلك أن يكون المسلم عالماً بمعناها، عاملاً بمقتضاها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله معتقداً صحة ما تضمنته واقتضته. والمسلم صادق في إيمانه وعقيدته مستسلم لله في الحكم والأمر وفي الشرع والقدر لا ينزل حوائجه إلا بالله ولا يطلب تفريج كروبه إلا منه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه أحمد. يقول عليه الصلاة والسلام: (سلموا كل شيء حتى الشسع إذا انقطع فإنه إن لم ييسره لم يتيسر) رواه أبو يعلي. ويقول ابن عباس: أفضل العبادة الدعاء وإذا حلت بك الحوادث والكروب وأغلقت في وجهك المسالك والدروب ناد العظيم فإن من سأله أعطاه ومن لاذ به نجاه وحماه وأما الميت والغائب فإنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن نفع غيره، والميت محتاج إلى من يدعو له كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم وندعو لهم يقول عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنه: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كبته الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك) رواه البخاري. وربنا سبحانه متصف بالسمع والبصر ومن القدح في ربوبيته والتنقص لألوهيته أن تجعل بينك وبينه وسائط في الدعاء والمسألة ومما يناقض كلمة الإخلاص إراقة الدماء لغير الله، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163}). والطواف بالبيت العتيق عبادة متضمنة للذل والخضوع لرب البيت - والطواف بغيره من الأضرحة والمشاهد موجب للحرمان من الجنة والحلف بالله صدقاً في مواطن الحاجة من تعظيم رب العالمين والحلف بغيره استخفاف بجناب الباري جل وعلا لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواه الترمذي. ومن اتخذ حروزاً لدفع العين عنه أو جلب النفع له فقد دعا عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بألا يحقق الله له مبتغاه وبأن يصاب بضد ما قصده. قال عليه الصلاة والسلام: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له) رواه أبو داود وقد أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعة من علق التمائم. يقول عقبة بن عامر الجهني: أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا يا رسول الله بايعت تسعة وأمسكت عن هذا. قال: إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال :(من علق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد. فعند الشدائد والأحزان الجأ إلى الواحد الديان، فنعم المجيب هو ومن تعلقت نفسه بالله وأنزل به حوائجه والتجأ إليه وفوض أمره كله إليه كفه كل سؤله ويسر له كل عسير ومن تعلق بغيره أو سكن إلى عمله وعقله وتمائمه واعتمد على حوله وقوته وكله الله إلى ذلك وخذله. قال في كتاب تيسير العزيز الحميد: وهذا معروف بالنصوص والتجارب (من يتوكل على الله فهو حسبه). ومن معاول هدم الدين إيتيان السحرة والمشعوذين وسؤال الكهان والعرافين قال عز وجل: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) وفي الحديث: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه النسائي. ومن سأل السحرة الكيد بالآخرين عاد وبال مكره عليه. قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (43) سورة فاطر. والظلمة لا تدفع بالظلمة ودهاء السحر يدفع بنور القرآن لا بسحر مثله {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (82) سورة الإسراء. فحافظ أيها المسلم على عقيدتك فهي أنفس ما تملك وأعز ما تدخر والشرك يطفئ نور الفطرة وهو سبب الشقاء وتسلط الأعداء ، ولا تؤثر الكسل على طاعة رب العالمين ولا تزهد فيما أعده الله للمحافظين عليها من جزيل الأعطيات وعلى قدر صلة العبد بربه تنفتح له الخيرات وتجنب الذنوب والأوزار فإنها تثقل عليك الطاعات وفي الدعوة إلى الله إعزاز لدين الله واقتداء بالأنبياء والمرسلين وهي أحسن القول وأكرمه وتحسس الداء وضع الدواء المناسب له واعرف حال المدعوين وما يحتاجون إليه وتحمل هم الناس ولا تحمل الناس همومك. وأكثر من التوبة والاستغفار والعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية آية قبول الحسنة اتباع الحسنة الحسنة يقول قتادة - رحمه الله - :إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار وهو سبب دخول الجنات وزيادة القوة والمتاع الحسن ودفع البلاء يقول أبو المنهال : ما جاور عبد في قبره من جار أحب من الاستغفار. ( * ) إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.