في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك لعام 1424ه وجبت صلاة العشاء فكنت قريباً من أحد المساجد في شارع القصور بمكةالمكرمة وعند انتهاء الصلاة وتفرق المصلون بقي رجل شيخ في السبعين من عمره جالساً في إحدى زوايا المسجد ولاحظت شاباً منغولياً يسلم على من تبقى في المسجد ثم ذهب لهذا الشيخ، أمسك يده بعد أن أحضر نعليه وأخذ يقوده لخارج المسجد فاتجهت نحوهما وسلمت عليهما وقد عانقت هذا الشاب المنغولي فعانقني عناقاً حاراً وكأنه يعرفني منذ فترة طويلة حيث شدني هذا المنظر لهذا الشاب الذي يساعد هذا الشيخ وقد ظننت أنه ابنه ولكن أخبرني هذا الشيخ أنه أخ له وأن والديه متوفيان وهو الذي تكفل برعاية الشاب وكان هذا الشاب في منتهى النظافة والبشاشة وتجمل شكله لحية خفيفة بيضاء وفي الليلة الثانية عنيت لأصلي العشاء في هذا المسجد وهو مسجد المرحوم الشيخ صالح الشبل في أحد الأحياء في شارع المنصور بمكةالمكرمة لكي أشاهد هذا الشاب والتحدث معه ومع أخيه، وفعلاً جلست معه في المسجد بعد ان تفرق المصلون في الزاوية التي اعتاد الجلوس فيها فأبلغني أن هذا الشاب من مواليد 1373ه ولايستطيع الكلام إلا بصعوبة وقد تساقطت كافة أسنانه وكسا شعر رأسه ولحيته الشيب وهو محبوب عند كافة الناس ولم يصدر منه أي أذى أو مضايقة لأحد ويأكل وينام بانتظام ويحافظ على نظافة جسمه وملبسه ولديه ذكاء ولكنه عنيد في بعض الأحيان وهو لايتعدى البيت والمسجد والدكان ويساعده في الكثير من الأمور وخاصة في الدكان والمسجد. المقصد من كتابة هذه المقالة بعد مشاهدتي لهذه الحالة هي عدة أمور تحتاج إعادة النظر فيها بكل تمعن.. أولاً: زيادة أعداد هذه الفئة التي يطلق عليها المنغوليون والتعبير الأمثل لها (متلازمة داون). ثانياً: ان مسألة عدم التعمير إلى سن متقدمة مثل السن التي وصل إليها هذا الشاب (52) سنة هي دلالة واضحة أن مسألة عدم التعمير كانت معلومة خاطئة. ونتساءل أين الجمعية السعودية لمتلازمة داون والتي صدر لها تصريح من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية منذ أكثر من ست سنوات والمكون لها مجلس إدارة وهي تحصل على دعم معنوي ومادي من الدولة وكذلك الاشتراكات السنوية والتبرعات ولكن لم يبرز لها نشاط ملموس لهذه الفئة مثلها مثل الفئات الأخرى بجمعية الأطفال المعاقين وجمعية طب الأطفال السعودية والجمعيات الخيرية الأخرى ولم نقرأ أو نشاهد دراسات خاصة أو أفلاماً تعرض في التلفزيون عن كيفية التعامل معهم أو معاهد خاصة أو التدريب على بعض المهن الخفيفة.. نرجو ان تكون هذه الحالة التي شاهدناها بالصدفة في مسجد الشبل في مكةالمكرمة تذكيراً على الاهتمام في حالات (متلازمة داون) خاصة وان أعدادهم تزداد يوماً بعد يوم.