إن اللغة العربية هي لغة من أجمل اللغات وأسماها وأرقها، هي لغة عذبة جميلة، سلسة لطيفة. أنزل الله سبحانه وتعالى بها كتابه المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مما يدل على جلالتها وعظم قدرها ومكانتها بين سائر اللغات المختلفة، فقد جاء بها الله اعجازاً لقومها متحدياً بها فصاحتهم وبيانهم، بلاغتهم وبديعهم، وقد تعهد الله بحفظها وحمايتها من عبث العابثين وكيد الكائدين والمعتدين الذين يتربصون بها حيث يقول عز من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . وقد تعرضت اللغة العربية لمكائد متعددة واتهامات كثيرة حيث اتهمها أعداؤها بأنها لغة قديمة أكل عليها الزمان وشرب، لا تواكب تقدم العصور والحضارات، تعجز ألفاظها ومفرداتها عن ملاحقة التقدم العلمي واحتوائه. وفي ظل هذا الهجوم الشرسُ الذي نشب أنيابه ومخالبه في متن اللغة نجد أدباء العرب هبوا مدافعين عنها واقفين بجوارها مساندين مكانتها فهي لغتنا الجميلة، حيث إننا نجد شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته اللغة العربية تتحدث عن نفسها يقول: أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟ ففي هذا البيت يشبه لنا حافظ ابراهيم اللغة العربية بأنها بحر خضم مليء بالدرر الكامنة التي تقبع في قاعه منتظرة من يبحث عنها ويستخرج معانيها الرقيقة الجميلة ثم تطلب اللغة العربية من مختلف الشعوب والأمم أن يسألوا عنها أدباءها وعلماءها الذين طالما غاصوا فيها وفي امواجها باحثين عن دررها ومعانيها، فهي لغتهم الجميلة التي ما إن ابتعدنا عنها وتركناها لم تقم لنا قائمة، وها هو حافظ إبراهيم يجسد لنا هذا المعنى بقوله: أنا إن قدَّر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي ولكن على الرغم من هذا القدر العظيم والمنزلة الجليلة التي تحتلها اللغة العربية فإنها تواجه خطرا عظيما وخطبا جللاً، والأسف الشديد أن يكون هذا الخطر موجهاً لها من أبنائها وشعوبها المتحدثة بها الا وهو اهمالها والاتجاه للعامية البحتة وانتشارها، فقد انتشرت العامية بين الناس انتشار النار في الهشيم، حيث وجدت من الجهلة وأنصاف المتعلمين البيئة والتربة الخصبة لنموها وانتشارها، فنجد كثيرا من العرب وهم من العروبة براء يغرقون في بحر من الأخطاء اللغوية الجسيمة محطمين قواعد اللغة بل ونجدهم يتشدقون بألفاظ ومفردات أجنبية مختلفة تتخلل حديثهم متفاخرين بهذا، وهو والله لعارُ كبير على أمثالهم. ورغما عن كل هذه الصعوبات والعقبات التي تواجه لغتنا العربية الفصحى من عدوتها العامية وإهمال الناس لفصحاهم نجد الله سبحانه وتعالى يقيض لها أدباء أجلاء يخرجون من عباءة جدودهم الفصحاء البلغاء يغزلون على منوال اللغة والأدب، يعزفون على قيثارة الفصحى، ناشرين نغماتها في كل أنحاء الدنيا على مسامع مختلف الشعوب بل ومعملين مبضع الجراح الأديب مستأصلين به كل سخيف تافه دسَّه لها أعداؤها، بل ويحاربونهم بكل ما آتاهم الله من قوة وعلم وأدب. ولقد احتلت هذه القضية المهمة مكانة بارزة وسط القضايا اللغوية المختلفة فلقد اهتم بها الأدباء وعكف على دراستها اللغويون وتيقظ لها النحاة باحثين عن أساليب علاج هذه الظاهرة المستفحلة. ومن هنا كانت مناداتنا بالتمسك بلغتنا العربية الفصحى الجميلة المنزهة عن أي عيب أو خلل أو نقصان فهي لغة القرآن.