بمزيد من الحزن والأسى ودّع الشعب الأذربيجاني ابنه البار فخامة الرئيس حيدر علييف رئيس الجمهورية الأسبق الذي وافته المنية يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من ديسمبر للعام الحالي في مستشفى كليفليند بالولايات المتحدةالأمريكية إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه بجمهورية أذربيجان، حيث تم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير يوم الخامس عشر من ديسمبر، وقد شارك في مسيرة تشييع الجثمان قرابة المليون شخص من بينهم قادة وزعماء وكبار الشخصيات من دول العالم. لقد عرف حيدر علييف في كل مراحل حياته صادقا مع شعبه، مخلصا أمينا في خدمة قضايا وطنه، ويعتبر بحق بأني دولة أذربيجان الحديثة، فقد كرس حياته وجهده لخدمة بلده وقضايا أمته، ويتجلى ذلك بالشعبية العارمة التي كان ولا يزال يتمتع بها في مختلف فئات الشعب الأذربيجاني، فهو يعيش في ضمير ووجدان كل مواطن أذربيجاني، وسيبقى دائماً يمثل الذاكرة الحيّة في التاريخ الأذربيجاني المعاصر. كان حيدر علييف ذا موهبة فذة في التخاطب مع شعبه، وكان مستمعاً جيدا، مبدعاً في فن الخطابة، قريباً من النفس، وكانت تقترن به بشكل منسجم مزايا الخطيب البارع المفوه بمزايا العالم النفساني القادر على إدارة الحديث الصادر من القلب إلى القلب.. وكان بطبيعته الحساسة والدقيقة يستطيع استمالة الناس نحوه سواء البسطاء منهم أو من الشرائح الاجتماعية العليا. إن الشعبية الحقيقية لحيدر علييف تضفي انسجاماً على صورته السياسية والرسمية حيث دخل قلب كل مواطن أذربيجاني وأصبح يمثل تجسيداً حيا للبلاد ورمزاً لوحدة الأمة. ولد حيدر علي رضا أوغلو علييف في العاشر من مايو/أيار سنة 1923م من عائلة عاملة في مدينة نخيجيوان العريقة في القدم التي أنجبت لأذربيجان أدباء ومفكرين ومعماريين أثروا التاريخ الأذربيجاني بالعلم والمعرفة. في ديسمبر - كانون الأول من عام 1982م انتخب حيدر علييف عضواً للمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي وعين في منصب نائب لرئيس مجلس الوزراء في الاتحاد السوفييتي السابق. وقد شكل ذلك نقلة نوعية كبيرة في تدرجه السياسي وأصبح يشغل منصبا كبيرا ومهما في الحزب الذي لا يقل عدد أعضائه عن 22 مليون شخص وبعد ذلك تم انتخابه عضوا للقيادة العليا للحزب من بين 21 عضوا. منذ ذلك الحين لم يعد حيدر علييف قائداً لإحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي الخمس عشرة فحسب، بل أحد أعظم قادة دول الاتحاد السوفييتي. ونتيجة لمعارضته لسياسة غورباتشوف التي اتسمت بالتناقض بين الأقوال والأفعال، فقد قدم حيدر علييف استقالته من المكتب السياسي للحزب خاصة على إثر الأحداث الدموية في أذربيجان عام 1990م فقد خرج من الحزب الشيوعي احتجاجاً على ممارسات غورباتشوف ضد مصالح الشعب الأذربيجاني. وعلى أثر ذلك فرض عليه وعلى جمهورية أذربيجان حصارا إعلامياً في حين كان يحاول العودة إلى أذربيجان ليكون مع شعبه في تلك الظروف الصعبة لكن السلطات السوفيتية لم تسمح له بالعودة إلى الوطن. بالرغم من ذلك استطاع حيدر علييف الوصول إلى باكو ليمارس نشاطاً اجتماعياً حيث تم انتخابه عضوا في البرلمان الأذربيجاني، وفي عام 1991م انتخب رئيساً للمجلس الأعلى لجمهورية نخيجيوان ذات الحكم الذاتي. وفي الانتخابات الرئاسية الثانية التي جرت في 11 أكتوبر عام 1998م أعيد انتخاب حيدر علييف لفترة رئاسية ثانية ليصبح رئيساً للجمهورية لخمس سنوات أخرى. لقد عاش حيدر علييف في وعي ووجدان الشعب مجسداً لآماله وطموحاته، وأكد وهو يرسم ملامح وآفاق تطوير البلاد على أن أحد المهام الأساسية التي ينبغي القيام بها هي تنظيم وبناء الدولة. وإن دولة أذربيجان ينبغي أن تستفيد من تقاليدها التاريخية والقومية العريقة وأن تسير على نهج التجربة العالمية وقيم البشرية المشتركة على طريق بناء الدولة الديموقراطية الحديثة. لقد حققت جمهورية أذربيجان بقيادة الرئيس الراحل نجاحات ملموسة في سياستها الخارجية، وكان يؤمن ويؤكد دائماً على فكرة ومبدأ انتماء أذربيجان إلى العالم الإسلامي وقد سعى دائماً إلى توطيد العلاقات الأخوية مع الدول الإسلامية الشقيقة، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، حيث شهدت هذه العلاقات تطورا ملموساً بعد زيارة فخامته إلى المملكة في منتصف عام 1994م ولقائه مع أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود. وقد أعرب الطرفان الأذربيجاني والسعودي عن رغبتهما في تطوير علاقات الصداقة والتعاون المتبادل في كافة الميادين بين البلدين بما في ذلك التعاون مع المنظمات الدولية المختلفة.