الفطرة هي التي خلق الله الانسان عليها والتهويد والتنصير إنما يأتيان من قبل أبويه كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ إن الله سبحانه وتعالى قد بين الهدى لسالكيه ودلَّهم على طريقه وحذرهم من مخالفة أمره، وحين يقع الانسان منا في معصية ما يكون قد انسلخ منه جزء من ايمانه حتى يقلع عن ذنبه ذاك ويتوب ويستغفر، فالايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وما دمنا نعرف بأن كل البشر خطاء وخير الخطائين التوابون ندرك تماماً بأن الخطأ واقع أو هو سيقع لا محالة من صغير أو كبير ذكر أو أنثى والمهم لدينا هو ما يتبع ذلك الخطأ ويمحو أثره وهو التوبة والانابة والرجوع الى المولى عزوجل وتلمس أسباب مرضاته والفوز بجناته بعد أن نخلع ثوب المعصية ونستبدله بثوب الطاعة والخوف والخشية من الله جل شأنه. إن الفطرة والطهر والنقاء هي الأصل في بني آدم وإنما التغير والاستبدال يأتيان تالياً منه بسبب غواية الشيطان ومكره وتوهينه وما سار عليه الآباء والأمهات من نهج قبيح أما ان كان بعكسه فالأبناء على دين آبائهم وصلاح الآباء يدركه الأبناء غالباً ولكن هناك من يقف للانسان الصالح مترصداً له في طريقه ومحاولا ثنيه عن اللحاق بأهل الصلاح والهدى وهم كثر وعلى رأسهم إبليس - أعاذنا الله منه - ثم يأتي بعده الهوى والنفس قال تعالى {إنَّ الشَّيًطّانّ لّكٍمً عّدٍوَِ فّاتَّخٌذٍوهٍ عّدٍوَْا} وقال سبحانه {وّمّا أٍبّرٌَئٍ نّفًسٌي إنَّ النَّفًسّ لأّمَّارّةِ بٌالسٍَوءٌ} .. الآية كما ان المؤثرات الخارجية التي تصطبغ بها حياة المرء لا شك بأن لها تأثيراً قوياً على مسيرة حياته الدينية والدنيوية وهي في حد ذاتها كافية لاختزال الانسان من جذوره إن لم تتداركه رحمة الله ومغفرته وإلا فيُخشى أن توقعه تلك المؤثرات في المهالك فتقضي عليه. ولذا فإن على الموجهين والمرشدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر مسؤولية كبرى ومهمة جسيمة في انتشال أولئك من أحضان الرذيلة والفسق والفجور واعطائهم جرعة ايمانية عميقة بتوفيق الله عزوجل ومشيئته تعالى وهذا الأمر لا يتأتى إلا باتباع الطرق السليمة في الدعوة التي جاءت بها النصوص من الكتاب والسنة. قال تعالى{ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ اّالًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ} وقال عز من قائل عليم {وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ} وفي الحديث الشريف «لا تكن عونا للشيطان على أخيك» فهذه النصوص وغيرها تدل دلالة قاطعة على أنه يجب علينا كموجهين وناصحين للأمة أن نتلمس أسباب صلاحها سالكين بذلك مسالك الرفق واللين وان نوغل في طلب ذلك مع شحذ الهمم في البحث عن نهج المصطفى عليه الصلاة والسلام في الدعوة لنطبقه على أنفسنا ومن شذ منا عن جادة الصواب وإلا فإن الشيطان ممسك بتلابيب أولئك ومطبق عليهم في زنزانته فلا نكن إذاً عوناً له عليهم.. لنكن رسل خير وصلاح وفلاح.. لنكن أنموذجاً يحتذى ومثالا رائعاً يحبنا أهل الشر قبل أهل الخير.. وحب أهل الشر لنا إنما يكون بعد وضع البلسم على الجراح التي أصابها الداء وكادت تتسع رقعتها أو تجدُّ جراح أخرى.. ثم بالطريقة المثلى.. طريقة أهل التقى والنهي.. طريقة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم والتي ما إن نحذو حذوها في الدعوة والارشاد والتوجيه إلا ونجد أننا بالفعل قد نجحنا وفلحنا وأفلحنا وأتى غرسنا ثماره يانعة. إنك أيها الموجه والناصح لا تكره أخاك وإنما تكره ما فيه من معصية وقع فيها أو على الأصح أوقعه الشيطان فيها وهو حين يقع في المعصية إنما يكون كالمريض الذي يحتاج الى علاج ناجع يقضي على موطن الداء أو الى مبضع جراح ماهر يستأصل الداء من أعماقه بعد ان يشخصه تشخيصاً دقيقا ثم بعدها يصف الدواء الذي يكون موافقا للعلة التي وصف من أجلها أما إن كان التشخيص غير مطابق للعلة فالأحرى ألا يكون الدواء متوافقاً والداء وبالتالي يكون العلاج غير ناجح على اطلاقه فلذا يجب على المربي وعلى العالم والمعلم تقصي الأسباب وبذل المسببات التي تتفق وتتوازن مع علاتها فليس كل سبب يناسب كل علة أو يتفق مع مسبباتها إذ لكل علة سبب ولكل سبب توافق واتفاق. كما أن على أعضاء الحسبة ايجاد توازن بوجه عام بين ما يجب عليهم فعله مع فلان من الناس وما يجب عليهم تركه مع علان إذ إن بعض المخالفين تفيد معه الاشارة فقط والحر كما يقال تكفيه الاشارة أما البعض الآخر فلا يفيد فيه غير النهر والزجر وثالث حتى الزجر والنهر لا يحركان فيه ساكناً والناس في هذه الحالة متفاوتون في القبول والرفض والأخذ والرد. ومن هنا وجب على الداعية أياً كان وضع اطار معين ومقياس دقيق في كيفية فتح الأبواب المغلقة وحل الاغلال الموثقة والدخول رأساً الى القلوب المحبطة واستمالتها بشيء من العاطفة وقليل من الود وبعض من المشاعر ولمَ لا؟ لنجرب ولنرَ نتيجة التجربة التي ستكون بإذن الله تجربة ناجحة بكل المقاييس والله الموفق والهادي الى سواء السبيل. * ص.ب5912 الرياض11432