من يدخل وراء القضبان في امر من الامور يشعر بنعمة الحياة والحرية، ويعتقد أن السجين من وراء تلك القضبان ربما يكون في حالة نفسية وقلق متزايد يحرمه من مزاولة اي نشاط في حياته.. ولكن «شواطئ» عندما تجاوزت اسوار السجن وزارت المدرسة الإصلاحية فيه وجدت الامور تختلف تماما عما يتصور الناس، فهناك اعداد من السجناء ينتظمون على مقاعد الدراسة وبشكل يومي وفي جميع المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، حتى على مستوى تعليم الكبار ومحو الامية. اخي القارئ: كن مع «شواطئ» في جولتها داخل مدرسة السجن وتعرف على الأجواء الرائعة التي يشعر بها المساجين ومعلموهم خلال اليوم الدراسي. * اول ما لفت نظرنا في المدرسة هو ذلك الرجل الذي ناهز الستين من العمر وهو من اكثر الدارسين انتظاماً وحماساً للتعلم. يقول إنني احضر إلى مدرسة السجن وانا اضع امامي هدفاً لابد ان اصل اليه مع مرور الايام وهو تعلم القراءة والكتابة من اجل ان اقرأ القرآن الكريم واحفظه واحفظ الادعية والاذكار التي تنفعني هنا وفي كل مكان اذهب اليه.. ويقول هذه نصيحتي لابنائي الذين ينعمون بنعمة الحرية في الحياة والى كل اب انعم الله عليه بالاولاد ألا يحرمهم من عطفه وحنانه بسبب امور لا تنفعه في الدنيا ولا في الآخرة.. يقول انني استمتع بالوقت الذي اقضيه هنا واواصل حل الواجبات عندما اخرج من الفصل وانتظر اللحظة التي احضر فيها الى هنا لانني اشعر بالفائدة من الساعات التي اقضيها داخل السجن، وانا الآن استطيع القراءة والكتابة وسأواصل حتى اعتمد على نفسي في حفظ القرآن الكريم والادعية والاذكار. * وهذا هو سجين آخر ينتظر الخروج من السجن يقول اعتبر كل يوم تشرق فيه الشمس وانا في هذا العنبر ضياعا وخسارة عليّ وعلى وطني واهلي وحياتي، وعندما علمت أن في السجن مدرسة متكاملة ولجميع المراحل قلت في نفسي لابد من الالتحاق بها والاستفادة من هذا الوقت الكبير الذي يهدر من عمري ليل نهار، وانني عندما ادخل المدرسة واشاهد المعلمين وقد جاؤوا الى هنا من اجل افادتنا لاحمد الله على أن جعلنا في بلد يعرف حق الله في الناس ولا يضيع حقوقهم مهما كانت اخطاؤهم التي ارتكبوها في حق انفسهم.. كما اشاد بالجهود التي يبذلها المعلمون والمعاملة الرائعة من الجميع. كما تحدثت شواطئ مع احد السجناء غير السعوديين فقال لا اعرف كيف اعبر لكم عن شعوري وانا ادرس في السجن، فبالرغم من ان المرء يرتكب الاخطاء في حق البلد الذي اكرمه وفي حق نفسه الا ان فرصة الدراسة اتيحت لي في السجن، وانا ومنذ ان التحقت بالمدرسة شعرت بأن شيئا جديداً ومفيداً بدأ يدخل حياتي ويقطع الإحساس بالاحباط الذي رافقني منذ ان دخلت السجن، صدقوني انني انا وزملائي ننتظر وقت الدراسة بفارغ الصبر ونمل من الانتظار اذا ما كان يوم الاجازة، واكثر ما يلفت نظري هنا هو التعامل الراقي من الجميع سواءً كانوا معلمين او موظفين داخل السجن فالجميع لا يشعرونك الا بالطيبة والعطف والحرص على الفائدة. * وأثناء تجول «شواطئ» بين فصول المدرسة لاحظنا أحد الشباب وقد بدت عليه علامات الأمل، اقتربنا منه وذكر لنا انه في غاية السعادة منذ أول يوم للدراسة، وهو يشعر الآن بقيمة وجوده وأن في حياته بقية من الامل الذي كاد أن يفقده، يقول هذا الشاب من اهم الاشياء التي استفدتها من المدرسة انني بدأت احفظ القرآن الكريم وها انا الآن قد حفظت جزأين كاملين وفي طريقي لحفظ الباقي بإذن الله وسوف استفيد من وقتي واواظب على الدراسة من اجل ان تتحسن قراءتي اكثر واستطيع الحفظ بشكل اسرع وبالتالي اخرج من هنا بالاجر والحرية ان شاء الله.. وارجو ان تبلغوا رسالتي الى كل الشباب بأن يراعوا الله تعالى في حق انفسهم ووطنهم وان يحرصوا على حياتهم بعيداً عن الاسباب التي تؤدي بهم الى البقاء هنا سنوات طويلة. * اما مدير المدرسة الاستاذ حمد المعيقل فيقول ان العمل في مدرسة السجن يختلف عن اي عمل آخر، فنحن نتعامل مع فئة في امس الحاجة للرعاية والمتابعة والعطف من الجميع، علاوة على الاجر والثواب الذي يناله كل من يساعد السجناء على الاستفادة من اوقاتهم بتطوير قدراتهم التعليمية ومواصلة دراستهم دون انقطاع ماداموا في هذه العنابر كفانا الله واياكم شرها وشر مسبباتها.. ومن المواقف التي رواها لنا مدير المدرسة يقول كان احد السجناء ينوي الانقطاع عن الدراسة بحجة الملل من الحياة كلها وانه لا فائدة من الدراسة وهو وراء القضبان لسنوات طويلة، يقول جلست معه جلسات عديدة واقنعته بالبقاء وانه سوف يجني الثمار في مستقبل الايام، وبالفعل عاد ودرس واخذ الشهادة من هنا وهو الآن يتمتع بالحياة بعد ان خرج من السجن وحصل على وظيفة بتلك الشهادة. * كما صادفت زيارة «شواطئ» زيارة المشرف التربوي الاستاذ محمد يوسف الحشاش الذي اكد على ان التعامل مع الدارسين في السجن لابد له من اناس صادقين يفهمون ويدركون ان الدارس في امس الحاجة لمن يعطف عليه ويمسك بيده حتى يوصله الى القناعة بأن الحياة لن تتوقف بمجرد الخطأ بل بالامل سوف نعيش وبالايمان بالله سوف نتعاون على مصلحة مجتمع نظيف ونزيه الى الابد، كما قدم شكره لوزارة التربية والتعليم على جهودها الواضحة من اجل تسهيل كل الامور المتعلقة بالمدرسة مشيدا بمتابعة واهتمام مدير عام التربية والتعليم بالجوف بشأن المدارس الاصلاحية بالمنطقة. * ومن بين المعلمين في مدرسة السجن التقينا الاستاذ فتحي مرزوق الكريع والذي ابدى لشواطئ انه يستمتع بالعمل هنا اكثر من العمل بالمدارس العادية لأن السجناء يريدون من يتلمس لهم الطريق الى الحياة من جديد، كما ان دور المعلم هنا يرتكز على الناحية المعنوية والنفسية اكثر من اي شيء آخر، وذكر ان الدارسين يبدون تفاعلاً واضحاً وانضباطاً متواصلاً طيلة ايام الاسبوع وهذا دليل على رغبتهم في الاستفادة من الوقت وراء الشمس. * وقد اختتمت «شواطئ» رحلتها في مدرسة السجن بزيارة المقدم مسفر عبيدالله العتيبي مدير عام إدارة السجون بمنطقة الجوف والذي اكد أن الدولة حفظها الله لم ولن تتأخر عن ايجاد كل السبل التي تريح السجين طوال مدة العقوبة التي سببها لنفسه، والتوجيهات الكريمة تحثنا على مراعاة الله تعالى اولاً في حق السجناء وتوفير كل السبل التي تعينهم على العودة الى الحياة من جديد.. اما بالنسبة لمدرسة السجن فلها الكثيرمن الاهداف والطموحات والنتائج التي حققتها بحمد الله تعالى، وكم هو رائع ان نرى مجموعات الدارسين وقد خرجت من العنابر وتوجهت الى مقاعد الدراسة بكل امل وتفاؤل. وقد تم توجيه الزملاء المعلمين بالمدرسة الى ضرورة مراعاة الظروف النفسية للدارسين والاخذ بأيديهم الى حيث النجاح ومواصلة الحياة بكل عزيمة. وقال المقدم العتيبي ان ادارة السجن مستعدة لتذليل كل الصعوبات التي تواجه المدرسة ولا تتوانى في تقديم اي شيء تطلبه ادارة المدرسة وفيه النفع للدارسين.