الموافقة الجماعية لمجلس الأمن على القرار الأمريكي الذي يتيح إنشاء قوة متعددة الجنسيات في العراق تحت قيادة موحدة أمريكية للمشاركة في إحلال الاستقرار في البلاد، سوف تشجع واشنطن على المضي قدماً في تنفيذ مخططها وتحقيق مآربها بالتغيير «الشامل» في منطقة الشرق الأوسط. وقد جاء القرار بموافقة الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن بما فيها سوريا التي يشملها التهديد الأمريكي بالتغيير، والتي رأت انها ستكون الدولة الوحيدة التي ترفضه بعد موافقة كل من ألمانيا وفرنسا وروسيا للتعديلات التي أدخلت عليه لارضائهم، لكن سوريا لم تكن طرفاً في المعادلة ولم تستشرها واشنطن بخصوص القرار، فكانت المعضلة مع روسيا وفرنسا وألمانيا، وفي هذا المضمار حدث نقاش حاد استمر ستة أسابيع من مشاورات صعبة اقنعت خلالها واشنطن الدول الثلاث بعدالة التعديلات التي رأت فيها توازناً مع الأفكار الروسية والفرنسية والألمانية. فلماذا كان الحرج السوري من الرفض؟ نتمنى ان تكشف القيادة السورية حيثيات موافقتها على القرار في وقت تسربت فيه أخبار ان الولاياتالمتحدة رفعت الحماية السياسية والدبلوماسية التي كانت تؤمنها لسوريا في المواجهة مع إسرائيل.. وجاءت تلك الحماية بناء على الاتفاق بين سورياوأمريكا خلال ربع قرن، بأن تمنع أمريكا إسرائيل من الاعتداء عليها وضرب أهداف ومواقع فيها، في مقابل تجاوب القيادة السورية مع المبادرات والاقتراحات الأمريكية المختلفة لتسوية النزاع سلمياً أو عدم عرقلتها أو الاعتراض فعلياً عليها. وجاءت موافقة سوريا على قرار مجلس الأمن بعد موافقة مجلس النواب على قانون محاسبة سوريا وفرض عقوبات اقتصادية عليها، بعد ان ظل هذا القرار يراوح مكانه سنوات في ردهات الكونجرس الأمريكي بسبب رفض البيت الأبيض على مدى إدارات متعاقبة الالتزام به، وحتى لا تسبب لها احراجات مع العرب، لكن هذه الإدارة رأت تمريره الآن للمضي قدماً في معاقبة سوريا بعد رفضها المطالب الأمريكية. كما جاءت الموافقة السورية على القرار بعد العدوان الإسرائيلي على موقع عين الصاحب بسوريا وانتهاك سيادتها، وتزامنت الموافقة مع الفيتو الأمريكي ضد القرار الذي تقدمت به المجموعة العربية لإدانة إسرائيل لبناء الجدار العنصري والتهام الأراضي العربية، وعاد العرب بخفي حنين من الضغط على إسرائيل لوقف بناء الجدار في الضفة والقطاع. وإذا كانت الموافقة السورية جاءت لنزع فتيل الاحتقان الحاصل الآن مع واشنطن بعد أن اتخذت سلسلة من الإجراءات القانونية والسياسية والدبلوماسية ضد سوريا، فإننا نؤكد ان رد الفعل العربي كان مخيباً للآمال، ورد الفعل السوري نفسه لم يكن برد الفعل الحاسم كدولة انتهكت سيادتها وتعرضت أراضيها للقصف، حتى جامعة الدول العربية أدانت العملية العسكرية وأبدت قلقها من تنامي الاتهامات الأمريكية الإسرائيلية لسوريا، وطالبت الجامعة موسكو بالتدخل لخلق أجواء مواتية يمكن أن تسهم في إعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط. الحرج السوري والضغوط التي تعرضت لها من واشنطن جعلتها توافق على القرار الأمريكي في مجلس الأمن، لكن أمريكا لم يعد يكفيها أو يملأ عينيها أي موافقات على قراراتها أو الاعتراض عليها. أمريكا مصرّة على تنفيذ المخطط وتضغط على سوريا بمطالب أهمها: إنهاء كل أنواع الوجود ل«حماس» و«الجهاد الإسلامي» وسائر المنظمات الفلسطينية المسلحة المعارضة للسلام مع إسرائيل في الأراضي السورية، وإبعاد زعمائها وكبار المسؤولين فيها، وتجريد حزب الله اللبناني من أسلحته الثقيلة ووقف امدادات الأسلحة إليه، وتأمين حماية أكمل وأفضل للحدود السورية العراقية لضمان عدم تسلل مقاتلين عرب عبرها إلى العراق، ووقف عمليات التهريب عبر هذه الحدود وإعادة كل الأموال الرسمية والخاصة التي أودعها صدام حسين في المصارف السورية، ووضع حد لامتلاكها أسلحة دمار شامل. لكن عدم تجاوب سوريا فعلياً مع تلك المطالب التي حددها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته لدمشق في مايو الماضي، بعد ان أعطى القيادة السورية مهلة للرد على هذه المطالب ولم ترد دمشق، عجّل من سرعة الإجراءات ضدها، فرفعت واشنطن الحماية السياسية والدبلوماسية عن سوريا، كما سمحت للكونجرس بتبني قانون محاسبة سوريا. كما أعطت أمريكا الضوء الأخضر لإسرائيل لاستخدام القوة العسكرية ضدها، وحسبما تسرب من أخبار في هذا الصدد فقد أعدت إسرائيل قائمة بثلاثة أنواع من الأهداف التي يمكن قصفها تدريجياً في سوريا. الأول: يشمل قصف أهداف ومواقع تابعة للمنظمات الفلسطينية المعارضة للسلام. الثاني: يشمل أهدافاً ومواقع عسكرية واستراتيجية سورية مهمة كالمطارات والقواعد العسكرية المختلفة. الثالث: يشمل أهدافاً رمزية كالقصور الرسمية وبعض المباني الحكومية. سوريا العربية تمر بمرحلة مشابهة للعراق قبل الحرب باستخدام الدبلوماسية الضاغطة بكل ثقلها، مع تفعيل قرارات وقوانين للتأثير عليها وعلى استقلال قراراتها، وكل الخطوات التي اتخذت حتى الآن كفيلة بأن نطلق عليها «خطوات حرب» ضد دولة عضو في الأممالمتحدة وذات سيادة، ودولة عربية لها ثقلها ووزنها السياسي داخل الاقليم العربي وبقي فقط ان تنفذ إسرائيل مخططها بضرب الأهداف في الأراضي السورية، ومن ثم فإن قلق جامعة الدول العربية لن يفيد سوريا في المواجهة. المطلوب خطوات ايجابية وتحرك فعّال يحفظ لهذا البلد العربي هيبته وكرامته، في إطار تخطيط فعّال لمرحلة المواجهة التي ستندلع قريباً مع الكيان الصهيوني بالخطوات والمواقف والأفكار التي يمكن التعامل معها في هذه المرحلة. وعلى القيادة السورية ان تدرك أن الأمر جد خطير والخطوات باتت جادة واحتمالات تنفيذها قاب قوسين أو أدنى.والمأمول من دول المنطقة التحرك الاستباقي قبل الضربات الاستباقية التي تنتهجها أمريكا وإسرائيل؛ حتى نضيق عليهما حرية التصرف وتنفيذ المخطط! فهل نتحرك قبل ان نذرف الدموع على بلد عزيز وغالٍ علينا؟!