عندما أكون في حال سفر لا أتابع الأخبار كثيراً فالإجازة ليست فقط في الخروج من روتين العمل بل الخروج من نظام حياة إلى نظام آخر تظن أنه أكثر راحة أو أكثر إنعاشا. شيء واحد لم أكف عن متابعته. لظني أنه سوف يتطور بشكل درامي مثير. إنه حكاية الجندي الأمريكي الذي يُقتل كل يوم في العراق. لا يمكن أن تكون هذه الحكاية بسيطة كما يصورها الإعلام. إنها قضية واشنطن الأولى. تسعى أمريكا هذه الأيام إلى ضم حلفاء لها لحفظ الأمن في العراق أو بعبارة أفضل ليُقتل جنود غير أمريكان أيضا. لتوزيع المصيبة. لكن لماذا يُقتل الجندي الأمريكي في العراق؟ ولمصلحة من؟ ومن هو الذي يقود عملية القتل هذه؟ لا أحد يجيب على هذه الأسئلة فالفضائيات العربية لا ترفع درجة حرارة الحدث إلا إذا جاءها الإيحاء من الإعلام الغربي. فما يهتم به الإعلام الغربي ويضج به هو قضية الإعلام العربي. أمريكا تريد أن يكون مقتل الجندي شيئاً مألوفا يتداخل مع الحياة اليومية. ليمر كأنه لم يحدث. فتظهر أنها لا تهتم بها بحكم أن الغنيمة تستحق أكثر من مجرد جندي يوميا. ولكن الشيء المثير للريبة هو غياب الشعب الأمريكي. لا مظاهرات ولا احتجاجات. كل شيء هادئ على الجبهة كما يقولون. هناك رأي أردده دائماً ومن الصعب أن أجد له مؤيدين بين الواقعيين العرب. الشعب الأمريكي لا يهتم إلا إذا أرادت له الحكومة الأمريكية أن يهتم. فالحكومة الأمريكية هي التي تجعل شعبها يهتم أو تجعله غير مهتم بعيدا عن كل ادعاءات حرية الإعلام وحرية الصحافة وسهولة نقد الحكومة وتأثير الرأي العام إلى آخر الأساطير التي نسمعها عن أمريكا. لم نسمع شيئاً عن غضب الشعب الأمريكي ولم نسمع أن الرئيس بوش يعاني حرجاًً سياسيا ولم نسمع أن هناك محاكمات سوف تنصب في الكونجرس أو مجلس النواب لمحاكمة قتلة الجندي الأمريكي. كما أن خبر الجندي الأمريكي المقتول لا يشكل خبرا مهماً في الإعلام الأمريكي. فالإعلام الأمريكي منصرف لتأسيس حرب جديدة في مكان إسلامي آخر ويتغنى بالنصر في العراق.شيء آخر: لا أعرف ما هي نتائج هذه المقاومة التي يبديها الشعب العراقي ضد الجيش الأمريكي . تنتابني مخاوف كثيرة فهروب الجيش الأمريكي في النهاية سوف يحوِّل العراق إلى غابة من الفوضى التاريخية أو قد تلجأ أمريكا إلى الحل التقليدي الذي تلجأ إليه في أمريكا الجنوبية وهو تنصيب صدام جديد باسم جديد وتعيد له سلطة مخابراته مع حريات زائفة وهذا ما ينغص إجازتي والله أعلم.