أصبحت النظرة لمدمني المخدرات بأنهم مرضى بعدما كانت النظرة السابقة أنهم فئة خارجة عن القانون وأن التعامل معهم يجب ان يكون بواسطة رجال الأمن وأن مصيرهم السجون وما إلى ذلك وكان قد اختلط على أولئك المتعاطين مفهوم المخدرات فسلكوا هذا الطريق المحفوف بالمخاطر نتيجة ظروف مختلفة ومتعددة والدولة حفظها الله أولت اهتماماً كبيراً بهذا الجانب حيث أنشأت عدداً من المراكز التي تعتني بمدمني المخدرات ويتم فيها معالجتهم حتى يخرجوا سالمين متعافين وهنا نتحدث إلى مدير أحد هذه المراكز.. مركز التأهيل النفسي بمدينة بريدة.. الأهداف والتخصصات مركز التأهيل النفسي بمدينة بريدة يقول عنه مشرفه العام الاستاذ عبدالله بن محمد البليهي، دبلوم عالٍ في دراسات الأنظمة وليسانس علوم شرعية إنه أحد المراكز المتطورة في تقديم الخدمات الطبية النفسية والاجتماعية لمرضى سوء استخدام العقاقير، وهو وحدة مستقلة بالمبنى رقم (3) بمستشفى الملك فهد التخصصي ببريدة ويضم المركز فريقاً إدارياً من الخبرات الوطنية المؤهلة والمدربة على أحدث أساليب إدارة المستشفيات بالإضافة إلى فريق علاجي متكامل في مختلف التخصصات في الطب النفسي والصحة النفسية والخدمة الاجتماعية ولهم خبرات عديدة خارج المملكة وداخلها وقد تم تجهيز المركز بأحدث الوسائل العلاجية ليناسب ظروف مرضى الإدمان وتقديم الرعاية الشاملة لهم من فراش وملابس وتغذية وترفيه وجميع وسائل النظافة لوقاية وسلامة مرضاه وقد قام صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم حفظه الله بافتتاح المركز في 29/1/1416ه. ويتكون من قسمين للتنويم الأول للمتقدم طواعية والآخر للمنومين قسريا بالإضافة إلى العيادة الخارجية لمناظرة المرضى بغرض تشخيص حالاتهم وإدخال من يعانون من أعراض انسحابية شديدة إلى الأقسام الداخلية لعلاجهم كما يوجد قسم الرعاية اللاحقة وذلك لمواصلة علاج المرضى المنومين بعد خروجهم. الوسائل العلاجية قال البليهي: يبدأ العلاج عند دخول المريض إلى المركز وفقاً لدرجة التسمم العقاقيري أو لشدة الأعراض الانسحابية التي يعاني منها المدمن ويستخدم فيها الأدوية الطبية والنفسية، ويتم عمل فحوصات طبية وتحاليل شاملة للمريض ويتم تحويله إلى الأقسام المتخصصة داخل مستشفى الملك فهد التخصصي عند الضرورة ثم يأتي العلاج النفسي حيث يبدأ بعد زوال الأعراض الانسحابية ويتم عن طريق اخصائي الطب النفسي واخصائي الصحة النفسية ويتم عمل برامج للعلاج الفردي والعلاج الجمعي وتهدف الجلسات إلى التعرف على الأفكار الخاطئة والعمل على تصحيحها وزيادة الدافعية لدى المريض نحو التعافي ومنع الانتكاسة ثم تدريب المريض على المهارات التي تساعده على مقاومة الاشتياق للتعاطي ومواجهة رفقاء السوء وللأسرة دور هام وحيوي في العلاج ولذلك يقوم الاخصائي الاجتماعي بعمل الاتصالات مع الأهل وعقد جلسات مع أسرة المريض وكذلك من خلال جلسات علاج أسري لرفع المهارات الاجتماعية والعلاج الأسري مهم لتدعيم العلاج وذلك بحل المشاكل التي غالباً ما تكون موجودة بين المريض وأسرته هذا بالإضافة إلى العلاج الترويحي والنشاطي الرياضي والتوجيه المهني ولا ننسى هنا أهمية الرجوع إلى الله والتمسك بديننا الحنيف لذلك تم الاستعانة بالمتخصصين لتقديم محاضرات دينية لحث المرضى على الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وبطبيعة الحال فإن طبيعة مرض الإدمان تضعف من قدرة المدمن الجسدية لذلك اهتمت إدارة المركز بإنشاء قسم للعلاج الطبيعي ويقوم به اخصائيو العلاج الطبيعي لاستعادة حيوية الأنسجة مع التدخل في حالات الإعاقة البدنية الناتجة عن التعاطي وكذلك العلاج الرياضي ويشمل التمرينات البدنية والقيام بالأنشطة الرياضية وعقد مسابقات لرفع مستوى التكامل والتعاون الاجتماعي بين المرضى. وأضاف ان هناك وسائل علاجية كثيرة اذكر منها العلاج بالإبر الصينية لتعليم المريض مهارات الاسترخاء مع استخدام أجهزة التغذية الرجعية بحيث يستطيع المريض ان يسيطر على التوتر الذي يشعر به عند اشتياقه للتعاطي وبالنسبة لشغل أوقات الفراغ يوجد قسم العلاج بالعمل ويهدف إلى تعليم المرضى مهارات جديدة لشغل أوقات الفراغ مثل الرسم والأشغال الفنية وتعليم الآلة الكاتبة والحاسب الآلي وإنماء الحس المهني، والتدريب على بعض المهن التي تساعد المريض على ايجاد عمل مناسب لقدرته حيث ان الكثيرين عاطلون عن العمل. الرعاية اللاحقة وبين البليهي ان العلاج من الإدمان هو عملية مستمرة لا تنتهي بخروج المريض من المركز ولكن تبدأ مرحلة جديدة من مراحل العلاج وهي المحافظة على التعافي والمركز يستقبل المرضى في العيادة الخارجية صباحاً في مواعيد منتظمة ويتم فيها التعرف على مظاهر الاشتياق وكيفية مواجهتها وكان من الطبيعي ان نفكر في إنشاء وحدة الرعاية اللاحقة حيث يتم استقبال المتعافين يوميا صباحا ومساء ويتم تقديم جلسات دينية وعلاجية فردية وجماعية عن سبل مواجهة الاشتياق والرغبة وطرق الوقاية من الانتكاسة هذا بالإضافة إلى شغل وقت الفراغ من خلال تعليم الآلة الكاتبة والحاسب الآلي والرحلات الترويحية والسفر إلى مكة لأداء العمرة وممارسة الرياضة خاصة في الفترة المسائية وتكوين صداقات جديدة واستكمال البرنامج الذي بدأ في الأقسام الداخلية بالمركز وقد أثبتت الدراسات ان 90% من المرضى ينتكسون بسبب عدم استمرارهم على المتابعة وان 80% يتعافون لعلاقتهم الوثيقة بالرعاية اللاحقة واستمرارهم على المتابعة لفترات طويلة. وعن تحقيق استجابات هؤلاء المرضى للعلاج وهل يخضعون لنوعية التعاطي؟ قال الحمدلله فنحن مجتمع لا يرث المخدرات لكي يكون لديهم ما يجعلهم يرفضون فكرة العلاج فهم من أسر ذات وازع ديني يدفعهم إلى العلاج وتقبله وقد منَّ الله على كثير منهم بالتعافي فأصبحوا مرشدين يساهمون في العملية العلاجية أما بالنسبة لطبيعة العلاج فتعود إلى نوعية العقار ومدة تعاطيه وشدة الأعراض الانسحابية والخلفية الاجتماعية والثقافية والمهنية للمتعاطي. ومتوسط بقاء المريض بالمركز 4 أسابيع وقد تنقص أو تزيد قليلا حسب حالة المريض. أسباب الانتكاسة عن هذا قال: التعافي عملية مستمرة تبدأ مع العلاج وتستمر بعد الخروج إذا توفرت العوامل التي تحافظ على استمرار التعافي مثل دعم الأسرة للمتعافي وان الخطر يكمن في رفض المريض وعدم تقبله فكرة العلاج وهو ما نطلق عليه بإنكار واقع التعاطي الذي من خلاله يبقى المريض في ظلاله والمريض عادة مايمن الله عليه بالتعافي من خلال قوة الإرادة واقتدائه بقدوة صالحة وبذلك تقل فرصة الفشل أضف إلى ذلك المراجعة المستمرة والمنتظمة للعيادة الخارجية أو وحدة الرعاية اللاحقة وتجنب العوامل التي تؤدي إلى الانتكاسة فأهمها أصدقاء السوء والذين يلحون على المريض ويشجعونه على معاودة التعاطي والحقيقة ان الانتكاسة مسؤولية المريض نفسه أما التعافي فهو ثمرة قبول المجتمع والأسرة للمريض وقدرتهم على احتوائه. والحقيقة نحن نؤمن بأن أعسر الناس أيسرهم هداية والبرنامج العلاجي قائم على تبصير المريض بمرضه حتى لو لم تكن له رغبة للعلاج مع العلم ان المدمن من الصعب عليه اتخاذ قرار بالعلاج ما دام تحت تأثير المادة المخدرة وكثيرا مايفضي المريض للمعالج الشكر والامتنان عندما يزول تأثير المخدر ويستبصر بحالته. وعن المسببات التي تدعو إلى تعاطي المخدرات؟ قال في الواقع ان المسببات المؤدية لتعاطي المخدرات كثيرة ومتنوعة منها: - أخطاء التنشئة الاجتماعية خاصة في مراحل الطفولة مما يجعلها تنعكس على ذات الفرد في مراحل لاحقة مثل المراهقة نتيجة تفكك الذات فيكون العقار ماهو إلا وسيلة لتطبيب تلك الذات. - الخلافات في الأسرة خاصة بين الزوجين وانهيار الجو الأسري مما يجعل الأبناء يقعون فريسة لشعورهم بعدم الأمن والاستقرار النفسي مما يدفعهم للهروب من الواقع المعاش إلى العقار الإدماني. - الاعتقادات الخاطئة من البعض على سبيل المثال بأن المنشطات تساعد على الاستذكار فتسبب للشاب اعتمادا نفسياً ويقع في بؤرة الإدمان. - ضعف الوازع الديني وأصدقاء السوء وما لديهم من تأثير على الايقاع بالآخرين في الإدمان. - خوض غمار التجربة خاصة لدى فئة المراهقين وما يحدث في هذه المرحلة من تغيرات على كافة المستويات والتجربة هنا تكلف الكثير. ولاحظنا تحسناً ملموساً في مستوى وعي الأسرة وتعاونها منذ افتتاح المركز وحتى الآن بفضل ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين ممثلة بوزارتي الصحة والداخلية في الاهتمام بزيادة نشر الوعي في أهمية علاج ومكافحة المخدرات مما أدى إلى زيادة معدل تقدم الأسرة بأبنائها للعلاج بالمركز كما تحسن قبول الأسرة للمريض بعد العلاج ورعايتها له ودفعه للاستمرار بالمراجعة للمركز مما زاد من نسبة التعافي. التعاون مع المستشفيات وعن مدى التعاون القائم بين المراكز وبين مستشفيات علاج الإدمان الأخرى في المملكة؟ قال البليهي: بخصوص هذا الموضوع الحقيقة هناك تعاون فيما بيننا إلا أنني أتمنى ان تزداد فعالية هذا التعاون لتشمل أكثر من جانب سواء ما يخدم العملية العلاجية (المريض- الطاقم العلاجي) ويكون ذلك وفق نظم وأسس متفق عليها، وما دمت تعرضت لهذا السؤال فإنني أقترح ان يكون هناك لقاءات دورية سواء من خلال تكثيف الدورات التدريبية للنهوض بمستوى العاملين (اخصائيين وفنيين) وعلى المستوى الطبي أقترح أيضاً ان يكون هناك لقاءات دورية يتم خلالها تقديم ومناقشة الحالات الصعبة وكيفية التعامل معها وأنجح الطرق لعلاجها فهذا في حد ذاته يعد وسيلة ارتقائية لتبادل الخبرات الطبية في الجانب العلاجي والحق يقال إنه لم يحدث مرة أن حدث قصور أو تأخير من أي مستشفى علاج إدمان حينما يدخل لدينا مريض وقد سبق له الدخول في أي منها حينما نطلب أي بيانات عنه، بالإضافة للتعاون القائم من خلال المساهمة بالمقالات التوعوية والوقائية في هذا الجانب بمجلة الأمل الغراء وأعدادها الدورية. كما نستطيع ان نساهم من خلال بناء الحس الوطني تجاه هذه الظاهرة التي أؤكد انها لم تكن في إرث المجتمع السعودي ولا يمكن ان نغفل دور التنشئة الاجتماعية السوية لابنائنا فهي التكلفة الحقيقية لمشروع الوقاية. والحقيقة المسؤولية تقع على المريض فهو مسؤول عن تعافيه وعن انحداره لهاوية التعاطي والأسرة الواعية بإمكانها إدراك مشكلة الأبناء ليتم انقاذهم فكلما كان الاكتشاف مبكراً كلما كان العلاج أيسر ومن ثم الوصول لمرحلة التعافي أسرع. وحدة المكافحة بالمركز وبين ان وحدة مكافحة المخدرات بالمركز لها دور فعال سواء في مد يد العون مع الطاقم العلاجي أثناء فترة التنويم للمرضى من خلال الدعم الفردي والجماعي لرئيس الوحدة لهؤلاء المرضى بعمل محاضرات وعرض صور لأناس انتهت حياتهم بالمأساة وكذلك اللقاءات المتعددة لوحدة المكافحة مع الناقهين والمتعافين من خلال الندوات وعمل الرحلات الترفيهية لتلك الفئة، وتقديم العون المادي لهم في شكل مكافآت تعزز عملية التعافي والاستمرار عليها، وقيام وحدة المكافحة كنوع وشكل آخر من الدعم بترشيح أعداد من هؤلاء لأداء فريضة الحج والعمرة. وبالإضافة لما سبق هناك تعاون مستمر من قبل رئيس الوحدة النقيب فهد الدهيش والطاقم العلاجي في الإعداد لعملية خروج المريض ودعمه معنوياً بما يجعل لديه القدرة لمواجهة الواقع الخارجي بنجاح. ويقوم على عاتق المركز العلاج والتأهيل والتوعية ويشارك المركز وزارة التربية والتعليم ممثلة بالإدارة العامة للتعليم بالقصيم بالمعارض والمحاضرات التوعوية على طلاب المدارس وكذلك مشاركة إدارة مكافحة المخدرات في برامجها التوعوية وإعداد محاضرات دورية داخل سجون منطقة القصيم وهذا ما يطبق خلال السنة حيث يتم تخصيص يوم الاثنين من كل اسبوع لزيارة المؤسسات الاجتماعية الأدبية وذلك لتوعية النزلاء وهذا يلقى كل ترحيب.