يغيب عن الكثير جوانب خفية من نشاطات أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، وتحديداً في جانبي بره بوالدته، رحمها الله، وتشجيعه نشر الكتاب، فيما التقى الجانبان في مشروع واحد على الأقل هو كتاب «رسالة» المطبوع على نفقة الأمير عبدالمجيد عن والدته غفر الله لها. يحتوي كتاب رسالة على 150 صفحة ومثلها من الدلالات الواضحة على نقل الكتاب من مرحلة الترف الثقافي إلى حقيقة مناقشة هموم المنطقة من خلال 20 صفحة تحدثت عن سيرورة لجنة العفو وإصلاح ذات البين منذ بدايات 1423ه وتاريخها في اعتاق 15 رقبة من حكم القصاص خلال سنتين، ونوافذ على توأمة الأمير عبدالمجيد بين الحزم في تنفيذ حدود الله وإصلاح ذات البين قبل الحكم وبعده، فيما تأكد ان الأمير عبدالمجيد يتتبع بحرص وحكمة كثيرا من القضايا ويرسم بنفسه خطوط إصلاح ذات البين، ويفرح لذلك بصدق. ينطوي الكتاب - قبل الدخول لتفاصيله - على رسالة مكتوبة بحبر الخير الخفي توحي حروفها أن عبدالمجيد الأمير أراد من إصدار الكتاب إشارات عديدة يمكن قراءتها من حروف جملة ممهورة على صدر الغلاف بخط صغير غارق في مساحة شاسعة من البياض يوحي بالتواضع تقول «طبع على نفقة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود عن والدته رحمها الله وغفر لها»، ويقول أيضا أن الأمير كتب اسم والده «عبدالعزيز» واسمه، واسم والدته بخط صغير جداً مقارنة بحجم خط عنوان الكتاب، وفي ذلك إيحاء في تقدير العلم والتأليف، بينما أتبع والدته بجملة «رحمها الله وغفر لها» إشارة إلى أن الأمير يكثر من الدعاء لوالدته منذ رحيلها، وهي رسالة واضحة لمن يهتم بأن مشاغل الحياة لا يجب أن تصرفنا عن إكثار الدعاء لموتانا. يأتي بعد صفحات لجنة العفو عدة أقسام يظهر ويختفي بين سطورها همسات تنسكب في فؤاد كل قارىء، على اعتبار أن طباعة الأمير للكتاب دليل رضاه عن محتوياته، ورغبته في نشرها، وتبدأ بوصايا لكل أفراد الأسرة يحثهم في جوانبها على الاستمساك بالرحمة والمودة والإحسان، ثم تمر النصائح على أفئدة رجال وطلبة العلم يناشدهم خدمة مجتمعاتهم، منادية لهم بحفظ جهدهم ووقتهم بعيداً عن الجدل والتعنيف والتباكي، كما تجمع الرسالة قرائح الشعراء والأدباء وأهل القلم في أمنية واحدة وهي توظيف مواهبهم فيما يرتقي بالمشاعر، وينمي الأذواق، ويستمر التوجيه حتى نهاية الكتاب متدثراً حلة المحب لأهله الناصح لهم المستشهد في «قال الله وقال رسوله». يأخذنا الأمير عبدالمجيد، ومن خلال طباعته وتوزيعه كتاب «الرسالة»، إلى وقفات في ظلال البيوت السعيدة، وكيفية بناء أسقف واقية من البرد الاجتماعي، وجدران حامية للنشء وبينهما زوج وزوجة بروحين متآلفتين، مشيراً إلى أن الأسرة بناء له قواعد وأسس نجاح ، وكذلك وسائل حفظ، وطرق رعاية، مشيراً إلى دور الأسرة في الحفاظ على كيان الإسلام، «الأسرة الكبرى»، موضحاً أن «يبسان» أشجار المودة تكسير لجذوع التآخي والترابط والتراحم، كما تنادينا لقراءة سبعة أسس لازمة لإقامة بيت سعيد يبدأ بمعرفة هدف الحياة، وأن الأسرة والسكن من أنعم الله والتقوى كذلك، وكذلك وجوب أداء الأمانة والقيام بالمسؤوليات، وأن الحب شرط لاستكمال الإيمان، اضافة إلى تجديد الحياة بين الزوجين وتنشيطها دون الحاجة إلى أن يعني التجديد الزواج بثانية أو ثالثة. وتنادي الرسالة بالتركيز على أساسين لإقامة بيت سعيد هما التعاون والحب، موضحة أن قوامة الرجل منحة ربانية مسبوقة بفطرة وقدرة طبيعية على القيام بوظائف تتواءم مع متطلبات الحياة، وملمحاً إلى أن التروي أحدها، مع تأكيد دور السيدات وعمقه، وتأكيد توحيد القيادة بيد الرجل طالما السيدة عطر البيت وحنانه حتى لا تذهب ريح الأسرة ويسكنها الفشل، فيما يعود الحديث عن طعم الوجود المستمد من الحب بين الزوجين، مشيراً إلى أن الحب كفيل بتحويل مرارات الحياة إلى شهد. ثم أن قوامة الرجل لا تعني التسلط ولا التكبر أو الغطرسة. يدس الكتاب رسالة ثالثة في منتصف كتاب «رسالة» حديث من ذهب عن بر الوالدين ومعاني وجود صوتيهما يزين بيوت أهل البر من الأبناء، ثم يملأ «رسالته» بمشاهد تخيلية لأب وأم وهما يدلفان نحو مكان قصي من الدار يحملان بيديهما سجادة صلاة وعلى لسانيهما أدعية لا تتوقف أن يجعل الله التوفيق طريق كل فتى وفتاة بارين بوالديهما، كما يستل الأمير من صدر التراث نماذج لشباب وشابات ماتوا منذ ألف سنة وأكثر لكنهم لا يزالون أحياء يمشون بيننا على عروش حكايات برهم بوالديهم، ويلبسون تيجاناً لا تسقط أبداً، كذلك تأخذنا إلى القرآن الكريم وحديث متشبع بالحكمة عن قوله تعالى {وّاعًبٍدٍوا اللهّ وّلا تٍشًرٌكٍوا بٌهٌ شّيًئْا وّبٌالًوّالٌدّيًنٌ إحًسّانْا } . ندخل إلى الرسالة الرابعة بعد «حداء طويل» عن خطورة عقوق الوالدين، ومظاهره، واصفه بالظلم العظيم لا يمارسه إلا كل جاحد عنيد، وشدد على أن نية العقوق أو التفكير به يعتبر إثما عظيما، ثم الاستشهاد بقول للامام أحمد عن أن بر الوالدين كفارة للكبائر، وبالتالي يغلق باب الرسالة الثالثة، ويلج للباب الرابع، وتفاصيل دقيقة عن مكاسب صلة الرحم مع سرد عشرات تعاريف وشروحات لها ومآثر تبدأ وتنتهي بالخير الكثير والعمر المديد، مسنودة بإثباتات عديدة من القرآن الكريم والإرث المجيد من محمد النبي الكريم دوماً مع أهله حتى الغاضبين الناكرين لنبوته، واختتمت الرسالة أحاديثه بأمثلة ممتعة من ارث أمتنا المكتنز بمئات القصص القادرة على زرع الخير في نفس كل عين تقرأ سطور كتب التاريخ الاجتماعي.حذرت الرسالة بعنف من خطر عقوق الوالدين، وكذلك قطع الرحم، مؤكدة أن القطيعة كلها شؤم ونكد، ثم يفتح لنا باب خامس في رسالة أبوية عن حقوق الجار، ووصايا نبينا وديننا بكل من يشاركنا الهواء وأسرارنا المتسربة من جدران تصبح شفافة إذا تصافت النفوس وأصبحت «الجيرة الحسنة» نوعاً من العبادة المستمرة المعروف أجرها وقدرته على جعل مسالك الجنة أقرب من الحلقوم.ينتهي حديث كتاب الرسالة عند الصفحة 50 بعد ال100، وكلنا ثقة أن غلافه يحتوي دلالات على أن أمر الأمير بطباعته يأتي عن قناعة بأن محتوياته كلها صوت مكتوب أن اتخذوا لله سبيلاً حسناً وللوالدين والأرحام والجيران، وجاء كل ذلك مصحوباً بدليل عملي عندما كتب على الغلاف «طبع على نفقة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود.. عن والدته رحمها الله وغفر لها». وأن هذه الرسائل الجميلة فيما تنسل إلى البيوت المسلمة تدخل عليها السرور من أوسع الأبواب وتأتي إليها كالماء البارد على الظمأ، وتذهب العطش وتبرد مرارة الفؤاد. إن البيوت المسلمة بأمس الحاجة إلى مثل هذه التوجيهات المباركة التي يعود نفعها ويفوح عبيرها للمجتمع بأكمله. [email protected]