حينما يكون الخطيب ذا سمت حسن، وخلق رفيع، وعاملاً بعلمه، ومتميزاً في خطبته، ونافعاً لجمهوره، حسن الأداء، يتكلم بكل مفيد، تجد الناس يتزاحمون على حضور الصلاة في مسجده، لسماع خطبته، ويحضرون إلى المسجد في الساعة الأولى مبكرين ليجدوا مكاناً في المسجد. فالخطيب بدله وسمته وفصاحته وحسن أدائه يجذب المصلين إليه، لأنه يُحوِّل مسجده إلى مَعْلم ثقافي شرعي، ومكان تربية وأدب، ومراقبة لله - عز وجل-، كما كان المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منبع نور، ومصدر هداية، ومدرسة تفقه في الكتاب والسنة، فيخرج المصلون من المسجد تحفهم ملائكة الرحمن، لأنهم ارتفعوا عن الدنيا، عن المادة، إلى الله - سبحانه وتعالى - لا يريدون إلا وجهه، في جميع أعمالهم وأحوالهم، وهذا من ثمرات هذا الخطيب المخلص. ورد في صحيح مسلم في «كتاب التوبة»، قال حنظلة الأسيدي -وكان من كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلتُ: نافَقَ حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافَسْنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً، قال أبو بكر: فوالله إنا نَلْقَى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: نافَقَ حنظلةُ يا رسول الله، فقال رسول الله: «وماذاك؟» قلت: يا رسول الله نكون عندك، تذكرنا بالجنة والنار، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكْر، تَصَافَحتْكم الملائكةُ على فُرُشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً» ثلاث مرار. وهكذا تفعل الموعظة في النفوس، فيا خطباء المنابر اتخذوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قدوتكم تُفْلِحوا .